السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آلان رينيه.. هندسة الوعي الجمالي

آلان رينيه.. هندسة الوعي الجمالي
16 ابريل 2014 20:21
ترجمة سمر الشيشكلي “آلان رينيه.. أسطورة السينما الفرنسية، المخرج الذي صنع من الغموض فناً”، بهذه العبارات تناقلت وكالات الأنباء العالمية ومن بعدها العربية، خبر وفاة المخرج الفرنسي آلان رينيه، عملاق السينما الفرنسية الخارج عن أي تصنيف، في الأول من آذار 2014 عن عمر ناهز 91 عاماً. جاءت وفاته بعد بضعة أيام من تكريمه في مهرجان برلين السينمائي، حيث نال جائزة عن فيلمه الأخير (حياة ريلي). أقيمت له مراسيم مؤثرة في كنيسة القديس دي بول في باريس، واجتمع أهل الفن السابع لتوجيه تحية أخيرة إليه. وقد وضع رسم كبير للسينمائي الفرنسي وهو يرتدي قميصا أحمر على مدخل الكنيسة التي زينت بالورد الأبيض. تخللت المراسيم مقتطفات موسيقية، وأخرى من أفلام كان المخرج يحبها، فضلاً عن أشرطة فيديو تظهره خلف الكاميرا وتظهر ممثليه المفضلين وهم ينعونه. حضر حفل التأبين كل من رئيس الوزراء جان مارك ايرولت، ووزيرة الثقافة أوريلي فيليبيتي، ورئيس بلدية باريس برتران دولانوي. ترك آلان رينيه بصمة في تاريخ السينما الفرنسية، من خلال أعمال كبيرة، جسدت باكورتها فترة التجديد المعروفة بـ (الموجة الجديدة)، وعبر أفلام طويلة ناهزت العشرين، وكتب نصوصها مع كتاب معروفين. ولطالما غاص في الربط بين الصورة والكتابة، مجدداً باستمرار نطاق إلهامه. جلاء الرؤية يصف بعض النقاد إسهامات آلان رينيه السينمائية بأنها الأكثر أهمية من بين الإسهامات المعاصرة، فلقد تمكن بفضل جلاء الرؤية لديه من أن يقدم مبادئ علم الدلالات والرموز وعلم جمال السينما، وأن يطور لغته الخاصة. تعلم السينما انطلاقا من خبراته الخاصة، معتمداً على تجربته ومصادره في هذا الحقل، والتي أدت به إلى اكتشاف طريقة عمل الذاكرة والأسلوب الذي تترابط به الذكريات، وإلى إيمانه بأن الإنسان ليس إلا محصلة لماضيه. كان المخرج السينمائي الفرنسي الذي امتد عمله على مدى أكثر من ستة عقود، بعد التدرب كمحرر أفلام في أواسط الأربعينيات من القرن الماضي، قد ذهب إلى إخراج عدد من الأفلام القصيرة، ومنها (ليل وضباب 1955) الذي كان فيلماً وثائقياً مؤثراً عن معسكرات الاعتقال النازية. بدأ رينيه صنع الأفلام الروائية في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين. وتعززت سمعته التي كسبها باكراً مع الفيلم الوثائقي (هيروشيما حبيبتي 1959)، و(السنة الماضية في مارينباد 1961)، و(موريل 1963)، والتي اعتمد فيها على تقنيات السرد غير التقليدية للتعامل مع مواضيع من الذاكرة المضطربة وتصورات من الماضي. كانت هذه الأفلام معاصرة ومرتبطة بالموجة الجديدة الفرنسية (الغامضة)، على الرغم من أن رينيه لا يعتبر نفسه جزءاً من تلك الحركة بالكامل. كانت لدى رينيه علاقات وثيقة مع مجموعة (الضفة اليسرى) من المؤلفين والمخرجين الذين يشتركون في الالتزام بالحداثة والاهتمام بالسياسة اليسارية. كما نجح في أن يؤسس لممارسة خاصة له، بعمله على أفلامه، بالتعاون مع كتاب ليس لهم عادة علاقة بالسينما، مثل مارغريت دوراس، آلان روب غرييه وغوركي. في الأفلام اللاحقة، يبتعد رينيه عن المواضيع السياسية العلنية لأعماله الأولى، ويتطور اهتمامه في التفاعل بين السينما والأشكال الثقافية