السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«دواحة» التونسي يتأرجح بين الحكاية والقص

«دواحة» التونسي يتأرجح بين الحكاية والقص
15 أكتوبر 2009 22:14
كيف نفرق بين الحكاية والقصة؟ سئل فورستر صاحب كتاب «بناء الرواية» فأجاب «الحكاية» أن قالوا لنا «مات الملك ثم ماتت الملكة» أما القصة فهي «مات الملك ثم ماتت الملكة حزناً عليه» والفرق الذي أضافه «حزناً عليه» هو «السببية». تعني السببية أن أي فعل أو حدث مقترن بزمن وعلة. أما الزمن فهو ما يفرقه عن الوصف وأما العلة فهو ما يجعل كل فعل يمتلك منطقاً، ولولا هذا المنطق لما حصل الفعل، إذ الأشياء لا تجري اعتباطاً. سلمان كاصد استدعاني لهذا القول ما شاهدته أمس الأول في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي الثالث في فيلم «دواحة» التونسي التي تعني «تنويمة» أو «ارجوحة» في اللغة العربية. قصة الفيلم تتلخص بوجود 3 نساء، أم وبنتاها راضية وعائشة يعشن في قصر معزول إلى حد بعيد عن العالم، في قاع القصر «قاع البيئة الاجتماعية» وفي بيت الخدم المظلم تعيش هذه النسوة الثلاث. عالم موحش حولهن إلى أشباح، ولا رجل هناك أبداً، حيث يبدأ الفيلم بمحاولة «عائشة» أن تذهب صاعدة إلى «البيئة الاجتماعية الزرقى» وهي حمامات أصحاب «أسياد» القصر لتزيل بآلة حادة «موس» شعراً نما فوق ساقيها، فتسحبها أختها ضرباً وتعاقبها الأم. أحلام صغيرة لعائشة أحلام صغيرة، برجل يحسسها بأنوثتها، وفي الصباح يأتي شابان في سيارة ويتفحصان حديقة القصر ويتحاوران بأن هذا القصر الموحش لا يستدعي أبداً أن يعيش أحد فيه. حاولت مخرجة الفيلم رجاء عماري وهي أيضاً كاتبة السيناريو أن تخلق من هؤلاء النسوة أشباحاً، هذا بالإضافة إلى قتامة القلعة «القصر» بما يذكر بقلاع العصور الوسطى الأوروبية، وللملاحظة فإن الفيلم لا ينتمي إلى أي مكان أو زمان أو جنس بشري بعينه إذ هو مفتوح على كل الاحتمالات. تذهب النسوة ليبعن ما يصنعنه من تطريز للقماش إلى بائع في المدينة ويتسوقن طعامهن ويعدن إلى القلعة. هناك «صورة فوتوغرافية» تحتفظ بها الأم تمثل العائلة صاحبة القصر وهي تقف قربهم وبيدها طفلة وتبدو حاملاً حيث بطنها المنتفخة وهي في كل ذلك تبدو خادمة القصر الذي تخلى عنه أصحابه وبقيت المرأة مع ابنتيها لوحدهن في قاع بيت الخدم. العلاقة البشرية يجيء إلى القصر فتى وفتاة هما «علي وسلمى» أما علي فهو حفيد الأسرة صاحبة القصر ويطلع سلمى حبيبته على أقبية القصر، وينام معها تلك الليلة التي تتسلل لهما عائشة لترى العلاقة البشرية بينهما، فتزداد دهشتها بهذه المتعة التي بدأت توصفها لأختها «راضية» بشكل عملي «مثلي» وتردعها راضية بقوة. ويذهب علي وسلمى، وتخرج النساء الثلاث إلى حديقة القصر ليمارسن الزراعة، وهذا يفضح النص بمجمله إذ يعني وجود أناس في القصر، أولاً، وبالتالي كان المفترض على علي اكتشافه. وتدخل عائشة إلى غرفة علي وتجد ملابس سلمى وحذاءها الأحمر فتلبسه فينكسر كعبه العالي. وبرجوع علي وسلمى تجد الأخيرة حذاءها منكسراً ولم تندهش «فقدان سببية الفعل، مما