الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

·· وكان رابعهم··الحب

·· وكان رابعهم··الحب
7 أغسطس 2008 01:28
حينما تصنع الأحرف بشكلٍ متناغمٍ متراصٍ كلمةً تسمى الصخر فإن هذا الوصف هو ذاته ينطبق حرفاً وفعلاً على قلب (ساجد)· (ساجد) لا يصطنع البتة التعالي لكن عدم المبالاة شيء مجبول بشخصيته، ويهمني أن أعلمك بأنه لم يعش وحيداً، ولربما يخال لك بأنه صعب المراس··· كلا على الإطلاق أنه بسيط، وما هو بانطوائي، بل يحب التعارف لكنه لم يتذوق أو يلامس طيف الحب الجميل· (ساجد) ليس شاذاً لكنه بالفعل ما عرف شعور المحب الذي يتطور بحبه لعاشق لينتهي به المطاف لمستهام تأكل الرعشة يديه، ويكاد يرى حروف اسم من يهواها شمساً أخرى· أدرك (ساجد) مفهوم: أن أضحي وأفنى من أجل بقاء أحد ما، حتماً من أجل أن يبقى الوطن مثلا·· أن أضحي مثلا بأجزاءٍ من ثروتي من أجل أن أرسم بسمةً على شفاهٍ مريرة، معذبة·· لكن أن أضحي من أجل حبيبٍ خفق له الفؤاد وتهاوت أمام عينيهِ كل مسميات الشعور·· هذا الذي لم يستوعبه صديقنا (ساجد) بتاتاً·· وماكان يغيظني فيه هو استهزاؤهُ بمن يكتبون قصص الغرام وبأي حوار ينطلق من فمٍ أو قلمٍ يوحي بمضمون الحب النبيل، وكم وصفهم بأنهم سذج وبأنهم فارغون ولا هم لهم سوى ترهات وكلمات لا تسمن ولا تغني من جوع· صديقهُ ورفيق دربهِ (زيد) مختلف عنهُ تماماً فهو ذو قلبٍ رهيف رقيق، يصنع أجمل أنواع التعابير حين يقابل أي فتاة، قرأ الكثير عن شجون الحب ولوعة المحبين، وكثيراً ما كان (ساجد) ينتقدهُ لفرط رهافة قلبه· (ساجد) خلٌ وفي، وزميل عمل فهو يعمل في المؤسسة ذاتها التي يعمل بها (زيد) وحين يقع هذا الأخير في شركِ عيني أنثى جميلتين فإنه يسارع للاستنجاد بصديقه وسرعان ما ينصب هذا الصديق المتاريس في وجه (زيد) ويعلن براءتهُ مما يقول، فهو لا يتفهم ومحال أن يسمح لنفسه أن تفهم ماذا يعني الوقوع في أول شواطئ الغرام·· كم حاول (زيد) أن يثني قلب صاحبه ولكن إذا كان فاقد الشيء لا يعطيه فأنا لزيد أن يبلغ مراده أنا له ذلك· سألته ( لُمى): كم أنت رقيق يا زيد··· أحقا هذا الكلام المنشور في تلك الصحيفة أنت صاحبه؟ فأجاب (زيد): نعم هذه الخاطرة هي من تأليفي وأنا كثيراً ما أكتب في هذه الصحيفة في باب (خواطر القراء) وأنشرها تحت الاسم المستعار (حنين عاشق)· ـ في رأيي المتواضع فإن هذه الخاطرة هي أرقى من أن تنشر تحت مسمى (خواطر القراء) فأسلوبها احترافي بحت وليس أسلوب هاوٍ· ـ أوه سيدتي هذا إطراءٌ بديع·· صادر من ثغرٍ أنثوي غاية بالرقة والجمال· ـ كم أنا سعيدة لأني اكتشفت أخيراً من هو (حنين عاشق) إنه ذلك الزميل المهندم الأديب الذي يجمعني معه سقف مؤسسة كنت أظن أن كل موظفيها أناس عركتهم الحياة وغاصوا في هوجاء بحارها وبات شغلهم الشاغل أسعار المحروقات وأقساط المدارس وأسعار الخضراوات، فأصبحوا أبعد ما