الأخرى، بما في ذلك المسرح، والموسيقى، والكتب المصورة. وقد أدى ذلك إلى تعديلات تصورية لمسرحيات كتبها آلان آيكبوم، هنري بيرنشتاين، وجان أنويه، فضلاً عن الأفلام التي تضم أنواعاً مختلفة من الأغاني الشائعة. تميزت أفلامه كثيراً باستكشاف العلاقة بين الوعي والذاكرة والخيال، إلى جانب تميزها بوضع بنية مبتكرة لسرده. وقد حصد العديد من الجوائز طوال حياته المهنية، من المهرجانات السينمائية الدولية والأكاديميات. مسيرة ثرّة ولد رينيه في عام 1922 في فانيه في بريتاني، حيث كان والده صيدلياً. وكان الطفل الوحيد في أسرته. عاني طوال طفولته من الربو، مما أدى به إلى الانسحاب من المدرسة وتلقي تعليمه في المنزل. كان قارئاً نهماً، امتدت قراءاته من الكلاسيكية إلى الكتب المصورة. لكنه في سن العاشرة أصبح مفتونا بالأفلام. وفي عيد ميلاده الثاني عشر قدم له والداه كاميرا كوداك (8MM) بدأ بها أفلامه القصيرة الخاصة، بما في ذلك إصدار ثلاث دقائق من فانتوماس. اكتشف السوريالية في نحو سن الرابعة عشرة، ومن هنا بدأ اهتمامه بأعمال أندريه بريتون. من جهة أخرى فقد حركت زيارات رينيه إلى المسرح في باريس الرغبة لديه ليكون ممثلاً. وفي عام 1939 انتقل إلى باريس ليصبح مساعداً في شركة جورج بيتوفيه. درس رينيه التمثيل من عام 1940 إلى عام 1942 في رينيه سيمون. لكنه في عام 1943 قرر أن يسجل في مدرسة السينما التي أنشئت حديثاً آنذاك، ليدرس تحرير الأفلام. وكان جين جريميلون واحداً من المعلمين الذين كان لهم التأثير الأكبر عليه في تلك الفترة. غادر رينيه في عام 1945 إلى ألمانيا والنمسا مع قوات الاحتلال النازي للالتحاق بخدمته العسكرية، فضلا عن أنه صار عضواً مؤقتاً في شركة مسرح متنقل، وعاد إلى باريس في عام 1946، ليبدأ مسيرته في عالم تحرير الأفلام، لكنه عمل أفلاماً قصيرة خاصة به أيضاً في تلك الفترة. واصل رينيه معالجة المواضيع الفنية عن غوغان (1950) وغرنيكا (1950)، وتلك التي درست لوحات بيكاسو، وواصل تقديمها بمرافقة نص كتبه بول إيلوار. أما مشروعه الفني التالي فقد ارتكز على منظور سياسي معين. كما شارك في الإخراج مع كريس ماركر في مشروعه التالي (التماثيل تموت أيضاً)، ذلك الفيلم الذي كان يرصد جدلاً حول تدمير الاستعمار الثقافي الفرنسي للفن الأفريقي. وكان (ليل وضباب 1955) واحداً من أوائل أفلامه الوثائقية حول معسكرات الاعتقال النازية. تعامل رينيه مع وجود المخيمات في الذاكرة أكثر من تعامله مع وجودها الفعلي في الماضي. واختار استخدام تقنية البعد المتناوب للصور التاريخية من المخيمات بالأبيض والأسود، حين أدرك أن الفيلم الوثائقي بتقنياته القياسية سيكون عاجزاً عن مواجهة ضخامة الرعب (حتى أنه سيعرض أنسنته للخطر) مع لقطات طويلة. وقد قلل السرد المرافق عن عمد، بهدف إضافة تأثير تناوب البعد ذاك إلى الفيلم. ففي هذا الفيلم التسجيلي أصر رينيه على تجنب إثارة أي تعبير حي أو درامي للفزع، معتمداً فيه على تراكم الوقائع التي تبرزها الصور، تبعه بوجدان العاطفة والاعتماد على التأثير التراكمي الناتج عن العرض الموضوعي للفزع. وعلى الرغم من أن الفيلم واجه مشاكل رقابة مع الحكومة الفرنسية، إلا أن تأثيره كان كبيراً، حتى أنه لا يزال واحداً من أكثر أعمال المخرج إثارة للإعجاب. أما (ذاكرة العالم 1956) فاعتُبر نوعاً مختلفاً من الذاكرة الجماعية، الذي