السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قرن على «العالمية الأولى»

15 ابريل 2014 23:50
مايان ريدج لندن في الأول من يناير 1914 شرع موظف بريطاني في تدوين يومياته، وبعدها بعام ذهب ليقاتل في الخنادق خلال الحرب العالمية الأولى ليمضي عامين ونصف العام في الجبهة الغربية، مسجلاً فظائع المعارك وما يتخللها من أمور تدور بين الجنود وبينهم وبين العدو، هذه المذكرات الثمينة التي تضم معلومات قيمة احتفظ بها ابنه «دنيس لينفوت» البالغ من العمر اليوم 85 عاماً، بل إنه عرض محتوياتها على عموم القراء والمهتمين من خلال نشرها في مدونته على الإنترنت متيحاً للجمهور الواسع فرصة لا تعوض للنبش في التاريخ وتقليب صفحات الماضي، وتحديداً قراءة إحدى الحروب الكبرى التي خلفت ندوباً غائرة في وعي البريطانيين. فرغم انطلاق الحرب العالمية الأولى قبل قرن كامل من الزمن، وانتقالها من حيز الذاكرة إلى كتب التاريخ مع وفاة آخر محاربيها وهو «هاري باتش» عن عمر ناهز111 سنة في 2009، إلا أنها مع ذلك تحظى باهتمام واسع وما زال يتذكرها البريطانيون بمشاعر ملتبسة، وهي لذلك ستبقى مستمرة في الذاكرة مع تخليد مرور قرن كامل على انطلاقها لتتواصل عملية تذكر أحداثها على مدى السنوات الثلاث المقبلة. وعن هذه المذكرات الذي تركها الجندي البريطاني يقول نجله «لينفوت»: «تمثل اليوميات تسجيلاً موثوقاً لما كان يحصل خلال الحرب، لا سيما درجة العنف التي مورست وقتها». ولأن الحرب العالمية الأولى، لم تكن شأناً بريطانياً خاصاً، بل قضية عالمية شاركت فيها القوى المهيمنة وقتها، فلابد من العودة إلى تداعياتها العالمية وتأثيراتها الاستراتيجية، والتي كان من أهمها تقسيم ممتلكات الإمبراطورية العثمانية بين روسيا وفرنسا وبريطانيا وتشكيل الشرق الأوسط الجديد، هذا التقسيم بالإضافة إلى غيره من العوامل هو الذي كان وراء اندلاع الحرب العالمية الثانية بعد عشرين عاماً تقريباً من الأولى. وفي حديثه عن تأثيرات الحرب على المجتمع البريطاني يقول المؤرخ، «ماثيو بروسنان»: «كانت تلك الحرب الأولى التي تكتسي صبغة عالمية، ما جعل تأثيرها يمتد إلى عموم أفراد المجتمع متجاوزة بذلك الجيش والقوات المسلحة، بحيث عبئ الملايين من المواطنين سواء في الخدمة العسكرية، أو المدنية ليجد الجميع أنفسهم منخرطين في أتون الحرب»، ويضيف المؤرخ أن الحرب العالمية الأولى التصقت في الأذهان «لأن معاركها شهدت استخدام أنواع جديدة من الأسلحة لم تكن معروفة من قبل مثل الطائرات والدبابات، وكان الهدف تدمير الخنادق التي احتمى داخلها الجنود»، والأكثر من ذلك تقول أستاذة التاريخ بجامعة إكستر البريطانية، “كاتريونا بينيل”، أن حجم القتلى الذي بلغ في الجانب البريطاني وحده مليون جندي، والشعور بأن الحرب لم تكن مبررة زاد من تعلق البريطانيين بها ورغبتهم في سبر أغوارها. فبالمقارنة مع الحرب العالمية الثانية التي كانت أهدافها واضحة ودوافعها مفهومة، لم يفهم العديد من البريطانيين سبب انخراط بلدهم في حرب كلفتهم الكثير، إذ رغم التشديد على عامل الاعتداء الألماني والتحالف مع الإمبراطورية المجرية النمساوية، تبقى الأسباب الحقيقية مستعصية على الفهم، وهو الأمر الذي أطلق جدلا على الساحة البريطانية بين اليمين واليسار. ففي الوقت الذي سعى فيه البعض من معسكر حزب «المحافظين» مثل وزير التعليم، «مايكل جوف»، إلى تحميل مسؤولية اندلاع الحرب العالمية الأولى على ألمانيا، رفض «اليسار» تبادل الاتهامات، بل حتى الموقف الحكومي، رغم طابعه المحافظ، لا يدعو إلى تحميل المسؤولية لأحد. ولم يتأخر المؤرخون الذين لم يرقهم تصريح وزير التعليم في الرد عليه مثل «نايل فرجسون»، الذي قال إن بريطانيا كان يمكنها التعايش مع انتصار ألمانيا، ولم يكن هناك من داعٍ لدخولها الحرب، معتبراً القرار البريطاني وقتها بالمشاركة في الحرب «الخطأ الأكبر في التاريخ المعاصر»، لكن بصرف النظر عن وجهات النظر المختلفة حول الحرب تظل ذكراها حاضرة بقوة لدى البريطانيين، وهو ما يفسر الاهتمام الكبير بتسجيل ذكراها المئوية والحرص على عدم نسيانها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©