الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

بيكيلا«الجندي الحافي » أسطورة روما وحديث العالم

بيكيلا«الجندي الحافي » أسطورة روما وحديث العالم
21 يوليو 2016 21:08
نيقوسيا (أ ف ب) الإثيوبي ابيبي بيكيلا عداء مذهل يجري حافي القدمين وكأنه في سهوب بلاده يركض خلف الخرفان، فاز بماراثون دورة روما 1960 في الأمسية الأخيرة من الألعاب، واجتاز خط النهاية نضرا غير متأثر بالمسافة والجهد، فأدهشت لياقته البدنية وحيويته الأطباء بعد 195ر42 كلم. اخترق «السائح الإثيوبي» شوارع العاصمة الإيطالية مكتشفا روما القديمة وحاصدا الانتصار ومحطما الرقم القياسي الذي حققه التشيكوسلوفاكي اميل زاتوبيك « القاطرة البشرية» في دورة هلسنكي 1952 (2:23:03 ساعة). خرج بيكيلا (28 عاما)، الجندي في الحرس الإمبراطوري الإثيوبي من بين الصفوف، واخترق الطليعة ليبلغ خط النهاية حافي القدمين، فالأحذية الرياضية لا تريحه، والجري من دونها أسهل، وسجل 2:15:15 ساعة في مقابل 2:15:41:6 ساعة للمغربي عبد السلام الراضي. وكان بيكيلا (58 كلج، 76ر1 م) نموذجا لجيل من العدائين الأفارقة الذين طبعوا المسافات الطويلة بطابعهم الخاص، والحصاد المثمر لمدرب اللياقة البدنية في كتيبة حرس الإمبراطور هايلي سيلاسي، السويدي اومني نيسكانن المولود في هلسنكي. قبل أربع سنوات من موعد الألعاب، اكتشف المدرب الخبير جنديا شابا انخرط في صفوف الحرس الامبراطوري منذ سن المراهقة، بهره بقدرة تحمله، شاب قادم من الريف البعيد ومولود في 7 أغسطس 1932، وهو اليوم الذي نظم فيه سباق الماراثون في دورة لوس أنجلوس الأولمبية. عندما فاز بيكيلا بذهبية روما كان العداء الحافي القدمين مجهولا، لكن وقته القياسي جعل منه أسطورة لكونه أول رياضي أفريقي أسود يتوج بطلا أولمبيا. بيكيلا ابن مزارع فقير من قبيلة أمهرا في جنوب إثيوبيا، شديد السمرة، أشعث الشعر، حاد الأنف، بدأت مواهبه الرياضية تبرز في دورات عسكرية محلية، وتولى شؤونه نيسكانن وقاده إلى ذلك النصر التاريخي الكبير، وعندما عاد إلى بلاده كان طبيعيا أن يستقبل استقبال الأبطال، وقد أهداه النجاشي (الإمبراطور) شقة وسيارة، ولكن بعد فترة وجيزة حصل تمرد في القصر الإمبراطوري (13 ديسمبر) تم على اثره اعتقال جميع أفراد الحرس وإعدامهم رميا بالرصاص، باستثناء بيكيلا الذي تدخل الإمبراطور شخصيا لإنقاذه، وقيل يومها أن ذهبيته الأولمبية أنقذته. ومع حلول موعد أولمبياد طوكيو 1964، تردد مدرب المنتخب الإثيوبي في ضم بيكيلا إلى الفريق لأنه كان قد خضع قبل خمسة أسابيع لعملية إزالة الزائدة الدودية، وفي أي حال خاض العداء السباق منتعلا حذاء رياضيا هذه المرة وفاز به مسجلا 2:12:11 ساعة، فبات أول من يحتفظ بلقب هذا السباق الصعب، واستقبل في بلاده استقبال الفاتحين وكوفئ بترفيعه إلى رتبة ملازم. وفي