الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التاجر المحتال

7 أغسطس 2008 01:25
كان يعيش في أحد البلدان البعيدة سلطان، له ثلاثة أبناء أحدهم كان معاقا، ولم تكن معاملة السلطان لأبنائه متماثلة، فقد كان يفرق في المعاملة بين ولديه السليمين وولده المعاق، حتى أصبح المعاق يخجل من إعاقته ويتوارى عن أعين الناس وعاش منعزلا لا يراه أحد· كبر الأولاد واشتهر الولدان السليمان بالشجاعة والإقدام، وبمرور الوقت أحسا بأنه يجب عليهما البحث عن مغامرة وتجارة تكسبهما شيئا من التميز الذي يرفع من شأنهما عند والدهما بصفة خاصة وعند الناس بشكل عام· ذهب الولدان إلى أبيهما يخبرانه بقرارهما السفر، وطلبا منه أن يبتني لهما مراكب شراعية كبيرة للسفر عبر الخلجان والبحار للتجارة، فوافق الأب بعد أن رأى بأن أبنيه جادان في ذلك· شرع العمال في بناء مركبين شراعيين خشبيين كبيريين، وعلمت البلاد بعزم ابني السلطان على السفر، وفرحوا لهما كثيرا، وكان ابن السلطان ''المعاق'' يراقب كل ما يجري ويسمع ما يقال ويتحسر· أبحر الشابان في سفر طويل حتى بلغا مرفأ مدينة ''البصرة'' وهناك كانت قد وصلت أنباء سفرهما للجميع،وتزاحم الناس على مركبيهما، ثم ظهر من بين الجموع رجل أنيق ذو هيبة ووقار، تقدم إلى الشابين، فانسحب الجميع وولوا مدبرين· سلّم الرجل على الشابين وسألهما عن بضاعتهما فأخبراه بما يحملانه فقال لهما بأنه يرغب في شراء كل حمولتهما، لكن ''شحنة بشحنة'' أي أن يملأ لهما مركبيهما بحمولة بمقدار حمولة ''البز'' التي سيأخذها منهما، وافق الشابان وهما في غاية الفرح والسرور، فقد تمكنا من بيع البضاعة بأكملها بسرعة لا يمكن أن يتخيلها أحد· سأل الشابان الرجل ''التاجر'' عن موعد استلام الحمولة الجديدة، فقال لهما بأنه جاهز متى ما أمرا بذلك، فقالا له بأنهما ينويان قضاء خمسة أيام ليستريحا من عناء السفر ويتجولا في ''البصرة'' يعودان بعدها فورا إلى بلدهما، فأقرّهما على ذلك وقال لهما بأنه في غضون هذه الأيام الخمسة سوف يملأ السفينتين بالشحنات المتفق عليها· عاد الشابان بعد عشرة أيام قضياها في التجوال والمرح البريء في البصرة، فقد أعجبهما هواؤها وماؤها ونخلها، وعندما وصلا إلى السفينة فوجئا برائحة كريهة تنبعث من ناحية السفينتين فتقدما والرائحة تزداد، وما ان وصلا إلى السفينتين حتى وجداهما مليئتين بالأسمدة وروث البهائم من الأغنام والأبقار، فكانت صدمة عظيمة· اتجها فورا إلى قاضي المدينة ورفعا دعوة على التاجر الذي احتال عليهما، فاستدعى القاضي التاجر المحتال وسمع حجته بعد أن كان قد استمع إلى دعوى الشابين، ثم استدعى من كان الشاهد على الواقعة، وبعد إتمام سماع كامل الدعوى والحجج وأقوال الشهود، حكم ببراءة التاجر من تهمة الاحتيال على الشابين، لأن الاتفاق الذي تم بينهم أن يتم تبادل ''شحنة بشحنة'' دون تعيين ماهية الشحنة البديلة لشحنة ''البز'' وبذلك خسر الشابان كل أموالهما وأصبحا عاجزين حتى عن دفع أجور البحارة ورسوم المرفأ، مما دعا سلطة الميناء إلى احتجاز المركبين لحين دفع الرسوم المترتبة عليهما· بات الشابان في ضائقة مادية كبيرة، فقد صرفا كل ما يملكانه من مال، فاضطرا إلى البحث عن عمل يقتاتان منه، فعمل الأول عند بائع حلوى والثاني عمل عند خباز، وهكذا مرت الأيام والشهور والسنين، لا أحد يعلم عن أبني السلطان شيئا· في يوم من الأيام بعد أن اشتد الحزن بالأخ الثالث ''المعاق'' توجه إلى أبيه السلطان وهو يبكي وطلب منه أن يجهز له مركبا يبحر به في اثر أخويه للبحث عنهما، تعجب السلطان من طلب ابنه ''المعاق'' وصرخ في وجهه قائلا: إن الشابين اللذين اتّصَفا بالشجاعة وحب المغامرة فشلا من أول رحلة لهما ولم يعودا ولم يُسْمَعْ لهما خبر، فكيف بك أنت المعاق، كيف ستواجه الأهوال والأخطار، أغرب عن وجهي الآن هيّا· حزن الفتى من زجر أبيه له، وتوجه إلى جدته يبثها همّه، فاحتضنته وأخذت تُرَبّت على كتفه وتهدئ من حزنه وغضبه، ووعدته بأنها هي التي ستحقق له أمنيته· توجهت الجدة إلى ابنها السلطان وعنّفته على فعله غير اللائق بابنه، وقالت له: مهما يكن يجب ألا تقلل من شأن أي واحد من أبنائك وألا تستهين بقدراتهم، وأن تعاملهم بعدل ومساواة دائما، فاعتذر السلطان عن سوء تصرفه وطلب منها الصفح· قالت له الجدة: إذا كنت ترى بأنك قد أخطأت في حق ابنك فنفذ له ما يطلب دون شروط، أطاع السلطان والدته واشترى لولده المعاق قاربا صغيرا وملأه له بالبضائع وتمنى له حسن الطالع· توجه ابن السلطان المعاق بقاربه إلى البصرة، الذي، ثم ظهر التاجر المحتال وسلّم على الفتى وطلب منه شراء ''الشحنة بالشحنة'' فوافق الفتى لكن بشرط أن يتكاتبا على ذهب وفضة ليكون بدلا لبضاعته الثمينة· انشغل التاجر المحتال وفكر في حيلة جديدة تمكنه من المحافظة على ماله، وكانت لديه ابنة جميلة فقدمها للفتى ابن السلطان يعرضها للزواج، فوافق الفتى وعقد القران، وبعد مدة من زواجه قرر الفتى العودة إلى دياره، فاستأذن من التاجر المحتال بالعودة فسأله عن زوجته فقال له بأنه سيأخذها معه بالطبع، وطلب منه الدين الذي في ذمته فأعطاه ثلاثة صناديق كبيرة مملؤه بالذهب والفضة، وبينما كان العمال يحملون الصناديق في القارب لمح الفتى مركبي أخويه على جانب من المرفأ فسأل التاجر المحتال عن المركبين فقال له بأنهما لتاجرين فاشلين خسرا مالهما وباعا هذين المركبين له، فإن شاء باعه إياها، فقبِل أن يشتريهما لأنه بحاجة لمراكب كبيرة لكثرة البضاعة التي اشتراها من البصرة، فاشترى المركبين ثم توجه إلى السوق لشراء كميات كبيرة من الحلوى والخبز فأرسل كل من بائع الحلوى وبائع الخبز عامله ليأخذ ما اشتراه الفتى المعاق إلى سفنه في المرفأ· توجه الشابان العاملان ''أخوة الفتى'' معه إلى المرفأ وهم في الطريق أخذوا يتجاذبون أطراف الحديث فعلم الفتى بقصتهما وأنهما أخواه اللذان وعدهما بدفع، فعرض عليهما أن يأخذهما إلى بلدهما لأنها على مقربة من بلده التي يقصدها، وأنه سيدفع لهما أجرة سخية، فوافقا على الفور، لكنه قال لهما بأنه سينفذ ذلك بشرط، بأن يختمهما على جسديهما بخاتمه حتى يضمن بأن لا يغدرا به! فوافقا على الفور! انطلقت السفن وقد جعل الفتى السفينتين الكبيرتين في المقدمة وقاربه الذي يحمل زوجته وصناديق الذهب والفضة في الخلف· مضت السفن في طريق طويل عبر أمواج البحر، وبينما كان الشابان يتحادثان مع بعض البحارة علما بأن صاحب السفن هو أخوهما المعاق وأنه ربما فعل ذلك ليشمت بهما، فقررا التخلص منه، فاختبئا له في الليل ودفعا به إلى مياه البحر وتخلصا منه، وقالا بأنه لو سألهما والدهما السلطان سيخبرانه بأنهما تأخرا لغرض التجارة، وأنهما التقيا بأخيهما المعاق الذي وقع ضحية التاجر المحتال في البصرة ولكنهما لم يستطعا تقديم العون له بسبب تورطه مع المحتال، فتركاه وعادا بمركبه وزوجته ليطمئنا والدهما· تمكن الفتى المعاق من النجاة بتمسكه بسلّم قاربه الصغير، فتعلق بالقارب وساعدته زوجته على الصعود إلى ظهر القارب فاختبأ في أحد الصناديق الذي له قفل من الداخل، وطلب من زوجته بأن توهم الجميع بأنها خرساء من هول الصدمة لفقدها زوجها، وحالما نصل سوف افتح الصندوق من الداخل وأتوجه إلى دار جدتي التي لن تفضح أمري لحبها الشديد لي· وصل الشابان أبني السلطان وعلم بمقدمهما الجميع وفرحوا لذلك وأطلقت المدافع· تم إنزال البضائع التي كانت على ظهر السفن، وصناديق الذهب والفضة، وتوجه الشابان إلى ابيهما وعانقاه عناقا حارا بعد فراق طويل، وقدم له أحدهما ابنة التاجر المحتال على أنها زوجته لكنها خرساء· في اليوم التالي علم السلطان بأن تاجرا من بلاد غريبة قد وصل إلى البلاد ويطلب مقابلته لأمر هام، فأذن له فدخل التاجر وكان ملثما، سأله عن حاجته فقال التاجر الغريب بأن له خادمين هربا منه والتجئا إلى قصر السلطان، فأمر السلطان بالبحث عنهما لكن دون جدوى فلم يكن في المدينة ثمة غريب· اعتذر السلطان من التاجر الغريب وقال له بأنه لم يتم العثور على خادميه، لكن التاجر الغريب فاجأ السلطان بقوله بأنه يعلم بوجودهما فهما يقفان إلى جانبه· صدم السلطان وقال للتاجر أنهما ابناه ولابد بأن في الأمر خطأ، أصر التاجر وطلب الكشف على جسدي الشابين لأنه قد ختمهما بخاتمه الذي يحمل اسمه، وبالفعل كشف عن الختمين وصدم السلطان بأن ما كتب على الختم هو اسم ولده المعاق· تم استدعاء الزوجة فنطقت وحكت القصة بأكملها، فعنفهما الأب على فشلهما وعلى خيانتهما للأمانة ومحاولة قتل أخيهما الذي أنقدهما ومحاولة الاستيلاء على أمواله وزوجته·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©