وادي الحلو يعكس الحياة العذبة بين الجبال الرواسي

«وادي الحلو» من المناطق السياحية التابعة لإمارة الشارقة والواقعة بين سلسة جبال تخلق من مكانتها الطبيعية خصوصية بالغة التفرد، وقد أطلق هذا الاسم على المكان لما كانت تنعم به المنطقة قديما من المياه الحلوة العذبة التي كانت تغمر الوادي الرئيسي وتصل فياضة مترقرقة إلى وادي العجيلي، لتتدفق منهما آخذة طريقها باتجاه المزارع، خاصة في فصل الشتاء، حيث كان للأمطار كرات وزيارات عديدة للوادي بعكس شتاء اليوم الذي اتسم بالجفاف وشح المياه في أغلب الآبار الموجودة بهذا الوادي البديع. قطعنا الطريق من مدينة كلباء حتى وادي الحلو في 25 دقيقة تقريبا، كنا فيها نصعد جبالا ونهبط أودية، لا نشعر بصعوبتها لكونها طرقا ممهدة عليها لمسة حضارية طبعتها أنامل الاتحاد المبارك، وكانت تلك الطرق عند زيارتنا لها لأول مرة قبل عشر سنوات ونيف بالغة الصعوبة والوعورة ونقطعها في ساعتين التفافا حول الجبال الشاهقة الارتفاع لنجد وادي الحلو، وقد ظهر لنا فجأة ودون سابق إنذار فنحمد الله على الوصول بعد عناء الرحلة وقسوة الطريق فنتنفس بعدها الصعداء وتظل أذهاننا معلقة برحلة العودة. واليوم تغيرت تلك المعاناة وتبدلت وأصبحت زيارة وادي الحلو نزهة عبر الجبال التي يمر الطريق وسطها بسهولة ويسر وأولها جبال الحيار التي تكون خلفك لكي تصل إلى الوادي ثم جبال «أحسنة وديم» وبعدها تجد نفسك بداخل نفق وادي الحلو الذي يتجاوز طوله قرابة 1.5 كيلو متر تقريبا ويشق سلسلة جبال الشعيبات وصولا إلى جبال أخرى تعرف بالفياض والقليعي وبكانه والمخاضة والمنازف والبلح وجميعها جبال شاهقة الارتفاع يصل بعضها إلى 100 متر طولا وهي تحيط بوادي الحلو الذي يقع على ربوة جبلية تجعله أقل الأماكن عرضة للرطوبة المرتفعة. أهالي الوادي.. يقول والي المنطقة خميس سعيد سيف المزروعي: يصل عدد سكان الوادي بحسب آخر إحصاء العام الماضي حوالي 550 نسمة تقريبا، وبالطبع نحن لم نكن نعرف هذه الإحصاءات قديما؛ لأن عددنا كان قليلا للغاية ولم نكن نعيش في بيوت متطورة، ولكن كان كل فرد مع أسرته يعيشون حيث توجد المزرعة الخاصة به سواء كانت في الوادي أو فوق ربوة الجبل، وإن كانت معظم المزارع في الوادي موجودة في المناطق السهلية أسفل الجبال، حيث تتواجد المياه بغزارة في الأودية، وحيث توجد التربة الخصبة الصالحة للزراعة. وتابع: بالإضافة إلى وادي الحلو لدينا أودية عديدة في المنطقة منها المحيط بنا والآخر بعيد نسبيا مثل وادي المضيق ووادي العييلي والمنيعي ووادي القور ووادي مي بالفجيرة وجميعها أودية كانت ولا تزال تزرع الكثير من المحاصيل. أهمية الزراعة والرعي وحول الحياة زمان قال: كنا نعيش على الزراعة والرعي، وكانت المياه متوفر بكثرة في وادي الحلو، ولم تكن هناك أي مشكلة كما هو الحال الآن، حيث جفت الآبار وماتت الأشجار والنخيل، وكنا نعيش على تجارة الغليون الذي كان الزراعة الرئيسية لكثير من المناطق هنا، ومنها مثلا ووادي الفرفار في الفجيرة، حيث كان التجار يأتون إلينا من البحرين وقطر ليأخذوا إنتاجنا من الغليون مقابل البضائع الأخرى أو النقود التي هي عبارة عن روبيات معدودة كانت تقينا شظف الحياة وقسوتها وسط تلك الجبال البعيدة. وتابع المزروعي: كنا نزرع مع الغليون محاصيل عديدة، الأساس فيها الحنطة والتمر، وكذلك السمر والسدر والحماض