أولمبياد مكسيكو 1968 اضطر بيكيلا للانسحاب بعد 17 كلم من الماراثون بسبب إصابة في قدمه، وكان هذا الأمر بسيطا بالمقارنة مع ما تعرض له لاحقا هذا البطل الأولمبي المتزوج (له أربعة أولاد) عندما أصيب بالشلل نتيجة حادث سيارة عام 1969، غير أن عزمه الذي لا يلين دفعه إلى المشاركة في مسابقة لرمي السهام وهو على مقعد متحرك في إنجلترا. وفي 25 أكتوبر 1973 توفي عن 41 عاما إثر نزيف في الدماغ وأقيم له في بلاده مأتم مهيب في يوم أعلنه الإمبراطور يوم حداد وطني. ولطالما فضل بيكيلا أن يعدو حافي القدمين لشعوره براحة أكبر وتلقائية، كان فقط ينتعل الحذاء عندما يشعر بأن المسار سيعرضه لإصابة أو جرح، ونتيجة ذلك، قسا الجلد في أسفل قدميه وباتت سماكته مليمترات فبدا وكأنه نعل «طبيعي»، ولم يعد ينزعج أو يشعر بوخز أو ألم. كان بيكيلا يتدرب مرتين يوميا، في الصباح الباكر وقبل المغيب، يقوم بإحماء لمسافة طويلة ثم يجري سلسلة 1500 م لتنمية السرعة فضلا عن حصص جري طويل في الريف، وهذا التنويع مفيد لا سيما أن المنطقة جبلية والأمكنة المطلوبة متوافرة. كما طلب نيسكانن من تلميذه الهرولة صعودا نحو المرتفعات والهضاب بسرعة كبيرة، فضلا عن قيامه بتمارين جمباز لليونة ويرفع أثقالا خفيفة. وتجاوب قلب بيكيلا كان ممتازا، ونبضه يسجل 45 دقة في الدقيقة في أوقات الراحة. كشف بيكيلا انه قبل سباق روما قال له نيسكانن إن حظوظه كبيرة بالفوز، وطلب منه مراقبة العدائين السوفيات والمغربي الراضي وأن يكون حذرا ومتيقظا، وألا يتقدم ويتصدر قبل الكيلومتر 30، ويمكنه فقط أن يأخذ زمام الأمور في البداية إذا كان السباق بطيئا. وأضاف: «انطلقت أخيرا عندما حان الوقت ولا أزال أملك خزينا من اللياقة، أنا سعيد لبلدي وللإمبراطور وزوجتي التي تنتظرني في بيتنا الصغير في أديس أبابا». في السباق التأهيلي للألعاب، اجتاز بيكيلا المسافة بزمن مقداره 2:21:30 ساعة، علما أن المسار كان أصعب بكثير، وطول المسافة صعودا 10 كلم، والانحدار العام 250 م في مقابل 90 م في روما، كما أن العاصمة الإثيوبية تقع على ارتفاع يتراوح بين 2000 م و3 آلاف م عن سطح البحر. في روما، خاض بيكيلا ماراثونه الثالث، وسبق أن برع على مسافة 25 كلم، ورقمه في 5 آلاف 14:36:00 دقيقة، علما أن لا أرقام مسجلة له رسميا في 10 آلاف م، لكن مؤشرات أدائه تؤكد مقدرته على اجتياز هذه المسافة (25 لفة مضمار 400 م) بزمن دون 29 دقيقة. ومتى توافرات ظروف مثالية لخوض سباقات على الساحل، يمكنه تحطيم رقم زاتوبيك ضد الساعة. كان نيسكانن يأمل بكثير من كوكبة عدائين إثيوبيين شبان يعدهم للبطولات المقبلة، وبيكيلا أول غيث تلك القافلة التي انطلقت، فبعد احتفاظه باللقب في طوكيو، فاز مواطنه مامو والدي في دورة مكسيكو عام 1968.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©