الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البريطانيون وأميركا... كراهية من طرف واحد!

البريطانيون وأميركا... كراهية من طرف واحد!
18 أكتوبر 2009 01:30
سؤال سريع: من الذين لديهم علاقات أكثر توتراً وتشنجاً مع الولايات المتحدة؟ الفرنسيون أم البريطانيون؟ إذا اخترت الفرنسيين، فتأمل ما يلي: تشير استطلاعات رأي أجرتها إحدى الصحف الباريسية إلى أن 72 في المئة من الفرنسيين لديهم انطباع إيجابي عن الولايات المتحدة، بينما تشير استطلاعات رأي بريطانية أجريت على مدى العقد الماضي إلى أن نسبة متدنية من البريطانيين لديهم رأي إيجابي عن الولايات المتحدة. في بريطانيا، من المعروف أن صحيفة النخبة والمثقفين، «الجارديان»، هي التي تحدد عادة نبرة البلاد الثقافية وتضبطها؛ ولكن اللافت، أن المرء يمكن أن يلاحظ بسهولة، في أي يوم من الأيام، مجموعة من الأخبار والتقارير التي تصوب سهامها إلى أميركا، وإلى كل ما هو أميركي. ومن جهته، يناقش راديو 4 التابع لـ «بي بي سي»، وهو محطة إذاعية للأخبار المحلية والبرامج الحوارية، بشكل دوري مشاكل بريطانيا الاجتماعية ويأسف لها، ولكنه يتبع ذلك بشيء بات سماعه مألوفاً في بريطانيا: «على الأقل، نحن لسنا أسوأ من الأميركيين». والواقع أن الأمر لا يتعلق بنزعة جديدة؛ ذلك أن المقت البريطاني لأميركا يعود إلى ما قبل إدارة بوش وغزو العراق. ففي يوم الحادي عشر من سبتمبر وبينما كانت الطائرة الثانية ترتطم ببرج مركز التجارة العالمي، كانت زوجتي تتحدث عبر الهاتف مع صديقة إنجليزية تربطها بها صداقة طويلة. وفي خلفية المحادثة، تناهى إلى سمعها صياح ابن صديقتها المراهق يهتف أمام التلفاز: «أخيراً، نال الأميركيون نصيبهم!». قد يكون من الصعب على الذين تربوا على التفكير في بريطانيا بوصفها «البلد الأم» الذي من أجله خضنا حربين عالميتين ومعه فزنا بالحرب الباردة، فهْم أسباب كل هذا الحقد والكراهية. ولكن، لماذا يكنون لنا هذه المشاعر؟ الواقع أنني كثيراً ما طرحت هذا السؤال خلال السنوات التي كنت أعيش فيها في لندن. ولعل أحد أفضل الأجوبة التي تلقيتها هو ذاك الذي صدر عن امرأة إنجليزية كنت أقتسم معها طاولة المقهى حيث قالت لي: «ذلك لأننا كنا في وقت من الأوقات كباراً ومهمين، ولكننا لم نعد كذلك. فاليوم، أميركا هي التي أضحت كبيرة ومهمة، ولن نستطيع أبداً أن نغفر لكم ذلك». لقد أصبح كُره الأشياء الأميركية أمراً ثابتاً وراسخاً في بريطانيا مثل حركة المد والجزر في نهر «التايمز» لأنه يغذي غروراً قومياً آخذاً في التضعضع. وثمة كتاب جديد يوثق لمشاعر الكره على مدى أكثر من ثلاثين سنة من العداء البريطاني الشديد ويكشف كيف باتت مترسخة ومتجذرة في المزاج العام الشعبي البريطاني. حيث كتبت كارول جولد، وهي روائية وصحفية أميركية مهاجرة، في كتابها «لا تدس عليَّ»: «ليس لدى الأشخاص الذين أصبحوا يعتقدون أن أميركا هي اليوم (دولة بوليسية) وأن الولايات المتحدة (وصمة عار عبر العالم)، حجج أو أسباب منطقية». والواقع أن تجربة وأجواء فترة ما بعد غزو بوش للعراق بزمن قصير توضح ذلك. فذات