الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البلقان: خطوط صدع «الأحقاد القديمة»

3 ابريل 2012
بعد مرور أكثر من عقد من الزمن على نهاية النزاع في البلقان، تظهر موجة أحداث عنيفة وقعت مؤخراً في جنوب المنطقة أن الصراعات الإثنية والوطنية التي اندلعت هناك على نحو كارثي في التسعينيات ليست شيئاً من الماضي. ذلك أن عدداً من الحافلات والحدائق العامة تعرضت للهجوم في الآونة الأخيرة، مما أسفر عن إصابة عدد من الأطفال. كما تم تخريب مساجد وكنائس. وأحرقت أعلام ورُفعت شعارات عنصرية في كل من مقدونيا وألبانيا وكوسوفو. وفي يوم 16 من مارس المنصرم، تم رمي زجاجات حارقة على السفارة المقدونية في العاصمة الكوسوفية "بريشتينا". وفي هذه الأثناء، تظل البوسنة منقسمة على نحو يبعث على اليأس وفق خطوط إثنية -وعلى سبيل المثال، فقد تطلب الأمر 16 شهراً من أجل تنصيب حكومة جديدة عقب الانتخابات- حيث تقوم بعض القوى داخل البوسنة بعرقلة الانتقال نحو الاتحاد الأكبر الذي يرغب فيه المجتمع الدولي ويؤيده. وبحلول هذا العام تكون قد مرت 17 سنة على نهاية حرب البوسنة، و13 على حرب كوسوفو، و11 عاماً على الحرب المقدونية القصيرة بين الحكومة المركزية والمتمردين الألبان. صحيح أن السلام عاد، ولكنه سلام هش، وذلك لأن الاتفاقيات لم تقضِ على التوترات بين المجموعات الإثنية وتركت أعداداً كبيرة من السكان غير راضية عن الوضع القائم. وأحد تفسيرات هذا الوضع هو خط "الأحقاد القديمة" الذي اتخذه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجور في أوائل التسعينيات، وهو تعبير استعمله ميجور لتبرير غياب تدخل بريطاني نشط في حروب ما بعد انهيار الدولة اليوغسلافية. غير أن بعض خبراء البلقان يقولون إنه إذا كانت النزاعات التاريخية، أو النزاع الأحدث على الأقل، عاملاً مهمّاً في الوضع الحالي في البلقان، فإن مخططات السياسيين المحليين وألاعيبهم، وبدرجة أقل التدخلات غير الموفقة للمجتمع الدولي، وإن كان دافعها حسن النية، تبقى كلها عوامل مباشرة في النزاع. فقد طال أمد حروب البلقان، إلى حد كبير، بسبب الساسة المحليين الذين عملوا على تأجيج الشعور القومي، وكذلك تردد المجتمع الدولي في التدخل. ولكن يلزم الاعتراف أيضاً، في الأخير، بأن قوى خارجية ساعدت على رعاية اتفاقات سلام، اعتبرت هي أقل الخيارات ضرراً في ذلك الوقت، ولكنها لم تقدم حلاً طويل المدى للانقسامات الإثنية في المنطقة -وخاصة أن السياسيين مستمرون في استغلالها لتحقيق مكاسبهم الخاصة. أما العامل الذي فجر أحداث العنف الأخيرة في مقدونيا، المقسمة بين المقدونيين الذين يتحدثون السلافية والمسلمين الألبان، فهو مهرجان تقليدي -مهرجان كوكيري- نظم في قرية مقدونية، وقام خلاله بعض المشاركين على ما يبدو بالسخرية من المسلمين. ويقوم رجال في مهرجان "كوكيري" الشتوي عادة بارتداء أقنعة مخيفة أو ملابس غريبة لإخافة الأرواح الشريرة وطردها. وتعد السخرية شيئاً شائعاً في مثل هذه الفعاليات -ففي مهرجانات مماثلة في بلغاريا يقوم الناس بصباغة وجوههم بالأسود. غير أن وجود محتفلين يرتدون البرقع كنساء مسلمات أدى إلى مظاهرات احتجاج حاشدة، إضافة إلى إحراق كنيسة على الأقل ورشق حافلة بالحجارة كانت متوجهة إلى القرية حيث يقام المهرجان. وعلى الجانب الآخر كانت ثمة أيضاً أعمال انتقامية على ما يبدو، ومن ذلك ضرب أطفال ألبان بعصي البيسبول، وكتابة شعارات ضد الأجانب على أحد المساجد. كما قام شرطي مقدوني بإطلاق النار على ألبانيين وقتلهما. وألقيت أيضاً مسؤولية بعض الحوادث على مثيري الشغب. ولكن، هل كان هذا تنفيساً لغضب مكبوت منذ 2001، عندما وضع اتفاق سلام حداً لنزاع مقدونيا؟ يقول كريس دليسو، مدير موقع Balkanalysis.com في سكوبيي، إن الأحداث الأخيرة -وخاصة مظاهرة نُظمت بعد بضعة أيام على المهرجان- تبدو منظمة أكثر منها عفوية، مشيراً في هذا الصدد إلى أن السياسيين يتهافتون الآن على المناصب قبل حلول موعد الانتخابات المحلية في 2013، وأنه من خلال التعاطف مع الاحتجاجات وتنظيمها، يستطيع انتهازيون سياسيون حشد الدعم وإظهار قوتهم. جدير بالذكر هنا أن اتفاقية "أوريد" لعام 2001 ضمنت للأحزاب الألبانية نصيباً مهمّاً من السلطة في الحكومة المركزية المقدونية. ومن الناحية النظرية، يخول هذا الأمر الألبان، الذين يشكلون نحو 25 في المئة من السكان، المساهمة في تسيير الشأن العام في البلاد. غير أن إضفاء الصفة الرسمية على الانقسامات الإثنية في السياسة جعل تشكيل حركات سياسية وطنية واسعة ومتعددة الانتماءات أمراً أكثر صعوبة، كما صعّب خيارات التصويت وجعلها تستند إلى الخلفية الإثنية، الأمر الذي أضعف ثقافة الوحدة الوطنية طويلة المدى، كما يقول بعض المحللين، وجعل استمالة المشاعر الإثنية تكتيكاً ناجحاً لكسب الأصوات. وفي مقال نشر مؤخراً بدورية "بلقان إينسايت"، اتهم جزابير ديرالا، الرئيس الألباني لمنظمة "سيفيل" غير الحكومية التي يوجد مقرها في سكوبيي، الحزبين الحاكمين الرئيسيين -الحزب المقدوني الإثني لرئيس الوزراء نيكولا جروفسكي وشريكه الألباني في الائتلاف- بإطالة أمد الانقسامات الإثنية، متهماً الأول بشكل خاص باتباع أجندة سلطوية وقومية. آندرو ماكداول - بلغراد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©