يحولها إلى حكاية». ويستدعي علي اصدقاءه في حفل ليلي، وتدخل عائشة وسط ظلمة شفيفة ورقص بوهيمي إلى الحفل بحذاء سلمى الأحمر المكسور، ويحصل أن تتجول بين المدعوين بملابسها الرثة وبشكلها الجنوني ولكن لا أحد ينتبه إليها إلا حين تتدخل في حوار كان بين علي وسلمى وأصدقائهما. تهرب عائشة إلى القبو ولم يستطع أحد اللحاق بها. بنية الصراع ويذهب علي إلى المدينة وتظل سلمى، وتكتشف الأخيرة وجود النسوة الثلاث، وفي ضوء ذلك تختطف النسوة سلمى ويبقينها في أسفل القلعة أي أن العملية تجري وفق مبدأ عمودي في الصراع وهو ما يتوافق إلى حد بعيد مع مجمل الصراع الطبقي ـ الأسفل/ الأعلى، وهذا ما حصل مع سلمى عندما هبطت رغماً عنها إلى الأسفل. لتكتشف بعد أيام قليلة خيانة علي لها مع صديقته الجديدة التي جلبها إلى القصر. هنا تبدأ علاقة أفقية تنمو بين سلمى والنساء الثلاث ـ بفعل الخيانة. وبعيداً عن مشاهد العري التي لا تحيل إلى سبب ضروري لاستخدامها نجد أن الفيلم كان لابد له من أن ينمي ظاهرة العلاقة بين النساء الأربع «الأم وراضية وعائشة والجديدة سلمى» كونها غدرت من البنية الاجتماعية الأعلى فألقيت إلى القاع ـ الأسفل، في السلم الاجتماعي وهذا ما حصل للأم قبل أربعين عاماً عندما ولدت ابنتها راضية وحملت بابنتها عائشة من ـ ربما ـ ابن الأسرة صاحبة القلعة سراً، ثم القيت بالقاع في الأسفل في السلم الاجتماعي وهو احتمال تشير له الصورة التي كانت فيها الأم مع ابنتيها بجانب أفراد الأسرة الارستقراطية. فقدان السببية وتبدأ المماثلة حيث تقترب سلمى من النساء الثلاث وتكتشف أن الأب كان قد غادرهن «حسب تصورات عائشة» وهو في حقيقة الأمر كما يبدو مجهولاً ومعلوماً، وربما هو في أرض الحديقة كونها تعبر دلالياً عن الأسرة صاحبة القصر، وهو افتراض تشير له القصة ولا تفضحه، حتى تصور عائشة بأن ثمة طفلاً قد دفن في حديقة القصر فهو غير واقعي ومتخيل وبخاصة بعد أن نكتشف أن عائشة قد بحثت عنه في التراب واتضح أنه جثة كلب. ولم يتم البحث عن سلمى لأن النساء الثلاث أوهمن الجميع بأن سلمى قد غادرت حين أخذت جميع ملابسها.وتنمو العلاقة إلى شكلها الإنساني بين النساء الأربع ويذهبن في حلم الارتقاء إلى أعلى القصر لتستعيد الأم سيادتها وسلمى استحواذها مقررات الاحتفال وإقامة الوليمة على طاولة طعام أسرة القصر. هنا تقطع المخرجة «النص» بل تحوله باتجاه آخر وهو قصة عائشة والطفل المدفون في الحديقة وتهمل قصة «سلمى» التي كان بإمكانها الهرب ولكنها لم تفعل «فقدان السببية». حكاية خرافية لنلاحظ أن ثيمة الفيلم تتحرك باتجاهين تارة الحكاية وأخرى القصة وذلك بفعل وجود وفقدان السببية لكثير من الأفعال. كان بإمكان سلمى أن تهرب حين كانت مع النساء الثلاث يتجولن في الحديقة. كان بإمكان علي أن يتساءل عن وجود عائشة في الحفل. كان بإمكان الجميع في الخارج أن يتساءل عن القائم بزراعة الحديقة. كان بإمكان سلمى أن تسأل عن سبب تهشم كعب حذائها قبل القبض عليها. لقد غابت عن تلك الأفعال سببيتها مما جعل الأحداث تنتمي لتكون حكاية خرافية ليس فيها سبب