الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صراعات العراق.. وخطر البلقنة

صراعات العراق.. وخطر البلقنة
15 ابريل 2014 23:49
جين عراف العراق عبر نافذة الطائرة المروحية التي كانت تقله ألقى وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري، نظرة متفحصة على الشريط الساحلي بمياهه الزرقاء المترامية أسفل منه والذي كان في أحد الأيام ساحة لأشرس المعارك التي خاضها العراق في تاريخه المعاصر، هذا الشريط الذي تحوم حوله الطائرة المروحية ليس سوى شط العرب المحاذي لإيران، والذي يمثل أحد الممرات المائية الحيوية بالنسبة للعراق وسبباً رئيسياً في الصراع مع إيران. ويضيف زيباري الذي قاتل في وقت ما مع الميليشيات الكردية وواجه نظام صدام حسين من الجبال قبل أن يصبح وزيراً لخارجية العراق منذ انتهاء الحرب: «منذ تأسيس العراق الحديث وهو يواجه مشكلة شط العرب، ويبدو أنه كان ومازال ضحية التاريخ والجغرافيا». واليوم لا يختلف حال العراق كثيراً عما كان عليه إبان سنوات الحرب الصعبة مع إيران، بحيث يواجه حالياً تحديات لا تقل صعوبة مرتبطة بالتاريخ والجغرافيا أيضاً، فبعد إحدى عشرة سنة على إطاحة الولايات المتحدة بنظام صدام حسين المستبد انتقل الخوف مما إذا كان البلد العربي الذي طغت عليه ميول الهيمنة في وقت من الأوقات ما زال يمثل خطراً على المنطقة إلى ما إذا كانت الانقسامات الداخلية التي تمزق البلد ستؤدي إلى تقسيمه في النهاية. ولعل ما يثير مخاوف الانقسام والتشظي هو حجم الشروخ التي ما فتئت تتصاعد في النسيج الاجتماعي والسياسي للعراق، لتتسع في ظل هذه الأجواء الهوة المتواجدة أصلاً بين طوائف العراق المتنوعة، ففي محافظة نينوى شمالي البلاد، يطالب المحافظ بوضع أشبه بالحكم الذاتي يربط المحافظة بالأكراد، فيما الأكراد أنفسهم الذين ابتعدوا عن الحكومة المركزية في 1991 أسسوا علاقات متميزة مع إيران وحتى عدوهم السابق تركيا، ولا يقتصر الأمر على نينوى، بل يمتد إلى الأنبار في الغرب التي تشهد اضطرابات خطيرة بسبب ما يعتبره السُنة تهميشاً لدورهم وسوء معاملة سرعان ما تحول إلى أعمال عنف انطلقت في البداية كحركة احتجاجية سلمية، والنتيجة هي عودة أجواء الحرب مجدداً لتخيم على الفلوجة، فيما تظل أحياء سُنية في بغداد مغلقة بأكملها لأيام طويلة مع تضييق القوات الأمنية عملية الدخول، أو الخروج منها. ومع أن أغلب العراقيين يأملون في بقاء العراق موحداً، إلا أن البعض الآخر لا يخفي قلقه من أن يؤدي الصراع بين القوى السياسية والدينية المختلفة في العراق إلى بلقنة البلد، وهو ما يعبر عنه سعد اسكندر، المحلل السياسي ومدير الأرشيف الوطني ببغداد، قائلاً: «تظل قوى الانفصال أقوى بكثير من قوى الوحدة». والمؤكد أن انقسام العراق ستكون له تداعيات كبيرة سواء في الشرق الأوسط، أو خارجه، إذ من شأنه أن يخلط الأوراق ويعيد ترتيب ميزان القوى بين الدول السُنية الكبرى في المنطقة، والحكومة العراقية التي يهمين عليها الشيعة، مع ما سيترتب على ذلك من صراع للسيطرة على المكونات العراقية الضعيفة وحقول النفط الهائلة. والأكثر من ذلك يخشى البعض من أن تصاعد حدة الصراع في العراق وتفتته قد يفضي