تم فيه استكشاف المساحات الثرة التي تبدو لا نهائية، من السير الذاتية التي تحتويها المكتبة الوطنية، عبر لقطات سينمائية طويلة. هيروشيما حبيبتي في العقد الذي صنع فيه رينيه أفلامه الوثائقية القصيرة، ظهر اهتمامه ومواهبه في التعاون مع شخصيات بارزة، في الفروع الأخرى من الفنون: مع الرسامين الذين كانوا موضوعات أعماله، في وقت مبكر، ومع الكتاب (إيلوار في غرنيكا، كايرول في نوي) وآخرين، ومع الموسيقيين (داريوس ميهود في غوغان، هانز إيسلر في نوي)، وآخرين غيرهم من صانعي الأفلام. وعزز فيما بعد تعاون مماثل عمله في الأفلام الروائية. وكان أول فيلم روائي طويل لرينيه هو (هيروشيما حبيبتي 1959). مع أن رينيه رفضه في البداية، معتقداً أنه سيكون شبيهاً جداً بفيلم سابق عن معسكرات الاعتقال، وأنه سيواجه المشكلة نفسها في كيفية تحويل معاناة غير مفهومة إلى فيلم. ومع ذلك، في مناقشة مع الروائية مارغريت دوراس، التي أقرت باستحالة الحديث عن هيروشيما، تم تطوير مزيج من الخيال والوثائقية. في الفيلم، يتم استكشاف موضوع الذاكرة والنسيان عبر تقنيات السرد الجديد الذي يوازن الصورة مع النص، متجاهلاً المفاهيم التقليدية لتطور الحبكة والقصة. ولقد تم عرض الفيلم في عام 1959، في مهرجان كان السينمائي، وترافق نجاحه مع الحركة المنبثقة عن الموجة الفرنسية الجديدة وقتها. أما فيلم رينيه التالي (السنة الماضية في مارينباد 1961)، الذي اشتغل عليه بالتعاون مع الروائي آلان روب غرييه، فيقدم فيه السرد المتشظي. بعد الفوز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي، اجتذب الفيلم اهتماماً كبيراً، مثيراً العديد من التفسيرات المتباينة للكيفية التي ينبغي أن يفهم بها. وقد شجع هذا ظهور كل من الكاتب والمخرج في مقابلات أعطوا فيها تفسيرات متضاربة عن الفيلم. كما كان هناك شبهة أنه يمثل تحدياً كبيراً للمفهوم التقليدي لبنية السرد في السينما. سرد متكسّر في بداية الستينيات ظلت فرنسا منقسمة بشدة بسبب الحرب الجزائرية. وفي عام 1960 وُقِعَ البيان 121، الذي احتج على السياسة العسكرية الفرنسية في الجزائر، من قبل مجموعة من أبرز المثقفين والفنانين الذين كان من بينهم رينيه. كانت الحرب، وصعوبة التوصل إلى تفاهم حول أهوالها، الموضوع الرئيس لفيلمه التالي (موريل1963)، الذي يستخدم السرد المتكسر لاستكشاف الحالات الذهنية لشخصياته. فكان من بين أوائل الأفلام الفرنسية التي علقت، ولو بشكل غير مباشر، على التجربة الجزائرية، بل هو من أوائل الأفلام التي دعت لضرورة التفكير من جديد ومناقشة الماضي من أجل وعي أكبر بالحاضر. كما شكلت قضية سياسية معاصرة خلفية فيلم (وضعت الحرب أوزارها، 1966)، الذي دار حول أنشطة سرية للمعارضين اليساريين لنظام فرانكو في إسبانيا. وكان كاتب السيناريو لفيلم رينيه هذا هو المؤلف الإسباني جورج سمبرون، وهو نفسه كان عضواً سابقاً في الحزب الشيوعي الإسباني، وكان في المنفى الاختياري في فرنسا. ويحكي الفيلم مأساة سياسي تعب بعد 25 عاماً من النضال السري، من أجل إعادة الحكم الديمقراطي إلى إسبانيا لذا فهو يحاول أن يعيش حربه الخاصة دون أن يعلم أنها انتهت، وأن الشباب هم الذين يقودون هذه الحرب الآن. ويحاول تبعا لذلك أن يتخلص من أعباء ماضيه، بالانغماس في تجاربه الخاصة وذكرياته العاطفية. لقد نفى كل من الرجلين أن الفيلم كان عن