منطقي يحركها باتجاه بعضها لتكون عامل الترابط والانسجام بين بعضها البعض، هذا بالإضافة إلى بطء الفعل والكاميرا وظلامية الحكاية وقسوتها في المشاهد الأخيرة عندما تحاول سلمى الهرب في ليلة ممطرة وتصل إلى نهاية الاختطاف وتخرج من البيت هاربة وتصل إلى الحديقة لتجد الأم في انتظارها فتقتلها وفجأة تشرع عائشة بالذهاب إلى الحمام في الأعلى ـ إلى المحرم اجتماعياً. العودة الى المدينة وتمسك الموس وتحاول إزالة الشعر بعد أن خنقت أمها فقتلتها ربما انتقاماً لسلمى أو لوضعهن الاجتماعي، وكل ذلك يجري في صباح مشمس «ولا أعرف ما دلالة هذا الاختيار» وتجيء راضية لها لتضبطها في الحمام وبيد عائشة الموس الذي تخاف منه راضية فتقتلها ذبحاً وبدم بارد تحمله على ثيابها البيضاء لتتجه إلى شوارع المدينة التي لا تأبه لها، وهي تسير مجنونة حاملة بقعاً من الدم فوق ثيابها إلى المجهول وهنا نسأل ما سببية العودة الى المدينة وما دلالتها في النص. كان الفيلم التونسي هذا بـ 91 دقيقة، وهو العرض الأول في الشرق الأوسط ومن تصوير ريناتو بيرتا وموسيقى فيليب هيرنير واريك راج وتمثيل حفيظة حرزي بدور «عائشة» وسندس بالحسن «بدور راضية» ووسيلة داري وريم البنا وظافر عابدين. المخرجة رجاء عماري درست الأدب الفرنسي في تونس وفرنسا وبدأت بتصوير الأفلام القصيرة عام 1995 وقد اختير فيلمها الطويل «الساتان الأحمر» للعرض في منتدى البرلينال وفاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان تورينو السينمائي وجائزة أفضل مخرج جديد في مهرجان سياتل السينمائي. قدمت عماري فيملها «دواحة» في إطار أفلام الرعب التي حاولت فيه الأخذ من المدارس السينمائية الأميركية الحديثة اتجاهاتها في هذا الحقل مما يجعل الفيلم لا ينتمي زمانياً أو مكانياً أو جنسياً إلى أي فضاء يمكن أن يحسب عليه ويحجمه، إنه يحمل رؤية طبقية مغربة، ولكن بتصور سينمائي يبدو في كثير من الأحيان مفككاً غير مشدود وموزعا بفعل فقدان العلة أو السبب الذي يجعل هذا الفعل فعلاً او لنقل يجعله حكاية فقط. الأفلام مقتبسة عن سلسلة روايات إجرامية للكاتب ديفيد بيس ثلاثية «الغطاء الأحمر» تتفوق على «العراب» شهدت عروض أفلام «ثلاثية الغطاء الأحمر» إقبالاً جماهيرياً كبيراً من قبل الجمهور المحب لأفلام الحركة والجريمة، إذ إنها واحدة من أكثر الأعمال الدرامية طموحاً ليس في عام 2009 وحده، بل وفي الآونة الأخيرة. إذ تعتبر هذه الثلاثية إنجازاً تراجيدياً يتفوق حتى على فيلم «العراب»، هذا ما كتبه الناقد الشهير ديفيد طومسون في وصف الثلاثية التي أنتجت في المقام الأول للتلفزيون البريطاني، وذلك عندما عرضت للمرة الأولى على شاشات السينما في مهرجان تلورايد السينمائي في مطلع سبتمبر. وقد قورنت السلسة بأعمال كبيرة مثل «السلك» و»السوبرانو»، ويعد كل فيلم من أفلامها عملاً قائماً بذاته، ولكن ينبغي مشاهدتها حسب تسلسلها الزمني لإدراك رسالتها الحقيقية، والثلاثية الدرامية للسيناريست توني جريسوني (كاتب السيناريو المعتمد لدى تيري جليام) مقتبسة عن سلسلة روايات إجرامية للكاتب