الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكرامات الأدبية.. سردٌ يفارق مألوف السَّرد

الكرامات الأدبية.. سردٌ يفارق مألوف السَّرد
16 ابريل 2014 20:21
د. لنا عبد الرحمن يتلامس أدب الكرامات الصوفية الشفهية والمدونة مع فن القصة، بيد أنه يختلف عنها في كون الكرامة حكاية مقدسة لدى الصوفيين. وفي كتابه «أدبيات الكرامة الصوفية» (منشورات الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة)، يرصد الدكتور محمد أبو الفضل بدران في التراث الصوفي العربي الخصيب ماهية الكرامات ومهمتها بوصفها نصاً إبداعياً سردياً مستقلاً، له مكوناته البلاغية والأسلوبية والقيمية والوجدانية، ووظائفه الجمالية والتخيلية والروحية والمعرفية، ودلالاته المتنوعة عبر أشكاله الجمالية والتخيلية المتعددة. والكتاب اجتهد مؤلفه في دراسة الكرامات الصوفية المدونة والمنطوقة دراسة نقدية تأصيلية تحاول الوقوف على استقلاله السردي النوعي، ورصد آليات صياغاته، ووجوه دلالاته، والتوصل إلى وضع أساس معرفي «لنظرية الكرامات» من منطلق تجنيسي جديد. ولا يهدف هذا البحث -كما يقرر المؤلف- إلى الدخول في تيه السؤال عن حقيقة حدوث الكرامة من عدم حدوثها، مكتفياً بالوقوف على حقيقة وجودها في التراث العربي، يقول الكاتب: «في إطار محاولتي المتواضعة لتجميع الكرامات الشفهية، لاحظت أن هذا التراث الحي أدعى بجامعاتنا ومؤسساتنا العلمية أن تتجه إلى جمعه وتدوينه، ومن ثم إلى دراسته وتحليله بحيث لا يكتفي بتقديسه من منطلق صوفي أو نبذه من منطلق عقلاني بتحميله وزر بؤرة اللاوعي في العقلية الغيبية لدى الإنسان المعاصر». ويضيف: «إن النص الكراماتي هو نص روائي لا متناه، يستطيع أن يواكب العصور كي يتجاوزها، وهو التدوين الشعبي للأحداث والدول، والتاريخ الهلامي لسيرة الأولياء أو ما يُطلق عليه (hagiographie)، حيث يبدع الشعب في تخليد حياة أوليائه وكتابة سير حياتهم وفق رؤيته لهم، ولهذا فقد أخطأ المؤرخون كثيراً عندما أزاحوا الكرامات الصوفية جانباً، إذ أهملوا بذلك جانباً خصباً من طرائق البحث في الوجه الآخر للمجتمع أشبه بالتأريخ الشعبي للحياة كما يتصورونها ويتمنونها». أسباب للقلق إن العقل العربي الإسلامي يواجه مشقة علمية ليست سهلة في الوقوف أمام الأصل الشرعي للكرامات، خاصة مع وجود آراء كثيرة للفقهاء والأصوليين والفرق الإسلامية في الموروث الديني العربي بين مؤيدي الكرامات ومنكريها، وربما يعكس كل هذا القلق حذر العقل العربي الإسلامي في التعامل مع المقدس والمتعالي من منظور بشري. وقد شرح جلال الدين الرومي في مثنوياته هذا القلق بقوله: «يا أخي إن القصة مثل المكيال، والمعنى فيها مثل الحب في المكيال، فالرجل العاقل يأخذ صحاح المعنى، ولا ينظر إلى المكيال، وإن كان وسيلة النقل». ويرى د. أيمن تعيلب في تقديمه للكتاب: «منطق الكرامات منطق عجائبي غرائبي وظيفته الخروج على المنطق باستمرار، وهو التلاعب خارج النسق لتوسيع حدود النسق، وهو قدرة التخيل على اختراق حدود العقل والتعقل لإعادة تأسيس عقل أكثر حرية وإنسانية وأصالة، ومن هنا لنا أن نتساءل: هل من الممكن أن نقصر فكر الكرامات على المجال الديني فقط، أم الحياة كلها على المستوى الأنطولوجي والأبستمولوجي كرامات لا تنتهي؟». إن لحظاتنا كلها كرامات كما يقول المتصوفة، وربما قلق وارتاب كثير من الكتاب والمفكرين والمؤرخين أمام فكر الكرامات كما تصور مؤلف الكتاب لأنه نداء للمجهول، وإبحار صوب المستحيل واستحضار للغامض، وخرق للمعتاد. ومن هنا، وقف المؤلف في الفصل الأول من الكتاب أمام أهم مصادر الكرامات وموقف المذاهب والفرق الإسلامية منها؛ فتناول فيه أهم المصادر التراثية في الكرامات؛ وأهم الدراسات العربية والدراسات الاستشراقية التي تناولت الكرامات؛ ثم تناول موقف المذاهب والفرق الإسلامية من الكرامات كالمعتزلة والفلاسفة والأشعرية والشيعة؛ وتحدث عن المنظور