الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نهب الذاكرة العراقية

10 أغسطس 2008 00:26
لقد حدثت أشياء كثيرة مؤسفة في العراق، إلا إن أسوأها جميعاً هو إبعاد أرشيف حزب ''البعث'' الحاكم السابق، مع العلم أنه أرشيف يضم 7 ملايين صفحة، ولاشك أنه يوثق لأبشع الجرائم التي ارتكبها نظام صدام حسين، وهذا هو ما يعطيه أهمية بالغة في نظر المؤرخين· وكان كنعان مكية -وهو مهاجر عراقي إلى الولايات المتحدة، ويعمل بالتدريس في جامعة برانديس، ويرأس مجموعة خاصة تسمى ''مؤسسة الذاكرة العراقية''- هو من وضع يده على الأرشيف المذكور بعد أيام معدودة من سقوط بغداد· وعلى رغم احتجاجات مدير المكتبة والأرشيف الوطني العراقيين، إلا أن تلك الوثائق تم شحنها وبعثها إلى أميركا من قبل المؤسسة التي يترأسها مكية، ثم أودعت في شهر يونيو من عام 2003 في مؤسسة هوفر التابعة لجامعة ستانفورد، بموجب صفقة تم إبرامها مع مكية! وقد أثارت هذه الخطوة الانتقادات في كلتا الدولتين· فمن جانبها وصفت جمعية الأرشيفيين الأميركيين مصادرة وإبعاد وثائق حزب ''البعث'' من العراق، بأنها أفعال نهب تحرمها قوانين الحرب· وأما وزير الثقافة العراقي بالإنابة، أكرم هادي، فقد أصدر بياناً في أواخر شهر يونيو المنصرم، أعرب فيه عن رفض قاطع لما أسماه صفقة مكية· وجاء في البيان أن تلك الوثائق تعد جزءاً لا يتجزأ من تراث العراق، وأنه لابد من إعادتها بأسرع ما يمكن· وحين يتذكر المرء مئات الآلاف من القتلى والملايين الذين شردتهم أعمال العنف من بيوتهم وديارهم، فمن يأبه يا ترى لأرشيف العراق؟ بل ربما يصبح السؤال الأكثر إلحاحاً هو عما إذا كان على المرء أن يكترث لما يحدث للعراق ككل، في ظل ظروف فظيعة كهذه؟ ولكن مهما قيل، فإن الذي لاشك فيه أن هذا الأرشيف جزء من التراث العراقي، إضافة إلى أهميته في محاسبة النظام السابق على ما ارتكب من جرائم وآثام بحق مواطنيه· وإلى جانب أرشيف حزب ''البعث''، هناك حوالي 100 مليون صفحة أخرى من الوثائق الخاصة بالحكومة العراقية، لا تزال بيد الجنود الأميركيين الذين وضعوا أيديهم عليها خلال البحث العاطل عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة· أما وثائق حزب ''البعث'' المشار إليها، فقد تم الحصول عليها من القيادة القُطرية للحزب في بغداد· وتنبع الأهمية الخاصة لهذه الوثائق من كونها تكشف عن جميع الشخصيات التي تعاونت مع صدام حسين· وبما أن تلك الوثائق بكل هذه الأهمية، فكيف أمكن لشخص واحد فحسب أن يضع يده عليها؟ يجدر القول إن مكية لم يشتهر بمؤسسته المذكورة، ولا بكتابه الصادر في عام 1989 تحت عنوان ''جمهورية الخوف''، وإنما بسبب دوره الحاسم في إقناع الأميركيين -لاسيما كبار الصحفيين- بدعم شن الحرب من أجل إسقاط صدام· وكما كتب ديكستر فيلكنز في صحيفة نيويورك تايمز خلال شهر أكتوبر الماضي: ''فما من أحد فاق مكية في تبرير شن الحرب على العراق، ظناً منه أن ذلك هو العمل الصواب الوحيد الذي لابد من القيام به''· وقد كان مكية حليفاً وشخصية شديدة القرب من وولفوفيتز وديك تشيني، بينما اختطف شهرته من لقاء مباشر تم بينه وبين الرئيس بوش قبل شهرين فحسب من شن الحرب على العراق· وهو القائل إن الجنود الغزاة سيستقبلون في العراق بالحلوى والورود! هذا ويزعم مكية ومؤسسة هوفر أن العراق ليس آمناً بعد لترك هذه الوثائق داخله، مع الوعد من جانبهما بالمحافظة على سلامتها على أن تعاد إلى العراق في نهاية الأمر· وعلى رغم صحة القول بخطر حالة الفوضى والاضطرابات التي عمت العراق في أعقاب الغزو على سلامة هذه الوثائق، إلا أن الواجب القيام به لحمايتها يظل واضحاً وضوح الشمس: إن على سلطة الاحتلال -وليس مكية أو غيره- أن تتولى مسؤولية حمايتها، إلى جانب حماية المتاحف والتراث العراقي إجمالاً، وهو ما لم يحدث للأسف· واليوم فإن من واجب الحكومة الأميركية أن تحث مكية ومؤسسة هوفر على الاستجابة لطلب الحكومة العراقية بإعادة الوثائق التي تخص بلادها· جون فينر أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©