الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المتعاقدون الأمنيون... الرابح الوحيد من حرب العراق

3 ابريل 2013 23:54
ترودي روبين محللة سياسية أميركية قبل أسبوعين وفي الذكرى العاشرة لغزو العراق كتبت عموداً تحدثت فيه عن الأطراف الخاسرة في الحرب، وأكدت أنه لا يوجد رابحون في هذه الحرب، لكن بعد فترة تلقيت تعليقاً من أحد القراء يقول فيه إنه بالتأكيد يوجد رابحون في الحرب وهم المتعاقدون الذين صاحبوا المجهود الحربي للقوات الأميركية بتوفير الأمن وباقي المؤن الضرورية، وتلقوا نظير ذلك عشرات المليارات من الدولارات من الحكومة الأميركية. والمشكلة أن جزءاً كبيراً من تلك الأموال الطائلة ذهبت سدى وأُهدرت دون وجه حق بسبب فرض أسعار مرتفعة، أو النصب الذي رافق تلك العملية. والحقيقة أن القارئ الذي علّق على المقال كان محقاً للغاية، وإن كنت أختلف معه فيما ذهب إليه من أن الحرب كانت تخدم بالأساس المركب الصناعي العسكري الأميركي، وفي جميع الأحوال لامس القارئ موضوعاً مهماً لم نتعامل معه حتى الآن بالطريقة المناسبة والمتمثل في عجز الجيش الأميركي والوكالات المدنية الأخرى عن إنجاز مهمة إعادة الإعمار وبناء الدول في المناطق التي تأثرت بالحروب، أو حتى الإشراف ومراقبة المتعاقدين الخواص الذين غالباً ما نعهد لهم بعمليات إعادة الإعمار وإنجاز المشاريع. ولتوضيح حجم الخلل الذي رافق الجهود الأميركية لإعادة إعمار العراق بعد الحرب قدرت لجنة تابعة للكونجرس ومشكلة من الحزبين أن ما لا يقل عن 60 مليار دولار من أصل 206 مليارات التي دفعت للمتعاقدين منذ بدء حربي العراق وأفغانستان، أهدرت بالكامل. أما جوهر المشكلة حسب اللجنة فهو الاعتماد المفرط وغير المراقب على المتعاقدين الخواص الذين ينفقون أموالاً طائلة بلا رقيب أو حسيب، وأي مسؤول خدم في العراق يمكنه الإشارة إلى عدد من حالات تبديد المال. ولعل أبرز من يمكنه الإدلاء بشهادة في هذا السياق والذي يملك معرفة عميقة بالموضوع هو ستيوارت باوين، المفتش العام لجهود إعادة الإعمار في العراق باعتباره الشخص الذي وثق جميع أوجه الفشل في جهود إعادة الإعمار وما شابها من تجاوزات عديدة، ففي محاضرة بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن خلال الأسبوع الماضي، حذر باوين من أنه «ما زال علينا تعلم بعض الدروس من العراق وأفغانستان عندما يتعلق الأمر بإعادة الإعمار». وقبل التطرق إلى الدروس التي يشير إليها المفتش العام لابد من الإشارة إلى الإنفاق المفرط على المتعاقدين في العراق واعتمادنا المبالغ فيه على خدماتهم، علماً بأنها خدمات كان يقوم بها الجيش في السابق، لكن بسبب الرغبة في تقليص عدد الجنود على الأرض وتجنب إعادة العمل بنظام الخدمة العسكرية الإجبارية، تم اللجوء إلى خدمات الشركات الخاصة لتخفيف العبء على الجيش الأميركي. وفي أوج الحرب خلال عام 2008، قدر مكتب الموازنة في الكونجرس الأميركي أنه من أصل كل خمسة دولارات تنفق في العراق، يذهب دولار واحد إلى جيوب المتعاقدين، وفي تلك اللحظة كانت الأموال التي استفاد منها المتعاقدون وصلت إلى 85 مليار دولار، وهي السنة نفسها أيضاً التي تضخم فيها عدد الموظفين العاملين مع الشركات الخاصة في العراق ليصل إلى 180 ألف والذين غالباً ما يُستقدمون من دول العالم الثالث ليعملوا في الحراسة الخاصة والترجمة والبناء وغيرها من الوظائف، وبهذا العدد الكبير شكل المتعاقدون بموظفيهم جيشاً موازياً يتجاوز عدد القوات الأميركية، متيحاً بذلك مناخاً شجع على الزبونية ومظاهر النصب والاحتيال. ومن أكثر الشركات الخاصة التي استفادت من انعدام المراقبة في العراق، «كليوج براون أند روت»، وهي إحدى الشركات التابعة لهاليبورتن التي كان يرأسها ديك تشيني من عام 1995 إلى عام 2000. هذه الشركة حصلت على عقود حكومية وصلت قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات، وعندما حاولت موظفة في البنتاجون فضح ما تقوم به الشركة أقيلت من عملها، لتتوصل الشركة إلى تفاهم ودي مع الحكومة الأميركية دفعت بموجبه 559 مليون دولار لإسقاط تهم الفساد الموجهة لها. والمشكلة في جهود إعادة الإعمار والمشاريع المرتبطة بها أن الوضع كان واضحاً للمراقبين الأميركيين منذ البداية في ظل الأموال الطائلة التي كانت تتدفق على العراق لتمثل فرصة مغرية تشجع على الاحتيال، مثل حالة الشركة التي أقنعت الجيش بإسناد مهمة حماية مطار بغداد لها بمبلغ 16 مليون دولار، ليتبين لاحقاً أن الشركة لا خبرة لها في عملية التأمين والحماية. والمعضلة حسب المفتش العام لا تكمن فقط في حاجة الولايات المتحدة للاعتماد على خدمات المتعاقدين، بل الفشل في تعقب الأموال المخصصة للمشاريع وعدم تنسيقهم مع الأهالي لتحديد الأولويات والاستشارة معهم حول المشاريع الضرورية، ومع تنوع مصادر التمويل وانخراط أطراف ووكالات دولية عديدة، انهار نظام التدقيق المالي ولم يعد قادراً على تعقب أوجه صرف الأموال. وفي هذا السياق يعطي المفتش العام مثالا واضحاً على الخلل الذي رافق عملية الإعمار، فبعدما أُنفقت أكثر من 300 مليون دولار لبناء محطة لمعالجة المياه في الناصرية جنوب العراق، لم يعمل من المحطة سوى 20 في المئة لأن المشروع لم يأخذ بعين الاعتبار أن قنوات الصرف في المدينة أصغر من أن تتحمل قدرة المحطة على الضخ، كما أن الأهالي الذين يديرونها لا يتوافرون على أدنى تجربة في هذا المجال. لذا فإنه عندما تُنفق الأموال الطائلة في مشاريع إعادة الإعمار دون مراقبة أو تنسيق بين المدنيين والعسكريين، وعندما تتجاوز ما تسمح به البنى التحتية المحلية، فإن المستفيد الوحيد هم المتعاقدون، في حين يخسر دافع الضرائب الأميركي ومعه الشعب العراقي لتكون النتيجة تعاظم شكوك المواطنين في العراق وأميركا معاً بشأن الأهداف الحقيقة من مجمل جهود إعادة الإعمار. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©