يكون عن شيء اسمه الحياة أو بمعنى آخر تلك المشاعر التي تصنع فيها· ـ يا سيدتي إن المشاعر مزروعة في صدور البشر جميعهم فالخلق مجبولون على الحب ومهيأون له، وما الحب إلا كالمارد الضخم الذي يعيش طي الصدور وينتظر أدنى إشارة حتى يخرج بهدوء ليحمل صاحبه نحو النجوم· ـ كم أكون سعيدة لو قبل (حنين عاشق) صداقتي وسمح لي بأن أطلب منه أن يستمر في كتاباته الجميلة· تنتظرون مني أن أقول لكم إن (زيد) اكتشف في عيني لُمى، تلك الزميلة الجديدة الجميلة، كوكباً آخر فيه الهواء والماء، ولربما أقول إنها أنثى أخرى غير كل من عرفهن من قبل، ففي النهاية قصتي هذه قصة غريبة، لكن فعلاً هذا ما حدث ليس لأنها أبدت إعجابها بأسطر يكتبها كل بضعة أسابيع وتنشرها صحيفة مغمورة، فهي ليست أول فتاة تعجب بكتاباته، لكنهُ أحس بصدق كلام لُمى وحين تطورت صداقته وأصبحا أكثر قرباً من بعضهما بعضاً في الأيام التي تلت ذاك اللقاء أدرك (زيد) مدى دهاء حدسه وقوة تخمينه، فما توقعه وجده أمامه· فعلاً كانت (لُمى) من الفتيات اللاتي اكتوين بنار الخيانة والغدر فقد عاشت في السابق قصة حبٍ جميلة جمعتها بزميل لها في الجامعة، وكم كانت صادقة بمشاعرها معه، إلى أن جاء اليوم الموعود واكتشفت أنه شاب فارغ يريد أن يسلي نفسه ويملأ وقت فراغه لا أكثر· ربما هذه أول مرة يخفي فيها (زيد) عن صديقه (ساجد) مشاعره الجياشة تجاه زميلتيهما (لُمى)، لأنه كان يعلم بردة فعله، طبعاً سيهزأ منه وسينعته بالساذج· اكتشف (زيد) أن ثمة قارئة شغوفة بشكلٍ كبير بما يكتبه· ولكثرة ووفرة أفكارهِ وكتاباتهِ قررت الصحيفة تخصيص عمودٍ أسبوعي يحرره كاتب أتى من مملكة الصمت والجمال يكنى (حنين عاشق)، حيث استطاع هذا الكاتب وعبر تعاقب الأيام والشهور أن يحدث ثورة في فؤاد لُمى الجميلة فما عادت تلك الفتاة الحزينة المنغلقة على ماضيها الغابر بل باتت أكثر وعياً ونضجاً· فاجأها (زيد): ـ حقا اليوم أستطيع أن أقول بأني حططت بمراكبي على سطح القمر، لا يمكنني وصف سعادتي آنستي· فردت (لُمى): ـ أوه يا زيد كل هذا لأني طلبت أن أقابلك في الخارج هذا المساء·· كم أنت مبالغ بكلامك يا عزيزي· ـ حينما يقال لأسيرٍ أضناه الأسر طويلاً بأنه سيغادر سجنه اليوم لينطلق نحو الحرية، فتراه يبلغ بفرحتهِ عنان السماء، حينها لا يمكننا أن ننعت فرحتهُ تلك بأنها مبالغة· ـ زيد صديقي·· كفاك شعراً وليكن موعدنا في السادسة مساء في مقهى (ظلال الورد)·· اتفقنا· كم عندي رغبة في أن أتوقف بالكلام هنا، وأترككم تتخيلون هذا اللقاء الذي سيتم في ذلك المساء المخملي، لكني لا أستطع·· لقد صارحته فعلا·· إذ لم تعد تحتمل الصمت، لقد لجأت له لأنه الصديق المخلص الوفي الذي استطاع فعلاً أن يعيد اكتشاف ذاتها من جديد· لقد بعثت في داخلي الحياة من جديد يا زيد·· هذا ما استفتحت به كلامها حين تقابلا، وقبل أن تسترسل في حديثها معه