إسبانيا، ولكن عندما تم إدخاله المسابقة في مهرجان كان السينمائي في عام 1966، اعترضت الحكومة الإسبانية، وعمدت إلى سحبه، وتبين فيما بعد أنه عرض خارج المسابقة. وفي عام 1967 شارك رينيه ستة مخرجين آخرين، من بينهم كريس ماركر وجان لوك غودار، في العمل الجماعي حول حرب فيتنام، (بعيدا عن فيتنام 1968- 1980). طلاق سياسي ابتداء من عام 1968 وما تلاه، لم تعد أفلام رينيه تعالج، على الأقل بصورة مباشرة، القضايا السياسية الكبيرة بالطريقة التي فعلها عدد من أفلامه السابقة. وبدا أن مشروعه التالي وضع علامة على توجه مغاير. (أحبك، أحبك 1968) كان من أفلام الخيال العلمي، وهو الموضوع الذي مكن رينيه مرة أخرى من تقديم السرد في زمن مجزأ (متشظ). لكن الفيلم كان سيئ الحظ في صدوره (تم إلغاء عرضه المخطط له في مهرجان كان في خضم الأحداث السياسية مايو 1968). مر ما يقارب خمس سنوات قبل أن يكون رينيه قادراً على إخراج فيلم آخر. وقد قضى تلك الفترة في أميركا للعمل على مختلف المشاريع التي لم تتحقق، بما في ذلك واحدة عن الماركيز دو ساد. ونشر أيضا بعضاً من صوره التي التقطها ما بين عامي 1948 و1971، من المواقع في لندن، اسكتلندا، باريس، نيفير، ليون، نيويورك وهيروشيما. كما قام رينيه بتعاون آخر مع جورج سيمبرن في فيلم (ستافسكي 1974)، عن حياة الممول سيئ السمعة والمختلس الذي أثارت وفاته في عام 1934 فضيحة سياسية. أظهرت بنية السرد المعقدة في هذا الفيلم صلات واضحة بالاهتمامات الأساسية لأفلامه السابقة. بعدها أخرج فيلمه (العناية الإلهية 1977) الذي يروي قصة الأيام الأخيرة من حياة روائي عجوز، يصدر من خلال رؤاه الكابوسية التي يستمد منها مادة روايته الأخيرة، أحكامه على مجتمعه الأرستقراطي وأفراد عائلته بمن فيهم ابنه. مع (العناية الإلهية)، قدم رينيه أول فيلم له باللغة الإنجليزية، مع سيناريو كتبه ديفيد ميرسر. تعاملت القصة في هذا الفيلم مع موضوع الشيخوخة، وربما الموت. ولكن رينيه كان حريصاً على أن تبقى روح الدعابة تحكم المواضيع السوداء. ما يميز فيلم (عمي الأميركي، 1980) هو امتزاج نظريات عن السلوك في ثلاث قصص خيالية متشابكة. وقد فاز الفيلم بالعديد من الجوائز الدولية، بما في ذلك مسابقة الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي. وثبت أيضا أنه كان واحداً من أنجح أفلام رينيه جماهيرياً. رجلان وامرأة ينتمون إلى ثلاثة أجيال مختلفة وثلاث بيئات مختلفة، ولدوا في ثلاث بقع مختلفة في فرنسا، بقع مختلفة في أسلوب التفكير ونمط السلوك ودرجة التطور الاقتصادي والموقع الجغرافي. وكان من الممكن لحياة كل منهم أن تمضي في طريق مواز لحياة الآخر، طرق متوازية لا تلتقي أبدا، ولكنهم يجدون أنفسهم ذات يوم، وجهاً لوجه، بعد أن قدّر لهذه الشخصيات الثلاث أن تلتقي، في معمل عالم الأحياء الفرنسي الأشهر هنري لا بوريه، وعلى شريط السينما في فيلم (عمي الأميركي) لرينيه. قال آلان: قرأت كتب هنري لا بوريه عن السلوك ثم راودتني فكرة ما لبثت أن ذهبت إلى منتج لأحدثه عنها. إن الأفلام والمسرحيات تخلق عادة عن رغبة في تطوير فكرة ونظرية، من خلال شخصيات أو حكاية ما. وتساءلت: ألن يكون من المثير أن افعل العكس تماما؟ أعني أن أضع حاجزاً فاصلاً بين الفكرة والرواية، بما يسمح لكل منهما أن يوجد وحسب، كما لو كان المرء يلعب بالمرايا أو ينسج خيوطاً مختلفة في سجادة. وما دمت قد التقيت بفكر أصيل ومثير للاهتمام، أفلن يكون ممتعاً أن اجمع في نسق واحد بين تأملات عالم أحياء ذي خبرة خاصة في السلوك البشري، وصفحات من حياة أو أكثر لأناس عاديين؟ ولنتأمل أي نوع من التفاعل يمكن أن يتحقق بينها. مسار مختلف منذ الثمانينات وإلى آخر أيامه أظهر رينيه اهتماماً خاصاً بدمج المواد مع غيرها من أشكال الثقافة الشعبية في أفلامه، خصوصا الموسيقى والمسرح في جميع أفلامه تقريباً: (الحياة هي سرير من الورود، 1983)، فيلم خيالي هزلي عن الأحلام الطوباوية. هو ثلاث قصص، من عصور مختلفة، تروى بأساليب مختلفة، تتشابك داخل محيط مشترك. وتتخللها أغان تتطور إلى غناء أوبرالي في نهاية المشاهد، وقال رينيه أن نقطة البداية كانت بالنسبة له هي الرغبة في تقديم فيلم يتناوب فيه الغناء والحوار. كانت الموسيقى هي العنصر الأساس في فيلم (الحب حتى الموت، 1984)، ولكنها استخدمت بطريقة مختلفة. لم تكن مرافقة بل كانت عنصراً متكاملاً من الدراما. وفي السنوات اللاحقة، أعطى رينيه اهتمامه للموسيقى، ذات الأسلوب الأكثر شعبية منها. ويقدم آلان رينيه في فيلمه (الحب حتى الموت) تأملاً ميتافيزيقيا حول الحب والموت أو الحب في الموت، أو إذا شئنا الموت في الحب والخوف من الفراق. وصيغ الفيلم في شكل جمل سينمائية تتكسر، دائما، بلقطة ترمي بالمشاهد في سواد أخروي يوحي بالانمحاء والموت. كما أن هناك فيلم (غيرشوين 1992)، الفيلم التلفزيوني الوثائقي المبتكر عن حياة وعمل أحد الملحنين الأمريكيين والذي استعرض من خلاله شهادات من الفنانين والمخرجين، مع لوحات كُلِفَ غي بيلار برسمها. ثم أخرج فيلم (نفس الأغنية القديمة، 1997). وكان الأساس غير المتوقع للفيلم التالي لرينيه أوبريت لم يكن ينتبه لها أحد منذ فترة طويلة منذ عام 1920: (ليس على الشفاه، 2003)، الذي سعى فيه إلى إعادة تنشيط نموذج عصري للترفيه، عن طريق إعادة المسرح. وهو عرض موسيقي سينمائي ممتع مستل من منصة وفضاء المسرح، واستمر في هذا حتى آخر أفلامه. لقد حدد الوقت والذاكرة بأنهما موضوعان أساسيان في أعمال رينيه، على الأقل في أفلامه الأولى. فقد حاول رينيه باستمرار تعديل رؤيته لما يهمه من الأمور: «أنا أفضل أن أتكلم عن الخيال، أو عن الوعي. ما يهمني في العقل هو القدرة على تصور ما سيحدث في رؤوسنا، أو أن نتذكر ما حدث». كما وصف أفلامه بأنها محاولة، رغم عدم اكتمالها، لمقاربة تعقيد الفكر وآليته. وثمة انتقادات متكررة لأفلام رينيه من بين المعلقين باللغة الإنجليزية، بأنها باردة عاطفيا، وأنها كلها عن التقنية، دون التوصل لفهم الشخصية أو الموضوع، وأن فهمه للجمال يفتقر للإحساس، وأنه فشل في أن يكون جدياً في التواصل مع الجمهور. وفي مكان آخر كان يقال إن هذه الآراء ترتكز على إساءة قراءة لأفلامه، خاصة الأولى منها، الأمر الذي وقف في وجه تقدير الفكاهة والتهكم التي تسود أعماله. وكانت آراء أخرى قادرة على فهم العلاقة بين صيغة الفيلم والبعد الإنساني. هناك اتفاق عام على أن رينيه متعلق بالشكل في نهجه، ولكنه هو نفسه ينظر إلى الشكل على أنه نقطة انطلاق لعمله، وأنه كانت لديه في العادة فكرة عن شكل أو طريقة بناء الفيلم، في رأسه، حتى قبل الحبكة وقبل أن تتبلور الشخصيات، وبالنسبة له كان الشكل أيضا أساس لتواصل المشاعر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©