والسيداف والزبيدية، ثم تأتي باقي المحاصيل الأخرى من الخضراوات والفواكه بمختلف أشكالها وألوانها، وبالطبع لأن الزراعة والرعي كانتا الحرفتين الرئيسيتين لنا، ومنهما نأكل ونشرب لذلك كانت العناية بهما شيئا مصيريا ومنطقيا في أودية قاحلة وجبال تحتوينا ليلا ونهارا، فلا هي تستطيع الخلاص منا، ولا نحن نقدر على الفرار منها، فتقبل بعضنا الآخر وتآلف عليه يوما بعد يوم، وأصبحت تلك الجبال والوديان مع مرور السنين نقشا أصيلا على قلوبنا الباحثة عن الأمن و الدفء بكل تضاريسها الصعبة. جيل جديد مثقف ومن جانبه، قال محمد خميس المزروعي «لدينا الكثير من الأودية المنتشرة في الوادي وبجواره مثل أودية الفيار والشيه والخرة والفريج والزوروب والحبلى والمزدية وكعاب ويامر وراس فسيلة والرونج والقريتطية وغيرها من الوديان. وأضاف أن المنطقة يمتاز أهلها بأنهم أسرة واحدة في كل شيء، وقد ارتفعت نسبة التعليم كثيرا في الوادي عن السنوات السابقة، فلدينا 550 نسمة منهم 500 متعلم ويصل عدد الجامعيين إلى حوالي 100 جامعي تقريبا من هذا العدد الإجمالي والباقي من حملة الثانوية العامة. ويوجد بالوادي الكثير من المؤسسات والدوائر الحكومية المحلية التي أقامها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة لخدمة أهالي المنطقة ولربطهم بحركة التنوير والتطور التي تمر بها الشارقة بشكل خاص والدولة بشكل عام، ومنها فرع لأندية السيدات ومركز الطفل والناشئة ومركز صحي أقامته وزارة الصحة ومكتبة عامة ومقر لبلدية وادي الحلو وهو فرع من بلدية كلباء ومركز شرطة تابع لوزارة الداخلية ومقر للديوان الأميري ومكتب لصاحب السمو حاكم الشارقة يفتح عند زيارته للوادي. وأكد محمد خميس قائلا إن هذه المنشآت الثقافية والصحية والأمنية والاجتماعية والرياضية ساهمت في خلق جيل جديد من أبناء الوادي يعشقون الوطن ويدينون بالفضل لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة وأخيه صاحب السمو حاكم الشارقة لما يقدمانه من دعم للمواطن في الوادي. وفيما يخص التعليم في الوادي، قال محمد خميس المزروعي لدينا ثلاث مدارس حكومية روضة الحصين ومدرسة عائشة بنت عثمان للمرحلة التأسيسية والثانوية للبنات ومدرسة وادي الحلو التأسيسية والثانوية للبنين. المرأة في الوادي وكانت المرأة في وادي الحلو قديما تتحمل مهام واسعة وعديدة وقاست الكثير من شظف العيش وقسوته من أجل تربية البناء مع رب الأسرة، تقول روية مبارك راشد المزروعي (معلمة تربية إسلامية) لقد تغيرت صورة المرأة ودورها بشكل جذري وكبير للغاية عن سنوات ما قبل الاتحاد، فقد كانت المرأة قبل الاتحاد تعاني من عدم وجود التعليم كما كانت تلك السمة الرئيسية للرجال والنساء، فقد كانت قلة الإمكانيات هي الطابع المسيطر على حياة المجتمع خاصة في وادي الحلو، والآن تغيرت الأمور وتبدلت كثيرا فأصبحنا نري المرأة معلمة ومديرة مدرسة وخريجة جامعة والكثيرات لديهن ثانوية عامة ويقرأن ويتابعن التطورات التي تحدث في المجتمع والعالم. وأضافت لقد تغير الوادي عن ذي قبل وأصبحت المرأة أكثر احتكاكا بالتقنيات الحديثة، ولدينا الكثير من النساء أصبحن يمارسن النشاط الفكري والرياضي في المكتبة العامة وأندية السيدات. ومع احترامنا لأمهاتنا وجداتنا الفضليات، فإن المرأة الآن في الوادي أصبحت توظف ثقافتها وما اكتسبته من تعليم وثقافة في تربية الأبناء.