استشهدت بإحدى خواطرهِ المنشورة سابقاً والتي يقول فيها (زيد): على العاشق ألا يكبح جماح مشاعره أبداً بل على العكس عليه أن يبوح بها لمصدر عشقهِ أو بمعنى أدق لملهمهِ وإلا فإنه سينعت بالجبان·· يمكننا أن نقول إن لُمى كانت في ذلك اللقاء جريئة بل صريحة وواضحة، أما زيد فكان في ذلك اللقاء مندهشاً لفرط صراحةِ ملهمته أيضاً، ويمكننا أن نقول إنه تحول إلى معجب ببراءة ووداعة محدثته· وقبل أن يفترقا في ذلك اللقاء الذي استمر طويلاً، قررا أن يسعيا بجد لما اتفقا عليه، وناشدته بحق الشيء الذي جمعهما معاً بأن يبقى لقاؤهما هذا سراً دفيناً وحبذا لو أسدل عليهِ ستار النسيان· ؟؟؟ بعد عدة أشهر من ذلك اللقاء الجميل، خرج (زيد) مسرعاً من محل الحلاقة، ثم انطلق كمن تطارده الشرطة نحو المصبغة وتسلم بذلته السوداء الثمينة بعد أن كويت بالبخار وتوجه نحو البيت كي يستعد لمناسبته، فبعد ساعة تقريباً عليه أن يوجد في قاعة الأفراح ليكون بجوار لُمى، فهذه ليلة العمر·· وبعد أن لبس بذلته الجديدة وأحكم ربطة عنقهِ الحمراء أصبح بإمكاننا أن نطلق عليه مسمى العريس، وقبل أن يخرج من البيت وقف أمام المرآة يلقي النظرة الأخيرة على شعره، وأخذ يتأمل وجهه·· بدت سعادته تضمحل وتفتر شيئاً فشيئاً وحين أحس بأن الدموع تتراقص في عينيه مسحها مطلقاً تنهيدة وقال محدثاً نفسه بصوتٍ عالٍ (يكفيني أنني انتصرت للحب)، ثم انطلق نحو قاعة الأفراح· قبل أن يدخل للقاعة وقف متخفياً وهو يحاول أن يسترق النظر كي يشاهد لُمى، فلمحها وهي بأبهى حليها وزينتها بجوار صديقاتها وابتسامتها تكاد تسحر الجميع· وحين دخل إلى القاعة لوح بيدهِ من بعيد لصديقهِ (ساجد) الذي كان في أوج أناقتهِ ووسامتهِ وهو يقف بجوار عروسهِ الفاتنة (لُمى)، فما كان من ساجد سوى أن طلب من صديق عمرهِ التقدم للسلام عليه وعلى عروسهِ والتقاط بعض الصور معهما كي تحفظ في سجل الذكريات· فلبى (زيد) تلك الدعوة برحابة صدر وعانق صديقه طويلاً ثم اتجه نحو مليكة الحفلة وبارك لها بحرارة من دون أن ينظر إلى عينيها، لأن العينين الجميلتين التين كانتا منجم إلهاماتهِ لم تعودا له·· وأخذ طريقه نحو مقاعد الحضور حيث جلس وحيداً· في ذلك المقهى، مقهى (ظلال الورد)، باحت (لُمى) لزيد بمكنون قلبها، وأخبرتهُ بأنها معجبة جداً بزميليهما (ساجد) واكتشفت بأن الشخص الوحيد الذي يمكنهُ أن يتفهمها هو (زيد) فهو شاعرٌ رقيق·· وهو صديق (ساجد)، وهو خبير بلغة القلوب كما توحي كتاباته البديعة· في ذلك المساء استأذنت منهُ بأن يسمح لها بأن تكتب بعض الجمل الجميلة التي اقتبستها من خواطره المنشورة وإرسالها لساجد عسى أن تثمر خطتها وتنجح بجذب اهتمامه كما تصبو وترجو· لقد كان (زيد) في جلسته على ذلك الكرسي وسط صخب الحفلة كسير الفؤاد، ولكنه لم يكن خاسراً أبداً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©