صباح، كان أحد الأميركيين الذين أعرفهم يتحدث في الشارع في لندن. ولدى سماع لكنته الأميركية، صاح فيه رجل بريطاني: «خذوا دباباتكم وترسانتكم وعودوا إلى أميركا!». وبعد ذلك، لكمه البريطاني عدة مرات. وبالتالي، فلا غرو، والحالة هذه، أن أصدقاء أميركيين آخرين كانوا يخبرون السكان المحليين بأنهم من كندا. وكانت الشرطة المحلية قد أوصت بمتابعة القضية في القضاء، ولكن بعد أن علم النائب العام بأن الضحية أميركي، عمد رأساً إلى إسقاط القضية على رغم أن المعتدي له سجل حافل من الاعتداءات على الأجانب. والواقع أن ثمة أمثلة كثيرة أخرى على مشاعر الكراهية والضغينة هذه. وفي هذا المقام أتذكر شخصياً أنني وزوجتي كنا نرتشف القهوة مع أحد معارفنا؛ واستهلت المرأة، التي كانت تعمل في قصر باكنجهام، الحديث بقولها: «هل سمعتم أحدث نكتة عن الأميركيين؟» وقد تبين في ما بعد أنها عنصرية ضد السود أيضاً. والمفارقة أن من المألوف جداً أن تسمع البريطانيين ينتقدون الأميركيين باعتبارهم عنصريين (على رغم أن لديهم الآن رئيسا أميركيا من أصل أفريقي)، ومتعصبين دينيين، وملوِّثين عالميين، ومروجين للحروب، ومتدنين ثقافياً. وليس هذا كل شيء، فإذا كانت أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية البريطانية قد حددت نحو 5 آلاف متطرف في بريطانيا، إلا أن حتى هؤلاء الأشخاص لا يُستهدَفون بحجم الكراهية والعداء اللذين يوجَّهان للأميركيين. وكان موظف بريطاني في قناة «سي إن إن» الأميركية تربع ذات يوم وقال لي، بدون مزاح، إن أية شهادة ثانوية عامة إنجليزية تعادل في الواقع شهادة جامعية أميركية. وهذا الاستعداد لرؤية الشر في كل ما هو أميركي يتحدى العقل. والواقع أن هذه الأمثلة والحالات، يمكن محوها والتخلص منها، كل واحدة على حدة، ولكنها مجتمعة ترقى إلى حالة تعصب بريطاني محسوسة بقوة، إذا أردنا تسمية الأشياء بأسمائها. وقد كتب الأديب أوسكار وايلد ذات مرة يقول: «إن العقل الإنجليزي يتقلب دائماً في حالة غضب». ولكن الطاقة المطلوبة للحفاظ على ذلك الغضب البريطاني قد يكون من الأجدر صرفها في تغيير ما تصفه مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية بأنه «دولة غير قوية ذات تطلعات عالمية لن تجد إليها سبيلا». ولعل المشكلة الكبرى هي أن هذه المشاعر، ومثلما هو الحال مع كل أنواع الكراهية، تميل إلى أن تكون مدمرة للذات؛ فخطرها يكمن في أنها تفسد الأجيال المقبلة. إن العداء العام البريطاني لا يضر الولايات المتحدة إذا لم يرد الأميركيون على ذلك بالمثل؛ غير أن التعصب يضر المملكة المتحدة نفسها لأن ثمة شيئاً محزناً بخصوص مجتمع يشعر بالحاجة للتقليل من شأن الآخرين وقذفهم بالسوء من أجل تقوية تقديره للذات. ولكن على بريطانيا أن تفهم أن هذه النية السيئة تسمم خزان النوايا الحسنة الذي كانت تتمتع به في أميركا، وأنه ما لم يعدل البريطانيون مواقفهم، فإنهم مرشحون ليصبحوا غير ذوي أهمية في أعين الأميركيين أيضاً. والتر رودجرز مراسل دولي سابق لقناة «سي إن إن» الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©