الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منبر الجمعة وتشجيع التسامح

18 أكتوبر 2009 01:31
يجتمع المسلمون، في كل أنحاء العالم، وخاصة الرجال منهم ظهر كل يوم جمعة في مساجدهم المحليّة لأداء الصلاة وسماع خطبة الجمعة. وعند حضوري لهذه الصلوات في مساجد مختلفة هنا في أنحاء جاكرتا، وهي عاصمة دولة مترامية الأطراف كإندونيسيا التي تتمتع بالتسامح إلى درجة كبيرة، أسمع أحياناً وعاظاً يعبّرون في خطبهم عن الحقد والكراهية تجاه أناس من أديان أخرى. وحتى يتسنى لهم دعم وجهات نظرهم، يشير هؤلاء الواعظون المتشددون عادة إلى آيات قرآنية كريمة يسيئون تفسيرها بشكل بالغ، بحيث لا يظهر معناها الحقيقي. ومن الآيات الكريمة التي يُشار إليها أحياناً عديدة، قوله تعالى: «وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ» (البقرة- 120). ويستطرد بعض الوعاظ مستخدمين هذه الآية الكريمة قائلين إن اليهود والنصارى سيحاولون تحويل المسلمين إلى اليهودية والمسيحية، الأمر الذي يخلق شكوكاً وعداءً ضد أتباع هاتين الديانتين. إلا أن ما يَفشل هؤلاء الواعظون في استحضاره هو المضمون الاجتماعي والسياق التاريخي الخاص الذي نزِلَت فيه هذه الآيات، ويحاولون بدلا من ذلك إسقاط معنى حرفي لها على وضعنا المعاصر. وإذا نظرنا عن كثب لاحظنا أن هذه الآية بالذات تتعلق بتحويل الاتجاه الذي يتوجه إليه المسلمون عند صلاتهم من المسجد الأقصى في القدس إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة. وقد هزأ بعض الأفراد من اليهود والمسيحيين من تحويل القبلة الذي نزل الأمر به على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين تجاهُل ذلك الرد، ونزلت هذه الآية مواساة لهم. ولم تكن غاية الآية لا الموافقة على التفرقة ولا تنمية تحامُل لدى المسلمين تجاه جيرانهم من غير المسلمين. وليس من السهل طبعاً ضمان أن يلقي الواعظون خُطبهم بناء على دراسة دقيقة وتفسير متمعن في الفكر والنصوص الإسلامية. إذ يتم عادة اختيار مواضيع الخطب الدينية بناءً على منظور ما يريده جمهور المصلين أو ما يحتاجونه، أو حول مواضيع تثير الحماسة والتوهّج. وكما هو الحال في العديد من العقائد والأديان، يشعر الوعاظ أحياناً بأنهم سيتمتعون باحترام أكبر إذا استطاعوا إلهاب عواطف مستمعيهم. ولذا يعتبر إقناع الجمهور بالبقاء هادئاً، أو بالعمل لحل الخلافات عبر حلول وتفاهمات محتملة في وجه المصاعب، خياراً أقل شعبية. وإضافة إلى ذلك، لا يستطيع العديد من الوعاظ هنا الوصول إلى النصوص الدينية المتنوعة والتعليقات والتفاسير المختلفة باللغة الإندونيسية. ويعني هذا أنهم ينزعون إلى أن يمرروا رسائل من معلميهم دون النظر إلى وجهات نظر أخرى بعين ناقدة. والراهن أن هناك حاجة ماسة في عالم يؤدي فيه سوء الفهم أحياناً إلى العنف، إلى واعظين دينيين يشجعون التسامح والحوار والتعاون بين المجموعات الدينية المختلفة. كما تحتاج المؤسسات التي تقوم تقليدياً بتدريب الواعظين، مثل المدارس الداخلية الإسلامية والجامعات الإسلامية والمساجد، لأن تكون مجهّزة بمكتبات تضم الآداب باللغة الإندونيسية التي تشجّع التسامح. وسيوفر ذلك للوعاظ المستقبليين سبل وصولٍ أوسع لموارد يمكنها أن توسّع معرفتهم بالإسلام ومقاصده السامية، وتساهم في تحسين العلاقات بين المسلمين والمجموعات الدينية الأخرى المختلفة. وإضافة إلى ذلك ينبغي استحداث المزيد من البرامج التي تدّرب الوعاظ. ويمكن للمنظمات الإسلامية الوطنية مثل «نهضة العلماء» و»المحمودية» التي تروّج لإسلام التيار الرئيس، وتملك رجال دين برزوا وتميّزوا في تقديم تعاليم الإسلام بلغة واضحة في التسامح والتفاهم، يمكن لها أن تأخذ زمام القيادة في ذلك. ونتيجة لهذه الجهود سنجد المزيد من الخطب التي تشجع السلام في المزيد من المساجد، ليس فقط في العاصمة جاكرتا وإنما كذلك في كافة أنحاء إندونيسيا. خيري الأزهر مدير البرامج الدولية بكلية لازوردي الإسلامية في جاكرتا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©