الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان... تفكيك البنية التحتية للفساد

7 يونيو 2010 21:21
لم تكن الزيارة التي قام بها الرئيس كرزاي إلى واشنطن خلال الشهر الماضي أكثر من مناسبة "جبر خاطر" بعد مرور فترة على الإدارة الأميركية وجهت فيها انتقادات مباشرة وقاسية للحكومة الأفغانية. ومع أن التوتر في العلاقات قد تمت معالجته خلال الزيارة الأخيرة، إلا أن العديد من القضايا بين البلدين ظلت عالقة، لاسيما تلك المتعلقة بالفساد الذي لم يُتطرق إليه إلا لماماً، على رغم أن هذه الآفة تهدد فعلا بإجهاض النجاح في أفغانستان بغض النظر عن التحديات العسكرية والأمنية في البلاد التي لن تجدي السيطرة عليها في القضاء على الفساد. وحسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية "ترنسبارنسي إنترناشيونال" تحتل أفغانستان المرتبة الثانية بعد الصومال ضمن أكثر الدول فساداً في العالم، هذا بالإضافة إلى دراسة أنجزها مكتب الأمم المتحدة لمراقبة المخدرات والجريمة يشير فيها إلى أن الفساد يشكل ثاني أكبر مساهم في الناتج الإجمالي المحلي بأفغانستان، بحيث بات من الواضح أن معضلة الفساد هي المشكلة الأكبر التي يعاني منها الأفغان وتنذر بإفشال الجهود الدولية المبذولة لبناء مؤسسات الدولة في أفغانستان, وفي محاولة من المجتمع الدولي لفهم أبعاد الفساد واستفحاله نظمت مؤسسة "راند" في الأسبوع الماضي اجتماعاً بالعاصمة كابول ضم المدير العام بالحكومة الأفغانية المكلف بمكتب المراقبة ومحاربة الفساد، بالإضافة إلى نشطاء المجتمع المدني والصحفيين والبرلمانيين والمربين، وفيما ناقش المشاركون المؤشرات السلبية التي تؤكد تفشي الفساد وهيمنته على جميع مناحي الحياة الأفغانية، برزت في الوقت نفسه أفكار توحي بمدى رغبة المجتمع في مكافحة هذه الظاهرة وتطوير الآليات والوسائل الكفيلة بالقضاء عليها، أو على الأقل الحد من تفاقمها. وبالنظر إلى الإحصاءات والأرقام التي تقدمها المنظمات الدولية يبدو الفساد في أفغانستان وكأنه قدر حتمي لتغلغله في الحياة الأفغانية، بل إنه أصبح، وهذا ما لا تشير إليه الإحصاءات الرسمية، جزءاً من الحياة اليومية للمواطنين وبات يدخل في أدق التفاصيل، بحيث يتعين على المواطنين مثلا تقديم رشاوى لجيش من الموظفين قبل أن يتمكنوا من سداد فواتير الكهرباء، أو حتى دفع الضرائب! أما الطلبة فهم مطالبون بدفع رشاوى للمدرسين قبل أن يحصلوا على بطاقاتهم المدرسية. وقد حكى لنا أحد الأفغان كيف اضطر إلى رشوة رجل دين للإشراف على إجراءات اعتناق خطيبته المسيحية للدين الإسلامي! وفي ظل هذا الواقع تجاوز الفساد الحدود المعقولة، بل تخطى ما كان معروفاً في المجتمع الأفغاني قبل عقود، ففيما كان الفساد خلال الأجيال السابقة أمراً منبوذاً وكان الموظف الفاسد محط ازدراء من قبل الجميع، بات اليوم مقبولا وطريقة متعارف عليها لتسهيل الأعمال وقضاء الأغراض! وفي الوقت الذي يعتبر فيه بعض المراقبين الفساد أمراً محتماً في بيئة تسود فيها الفوضى وتتميز بتدني الرواتب وانتشار الفقر، إلا أنه لا يمكن تبرير الفساد الذي يحول دون بناء مؤسسات الدولة على أسس متينة، كما يعيق النمو الاقتصادي، هذا في الوقت الذي يعزز فيه من موقف "طالبان" وباقي الجماعات المتمردة في أفغانستان. ولعل مما حد من جهود محاربة الفساد في أفغانستان أيضاً سعي المجتمع الدولي للتعامل معه على أنه معضلة يتعين استئصالها من القمة حيث يُنهب المال العام على نطاق واسع. ومع أنه لا مناص من تقديم المسؤولين الكبار للمحاسبة وتقييم كيفية تعاملهم مع المال العام، إلا أنه لا يمكن إغفال ما يجري في المستويات الصغرى والمتوسطة، فلو أن المواطنين العاديين يستطيعون الحصول على الخدمات التي يكفلها لهم القانون دون ابتزاز من قبل الشرطة والموظفين لأمكن تحسين ظروف الحياة واستعادة بعض المصداقية في عمل الحكومة. وهنا لابد من التركيز على ثلاثة مجالات للحد من الفساد على المستويات الصغرى والمتوسطة من المجتمع تتوزع على المناحي التقنية والقانونية والثقافية. فمن الناحية التقنية يمكن، على سبيل المثال، إدخال الدفع الإلكتروني للرواتب ليتم الالتفاف على الوسطاء الذين يستغلون أية فرصة لابتزاز المواطنين، كما أنه بدلا من تلقي الرشاوى يمكن تسجيل حجم العمل الذي ينجزه الموظف ومكافأته عليه عوض تسلم المال من المراجعين. وعلى الصعيد القانوني، الذي يمثل التحدي الأكبر، يمكن تجنيد وسائل الإعلام لفضح المرتشين وكشف الموظفين الفاسدين. وفي هذا الإطار أيضاً لابد من تفعيل "مكتب تلقي الشكاوى" الذي أقامه البرلمان الأفغاني ليتحول من مجرد هيكل فارغ إلى مكتب حقيقي يتلقى شكاوى المواطنين ويقوم بمتابعتها بتنسيق مع باقي الجهات مثل الإعلام وغيره. وأخيراً لابد من الاهتمام بالبعد الأخلاقي الذي أثبتت التجارب السابقة في بلدان عديدة فعاليته في محاربة الفساد، لاسيما عندما ينخرط المجتمع بكافة شرائحه في هذا المجهود ويرفض السلوكيات التي تبتز المواطنين مقابل حصولهم على الخدمات، وفي هذا السياق ينبغي أن يتم التشهير بالمرتشين وفضحهم أمام المجتمع. ومع أننا قد لا نرى قريباً أيّاً من المسؤولين الأفغان يمثل أمام المحاكم لفساده وسرقته للمال العام، إلا أن من شأن هذه الإجراءات التخفيف من معاناة المواطنين اليومية من ممارسات الفساد وإعداد جيل جديد من القادة الأفغان أقل ارتهاناً لهذه الآفة وأقدر على مواجهتها والتصدي لها. شيريل بينارد - مسؤولة سابقة في مؤسسة «راند» إيلفيرا لوريدو - باحث في مؤسسة «راند» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©