الفقهي للكرامات، وكذلك المنظور الصوفي. يقول د. تعيلب: «وإذا كان أدب الكرامات له صلة وثيقة بالبعد الديني العقدي، فأنا أظن أن جميع العلوم المعاصرة لها صلتها الوثيقة بهذا الكون المادي الحي الذي ترف عليه القداسة من كل حدب وصوب، ففي التصوف ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر، وفي الكون أيضاً ما زال مذخوراً به ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فالطبيعة من حولنا تعج بالأسرار والغيبيات والغوامض حتى لتمحي الحدود الفاصلات بين العقل البرهاني كما تصوره ابن رشد، والعقل العرفاني كما تصوره أبو حامد الغزالي، والعقل البياني كما تصوره المفسرون وعلماء الحديث والأصول، ولعل هذا التصور يتفق مع تصورات العلوم الرياضية والتجريبية التطبيقية المعاصرة بعد أن انهارت الحدود الثنائية بين منطق البرهان ومنطق العرفان في بنية العلوم المعاصرة، وبدأ عصر العوالم المعرفية المتعددة المتداخلة، فنحن الآن نعيش بالاستعارات العلمية البرهانية كما نعيش بالاستعارات البيانية الأدبية، ينطبق ذلك على جميع الصور والعينات والتصورات عن المادة والروح والنفس والطاقة، والزمن والحب، والكواكب والمشاعر، فهي تصورات واحدة متداخلة متشابكة، والتغير الجذري الذي لحق بجل المفاهيم السابقة سينال جميع وسائلنا في الإدراك والوعي والخيال، كما سينال جميع قيمنا التي نعيش بها». الشكل الأدبي للكرامة وتناول الفصل الثاني من الكتاب نظرية الاستبدال في الكرامة، فتكلم فيه عن الشكل الأدبي للكرامة بنوعيه البسيط والمعقد مع تحليل تطبيقي على بعض الكرامات المكتوبة والمنطوقة، وفي الفصل الثالث، تناول شخصيات الكرامة، وقسمها إلى المؤلف / الراوي؛ ومحقق الكرامة (المدد)؛ وشهود الكرامة. وأما الفصل الرابع، فقد تناول الحديث عن وظائف الكرامة، وأثبت أنها تندرج تحت ثلاث وظائف رئيسية هي: إثبات الولاية للولي والتنفيس الإبداعي عن أفراد المجتمع والكرامة التعليمية، وتناول في الفصل السادس: الزمن والرؤية والتصوير في الكرامات، متحدثاً عن الزمن وعن الرؤية في الكرامات من حيث رؤية الله ومحادثته والهاتف، ورؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – ورؤية آل البيت والأولياء، ثم تحدث عن التصوير في الكرامات وكيف جاء تصوير الملائكة وإبليس والجن والكائنات الخرافية في الكرامات، ثم تحدث عن تصوير المرأة في الكرامات وقسمها إلى قسمين: المرأة كمحققة للكرامة، أي وليّة، والمرأة كرمز للثواب أو للدنيا. وخصص المؤلف الفصل السابع لنقد إبداع العالم المثالي في الكرامات وكيف وظف الشعر في الكرامات؛ وكيف بنى المتصوفة مدينة الأولياء إبداعاً ثم تناول القطبية والغوثية في الأدب الكراماتي وكيف أبدع المتصوفة دوائر الأولياء، وفي الفصل الثامن (الأخير) تناول المؤلف ظاهرة توظيف الكرامات في الأدب العربي نقدياً، لا سيما في الرواية والمسرح والشعر والقصة القصيرة والسيرة الذاتية والسير الشعبية، وكيف غدت ظاهرة أدبية أفادت الأدب العربي وعملت على تغذيته برافد متميز عمل على تفرده بين الآداب العالمية. كما تناول استخدام الكرامات كبديل عن النبوءة في الأدب العربي؛ ثم عرج المؤلف نحو أدب الرحلات وكيف وظّف الكرامات في متنه ونبه إلى إمكانية دراسة أدب الكرامات المقارن بين الآداب العالمية. يتميز كتاب «أدبيات الكرامة الصوفية» بأنه دراسة نقدية تسعى لوضع أسس نظرية الكرامات، من منطلق افتراضي يرى أن الكرامات جنس أدبي مستقل بذاته؛ يتلامس مع القصة، بيد أنه يختلف عنها في كون الكرامة حكاية مقدسة لدى الصوفيين، لذا استعان الكاتب بالدراسات الأنثروبولوجية على فهم بعض الظواهر الغامضة في الكرامات المدونة والمنطوقة، وهو لا يهدف الدخول في تيه السؤال عن حقيقة حدوث الكرامة أو عدم حدوثها. فالهدف هنا النص وما يصاحبه من علاقات مرتبطة بظروف نشأته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©