ديفيد بيس، وهي عمل مهم لا غنى لكل من يعشق التمثيل الراقي وأفلام الجريمة والدراما المعاصرة عن مشاهدتها. والفيلم الأول «الغطاء الأحمر 1974» من تمثيل آندرو جارفيلد، ديفيد موريسي، جون هينشو، أنتوني فلانجان، وارن كلارك، جينفر هينسي، وتصوير سينمائي لروب هاردي، أما الإنتاج فهو لويندي برازينجتون، آندرو إيتون وأنيتا أوفرلاند، ومونتاج آندرو هيولم وموسيقى أدريان جونستون. يتناول الفيلم عالم الجريمة الإنجليزي المروع، حيث يرينا المخرج جوليان جارولد مشاهد كئيبة من عام 1974، في شمال انجلترا ما بعد الصناعة، وشخص ما يقتل الفتيات الصغيرات بينما تركز الشرطة اهتمامها على مطاردة الغجر، ومضايقة الإيرلنديين بدلاً من حل أسرار هذه الجرائم، وعندما يبدأ صحفي شاب تحقيقاته، يكتشف شبكة من الخداع والأكاذيب. وبعد عمله لعشر سنوات كمخرج تلفزيوني في المملكة المتحدة وترشيح أعماله لنيل جائزة البافتا، أخرج جوليان جارولد أول أفلامه الروائية «الجزمة المجعدة» عام 2005، ثم ألحقه بفيلم «أن تصبح جين» عام 2007، من بطولة آن هاثوي. ويحكي الفيلم الثاني «الغطاء الأحمر 1980» قصة شرطي رفع الشأن بيتر هانتر يتولى قضية «سفاح يوركشاير»، لكنه يواجه صد المجتمع المحلي المنعزل، أخرج جيمس مارش فيلمه الغطاء الأحمر 1980 بطريقة جمالية حداثية هادئة تتغلغل بك في عالم إنكلترا المبهم والملتبس أخلاقياً في تلك الفترة. والفيلم من تمثيل وارن كلارك، بادي كونسيداين، جيمس فوكس، ديفيد كالدر، نيكولاس وودسن، رون كوك، وإنتاج ويندي برازينجتون، آندرو إيتون، جيمي نوتجن، كيت أوجبورن، أنيتا أوفرلاند وتصوير سينمائي لإيجور مارتينوفيج، والسيناريو لتوني جريسوني. وبعد أن أخرج جيمس مارش أفلاماً وثائقية متميزة في الطرح والطابع لصالح بي بي سي، انطلق جيمس في عالم الأفلام الطويلة بفيلمه «مصيدة ويسكونسن المميتة»، وفاز فيلمه الوثائقي «رجل على السلك» بجوائز الأوسكار والبافتا والروح المستقلة. أما الفيلم الثالث من هذه الثلاثية التي جذبت جمهور أبوظبي ممن تجاوزت أعمارهم الثامنة عشر وممن يحبون هذه الأفلام كان «الغطاء الأحمر 1983» الذي تناول قصة اختفاء فتاة أخرى في ظروف مشابهة لتلك التي صاحبت جرائم 1974، عندها يدرك المفتش العتيد «ديفيد موريسي»، والمحامي بطيء الحركة «مارك آدي» أن أحداً لم يحل الألغاز القديمة وأن السفاح ليس حراً طليقاً فحسب بل وأن نشاطاته آخذة في التوسع. «1983» للمخرج أناند تاكر يقدم نهاية مثيرة لسلسلة قورنت بأعمال كبيرة مثل «السلك» و»السوبرانو»، ومن مونتاج تريفور ويت، وإنتاج ويندي برازينجتون، آندرو إيتون، جيمي نوتجن، كيت أوجبورن، أنيتا أوفرلاند، وموسيقى بارينجتون فيلونج، وتصوير سينمائي ديفيس هيجس. ويذكر أن المخرج أناند تاكر ولد في بانكوك وبدأ عمله التلفزيوني كمخرج لسلسلة «العرض المتأخر»، التي حققت نجاحاً كبيراً، حصل على عدد من الجوائز وأخرج أعمالاً في كل من المملكة المتحدة «هيلاري وجاكي 1998»، والولايات المتحدة «فتاة الدكان».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©