إلى إعادة رسم الحدود في المنطقة التي تشهد أصلاً تحولات متسارعة، تلك التحولات التي يجسدها التنافس القبلي والعرقي الذي أطلقه “الربيع العربي”. وما فتئ يضغط على الحدود التي رسمها الاستعمار قبل قرن من الزمن من سوريا إلى ليبيا ثم اليمن، هذا ناهيك عن أن تفكك العراق وتمزقه سيكون مبعث إحراج كبير بالنسبة للولايات المتحدة التي خسرت أكثر من 4500 جندي وأنفقت ما يربو عن تريليوني دولار في محاولة لاستعاضة بلد ديمقراطي وموحد عن الديكتاتورية التي كانت في العراق. لكن رغم هذه المؤشرات الباعثة على القلق ما زال العراق بعيداً عن النموذج اليوغوسلافي، ولربما سيكون الاختبار الأبرز على الشعور الوطني لدى العراقيين في الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في 30 من الشهر الجاري، بحيث يصر رئيس الوزراء، نوري المالكي، على إجراء الانتخابات في موعدها، رغم استقالة اللجنة الانتخابية، ثم عودتها لاحقاً عن الاستقالة، وعن هذا الإصرار على إجراء الانتخابات، برغم الوضع الأمني المتدهور، يقول علي الموسوي، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء «لقد أجرينا انتخابات المجالس المحلية في ظروف أصعب كان العنف فيها أشد». لكن رغم التعقديات الأمنية، ترى الحكومة أن الأمور تتحسن، وأن الانتخابات ستمضي على قدم وساق. أما على الجانب الكردي، فإن منطقتهم لا تخفي تطلعاتها الخارجية، وخاصة تجاه تركيا، فقد كان لافتاً على سبيل المثال مشاركة وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، في مؤتمر نظمته الجامعة الأميركية في العراق التي تتخذ من مدينة السليمانية الكردية مقراً لها، بل خاطب الوزير التركي الحاضرين باللغة الكردية لتضج القاعة بالتصفيق، فالمنطقة الكردية التي عانت من حصار خانق في التسعينيات لانشقاقها عن الحكم المركزي في بغداد وتأثرت بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام صدام حسين، تحولت اليوم إلى منطقة مزدهرة تنتشر فيها ناطحات السحاب والمشاريع الكبرى، مستفيدة من مصادر الطاقة والاستثمارات المالية القادمة من الصين وغيرها، بل إن الأكراد ورغم انقساماتهم الداخلية تحولوا في ظل الصراع المحتدم بين المكونات العراقية المختلفة إلى عنصر أساسي لحفظ التوازن. ولعل ما يدل على ذلك الرحلات الجوية اليومية التي تربط بين بغداد والمدن الكردية مثل السليمانية وأربيل التي عادة ما تغص بالسياسيين العراقيين، ومن بينهم هاشم الحسيني، السياسي السُني ورئيس البرلمان العراقي السابق الذي قدم إلى السليمانية للمشاركة في مؤتمر الجامعة الأميركية، وأيضاً للتواصل مع السياسيين الأكراد في محاولة على ما يبدو لتشكيل تحالف سياسي جديد ضد المالكي تمهيداً لخوض الانتخابات البرلمانية، وهو ما أوضحه بقوله «أعتقد أننا نقترب أكثر فأكثر من تحالف سياسي مع الأكراد، وأيضاً مع بعض المكونات السنية والشيعية»، والحقيقة أن محاولات مشابهة تجري في سائر العراق لقطع الطريق على المالكي، فمع اقتراب موعد الانتخابات بدأت تتشكل ملامح التحالفات الجديدة الساعية إلى إسقاط رئيس الوزراء وعدم التجديد له لولاية ثالثة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©