الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهنوف محمد: أنا شاعرة الألم والخسارات

الهنوف محمد: أنا شاعرة الألم والخسارات
7 أغسطس 2008 00:52
على سجيتها، وبتلقائية تستند إلى وعي فطري لا يحتاج إلى أي نظريات، بقدر ما تتكئ على مفردات تجربتها الخاصة، تتحدث الشاعرة الهنوف محمد كما لو كانت تتنفس، وبمجموعتين شعريتين (سماوات ،1995 وجدران 2005) حققت حضورها في المشهد الشعري الإماراتي والعربي· عوالمها في مجموعتها الثانية تتوزع أساساً بين الطفولة والأمومة ''طفلي الذي قد يولد يوماً''، ''أمهات العالم المرتقبات قدوم الغالي''، ''إجهاض''، ''طفل لم تختلق طينته بعد''، ''قد تكون النبتة التي في أحشائي وهماً''، ''كلي دمار وفيض في آن واحد''، ''يا وجود وجودي''، ''لست عقيماً''، ''لا أحمل سوى الحياة في رحمي''، ''وكأن رحمي لعنة''· لكن النبرة الروحانية حاضرة أيضاً: ''بحثت عن الله/ فوجدته في قلبي''، ''ثوب الزهد''، ''الصلوات''، ''يسرق شطحاتي''، ''الفيض''، ''الوجد''، ''أعلم أن لا هوى إلا هواك/ ليتني ألجم تمردي/ أحوله إلى تأدب زاهد''· وكذلك هناك حضور واضح للإرث: ''حافظت على رأسي/ لأن به أنفاً ورثته عن أبي··/ وكبرياء أجدادي/ الذين كانوا يلفون تبغهم/ وهم كالأشجار التي لا تنام''، كما تتحدث قصائدها عن العلاقة بالشعر: ''شكراً للشعر''، ''حاملات الوحي''، ''قلق هو الموت/ والبقاء للشعر''، ''عندما أكون صائمة/ أفطر على الشعر/ ليتغذى كنه روحي/ مثالياتي في زمن التجرد··''، ''الشعراء هم من يدركون معنى الإيمان''· هذه بعض ملامح المرأة التي ترسم الشاعرة صورتها، امرأة متأرجحة بين اليأس والأمل، وبين الرجاء والخيبة، لن أضيف كثيراً للتعريف بها، ففي حوارنا هذا ما يقدم ملامح من صورتها· ؟ نبدأ من طفولة الشاعرة، هذه الطفولة التي تعتبر حلقة من أهم الحلقات التي يتمحور الشعر حولها، كيف كانت طفولتك، وما طبيعة حضورها وتأثيرها في شعرك؟ ؟؟ طفولتي شهدت ازدواجية غريبة، فمن جهة كنت مدللة من قبل الأهل ومحظوظة أيضاً، لكنها كانت طفولة لا تخلو من الألم لأسباب مختلفة، فقد تعرضت لكسر في رجلي سبب لي آلاماً شديدة، ومع الوقت نسيت الكسر لكنني بقيت أحمل آلامه، أحمل في ذاكرتي تلك اللحظة الأولى من الألم· كان ذلك في طفولتي المبكرة في السبعينات، وأتذكر من تلك الأيام الشخص الذي كان يعالج الكسر بالعلاج الطبيعي، وأتذكر الظلام والعرائش والتساؤل عن سبب الألم· الطفولة والحنين ؟ ومن المكان الأول، ماذا تتذكرين، وكيف توظفينه في إبداعك؟ ؟؟ المكان الأول يعني لي الكثير، لكن بما أنني أكتب القصة القصيرة إلى جانب الشعر، فقد حضر المكان في قصصي أكثر مما يحضر في شعري، ففي قصة لي بعنوان ''صديقي عبود'' أتحدث عن طفل كان يشاركني اللعب، حيث كنت ألعب مع الأطفال الذكور أكثر من البنات، ففي عائلتنا كان معظم أصدقائي من الأولاد، وهم أصدقاء شقيقي، وكانت البيوت متقاربة والعلاقات حميمة، وكان صديقي عبود ذات يوم يحمل سلك كهرباء، وفجأة صعقته الكهرباء ومات· وهكذا فقد سجلت مكان الطفولة في القصص أكثر منها في الشعر· ؟ ولكن ما المكان الذي تشعرين بالحنين إليه أكثر من سواه؟ ؟؟ هو البيت الذي عشت فيه طفولتي، البيت البسيط الذي أشعر بعلاقة حميمة معه، خصوصاً أنني أحب العلاقة الحميمة مع الأمكنة والبشر وكل شيء، ولا أحب العلاقة الرسمية، أشعر بالحنين إلى غرفتي في البيت الذي ولدت فيه· طبعاً هذا البيت لم يعد كما كان، فقد جرت له عمليات صيانة وتم تأجيره لأناس من الجالية الآسيوية، ولذلك فأنا أغار من سكانه الحاليين لكوني لا أستطيع زيارة مسقط رأسي فيه· وحين أمر به أشعر أن فيه حميمية لا توجد في البيت الجديد الذي رغم فخامته أحس بالخوف والبرودة فيه، فلم يعد الأطفال اليوم يشعرون بالأمان والدفء كما كنا في طفولتنا، لوجود عازل بين البيوت والحارات، عازل مخيف ومرعب· فالفخامة ولدت العزلة، وكذلك الرفاهية· ؟ حين ندخل إلى عالمك الشعري نكتشف عالمين متناقضين، عالم الحياة بكل ما يتفرع عنها من مفردات وعناصر، وعالم الموت والهباء والخراب، ثم تأتي الجدران كعالم ثالث، كيف تشكلت هذه التجربة، هل هي التجربة الحياتية فقط، أم مزيج من التجربة والثقافة؟ ؟؟ هي نتاج لعبة، استطعت التقاطها من الحياة التي حولي، فأنا في سماوات كنت الشاعرة المتأملة، حيث حالة الكتابة تبدأ من السرير الذي أجلس فيه لأكتب، ثم أرى العالم كله من حولي، وبما أنني هوائية (من برج الميزان، وهو برج له جمالياته وتناقضاته) فقد كان هاجسي الأساسي هو الإنسان المقيم في هذه الكرة الأرضية· وكان السؤال الملح هو ماهية هذا الإنسان: طين؟ لحم؟ دم؟ نفس؟ روح؟ وكان همي معرفة هذه الماهية، وما علاقة الإنسان بعناصر الكون الأربعة: الماء، التراب، الهواء، والنار· هي رغبة في التعرف على الذات وعلى الآخر· ؟ وما طبيعة علاقة ديوانك ''سماوات'' برؤيتك هذه، أظن أنها علاقة وجودية أكثر من كونها دينية؟ ؟؟ السماوات عندي مسألة ميتافيزيقية وما- ورائية، وهذه هي طبيعتي، فأنا أومن بكل الغيبيات، وهذا ما يبدو في مجموعتي ''جدران''· تساؤلات الأمومة ؟ قبل الانتقال للحديث عن جدران وعوالمها، لنتحدث عن هذه النقلة من عالم السماوات بما تنطوي عليه من انفتاح وآفاق إلى عالم الجدران المغلق، كيف حدث هذا؟ ؟؟ الجدران مثّلت لي تحدياً فيما يتعلق بالأمومة، حيث قضيت سنوات بلا إنجاب، وبدأت علاقتي مع الله تأخذ منحى التساؤل وأنا أعلم أنه يحبني، وأنا أشعر أن الله يرى قلوب الناس وأشكالهم، وأن قلبي نظيف، فلماذا لا أنجب؟ كان الإنجاب حالة تتعلق بالأنوثة وقدرتها على الخلق، وكان إحساسي أنني قادرة على ذلك، رغم نظرة الشفقة التي أكرهها· ؟ تقصدين الإنجاب بالمعنى المادي وليس العطاء المطلق للأنثى؟ ؟؟ نعم، كانت هذه مشكلتي كأنثى وإنسانة، أن يكون لي طفل· لذلك كان أول طفل أنجبته دافعاً لي كي أتخلص من مرحلة ما قبل الإنجاب، فكانت مجموعة الجدران· وقد ارتبط ذلك بسورية، فكلما سافرت إليها أنجب، ولذلك أحببت هذا البلد· ؟ يبدو أن لديك طبيعة التفاؤل أو التشاؤم بالمكان؟ ؟؟ بالتأكيد، أنا أتفاءل بسوريا وأحبها، فقد ارتبطت عندي بالإنجاب الذي كنت أحلم به· لذلك فالجدران عندي تمثل الحالة الأنثوية، بينما كانت السماوات تجسد حالة إنسانية· ؟ والآن، أين أنت، بين السماء والأرض؟ ؟؟ الآن عندي مجموعة لست مستعجلة على نشرها رغم إلحاح الأصدقاء على ضرورة نشرها، لكنني أتريث لأنني أومن بالحالة الماسة، أن يكون ثمة جديد أو لا أغامر بالنشر· فأنا أحب الصدق والعفوية في الشعر، وهو ما تجده في تجربتي· بعيداً عن الغموض ؟ بمناسبة الحديث عن العفوية والصدق، يلمس قارئ تجربتك قدراً من البساطة في الكتابة والتعبير، فكيف تكتبين بهذه البساطة؟ ؟؟ المسألة تتعلق بطبيعة الشاعر، فثمة من هو شاعر بطبيعته، وأنا في طبيعتي أحب البساطة في كل شيء، وأشعر أن على الشاعر أن يكون على سجيته ولا يسعى للغموض وإجهاد القارئ، مع أنني لست ضد الغموض المعبر الذي يأتي بلا تكلف، حتى يتواصل مع القارئ· ؟ هنا دعينا نتوقف عند سؤال العلاقة مع القارئ، وعن أي قارئ نتحدث، وهل ما يزال ثمة قراء للشعر حقاً؟ ؟؟ بالضرورة، نحن كعرب خصوصاً والإنسان عموماً ما تزال لدينا حاجة للشعر، فالشعر فيه راحة للجميع، الإنسان العادي المتعب يستمع للشعر فيشعر بالراحة، طبعاً هناك من يحب الشعر العمودي ومن يحب التفعيلة ومن يحب النبطي، فلكل لون شعري عشاقه الذين يحبون الاستماع إليه أو قراءته، المهم أن يكون هذا الشعر ترجمة لمشاعر البشر وهمومهم حتى يقبلوا عليه· ؟ تتحدثين عن دور للشعر في المجتمع، فإلى أي حد يلعب الشعر فعلاً دوراً ويكون له حضور في المجتمع؟ ؟؟ أنا أعتقد أن للشعر دوراً كبيراً في المجتمع، أي مجتمع وأي بيئة، فعلى الشاعر أن يلقي شعره ويترك للمتلقي أن يحكم ويتفاعل، فلكل بيئة ذائقتها· ولكل نوع شعري حضوره وأهميته· ؟ ولكن الشعر النبطي هو الذي يهيمن الآن في كل وسائل النشر؟ ؟؟ صحيح، هذا بسبب قرب اللهجة التي يكتب بها هذا الشعر من الناس، وهذا لا يخص الإمارات والخليج، بل الوطن العربي كله، فاللهجة الشعبية والبساطة تجعلان هذا الشعر قريباً من القلب· ؟ ولكن ماذا عن القضايا التي يتناولها هذا الشعر؟ ؟؟ طبعاً القضايا مهمة، لكني أعتقد أن اللغة أهم، حيث تميل الغالبية إلى اللهجة المفهومة، بينما تميل النخبة إلى الفصيح والغامض إلى حد ما· فهناك درجات من الوعي· الكتابة والرقيب ؟ وبالنسبة لك، عندما تكتبين هل تضعين قارئاً محدداً في ذهنك، أم تكتبين بلا رقيب؟ ؟؟ لا، أنا أكتب بلا أي رقيب· لا أعرف من سيقرأ نصوصي، والبشر مختلفون من حيث الذائقة، لكنني بدأت أخفف من مفردات معينة مثل الشهوة والجنس التي استعملتها في قصائدي الأولى· وحقيقة أن المسألة لم تكن تمرداً على المجتمع بقدر ما كانت تعبيراً عن رؤية معينة، والآن اختلفت هذه النظرة، صارت أعمق وأكثر شفافية، خصوصاً أن الأشياء عندي تلقائية ولا أفكر فيها ضمن الأطر المعروفة· ؟ نتوقف عند محور المدينة في شعرك، فهي أحياناً تبدو قبيحة ينمو فيها الغبار وتتساقط السنابل فيها، فما علاقتك بالمدينة؟ ؟؟ عندي علاقة حب مع مدينتي، مدينتي دبي التي ولدت فيها وعشت فيها حياتي وأيامي، أعتبرها أجمل المدن، وحين أسافر عنها لا أتحمل الغياب الطويل، وأرى فيها كل جماليات الأنثى، وليس هذا تحيزا لهذه المدينة، بل هو حب نما، فقد عشت معها بكل تناقضاتها، شقائي وفرحي، وكل ذكرياتي فيها، كل المدن التي زرتها لا أرى فيها ما هو أجمل من مدينتي·· وعلاقتي بها كعلاقة الشخص بأمه التي لا يشعر بها ما دامت موجودة معه، ولكن حين تغيب يحس بالحنين إليها· ؟ تتحدثين في بعض قصائدك عن الانتماء الذي هو للشعر وليس للهوية، ماذا تقصدين؟ ؟؟ أقصد بالهوية الانتماء العربي، فأنا ضد الانتماء القطري الضيق، هذا من سوريا، وهذا من مصر أو من لبنان وغيره، وأومن بأن كل البشر سواء، والشعر بالنسبة لي هو كل شيء في حياتي، كل صغيرة وكبيرة· ؟ نأتي إلى محور العلاقة بين الرجل والمرأة، الذكر/ الأنثى، فهي تبدو علاقة صراعية، صراع شهريار وشهرزاد المولعة بتعداد خسائرها، ما رأيك؟ فهل العلاقة صراعية فعلاً، أم يمكن أن يكون هناك تكامل ومشاركة؟ ؟؟ ليست لدي مشكلة في علاقة الرجل بالأنثى، مشكلتي في علاقة الأنثى بالأنثى، فعلاقتي بالرجل علاقة تكامل، لكن خسائري ليست كلها من الرجل، بل غالبيتها من المرأة، وأنا شخصياً غير محظوظة في علاقتي بالأنثى، ومحسودة منها كشاعرة حققت حضوراً ما، وهذا نوع من الغيرة كما أعتقد، حيث هناك من يحلمن بالحصول على ما لدى الأخريات من تميز· ؟ رغم كل الخسائر ألا ترين أن الشعر يعوّض شيئاً منها؟ ؟؟ طبعاً، ولذلك كان انتمائي للشعر، الشعر الذي يحقق لي بعض التوازن ويقف معي في السراء والضراء، يخلق لي حالة نفسية، فنظرتي للكائنات ولكل ما يواجهني هي نظرة شعرية· دبلوماسية الشعر ؟ وما هو الشعر بالنسبة لك، هل هو كما يظهر في بعض مفرداتك: ليل، قرطاس، دمعة، أمومة، ما هو بالضبط ما بين المادي والروحاني؟ ؟؟ الشعر حالة نفسية وروحانية تجسد كل مشاعري وأحاسيسي وتتولى التعبير عنها، هو أداة تعبير وأداة تواصل مع الذات ومع الآخرين، وأداة لتحقيق الذات والشهرة، وهو ميزة من الله أسعى لاستغلالها بصدق مع نفسي، هناك من لا نستطيع التعامل معهم إلا بالشعر من خلال عبارة معينة أو صورة جميلة، هذه دبلوماسية الشعر كما أسميها· ؟ لنتوقف قليلاً عند تجربتك مع جماعة ''نوارس'' التي تشكلت منك ومن مسعود أمر الله وإبراهيم الملا، كيف تشكلت التجربة؟ وما الأسس التي قامت عليها، هل ثمة من رؤية مشتركة دفعت لتشكيلها، ولماذا توقفتم؟ ؟؟ تجربة نوارس اجترحها الشاعر والفنان مسعود أمر الله، ثم ضم الشاعر إبراهيم الملا، ثم انضممت أنا أخيراً، لا أعرف كيف بدأت التجربة، ولكن كان هناك شعور بضرورة وجود كتابات تكسر السائد عبر النشرة التي كانت تصدر آنذاك (منتصف الثمانينات تقريباً)، وكنت أنا أمتلك الجرأة الكافية للتجاوز والتجديد، وباستثناء الجرأة شعرت أننا نمتلك نفسا شعرياً جديداً، واستطعنا لفت الانتباه، فعلى سبيل المثال كان الدكتور الناقد عبدالواحد لؤلؤة يدرسني في الجامعة، ويعرفني باسم آخر غير الهنوف، فسألني إن كنت أعرف شاعرة تدعى الهنوف، قلت له نعم إنها طالبة تدرس معك إحدى المساقات، وحين ألح أخبرته أنها هي أنا، وهكذا كانت النشرة توزع وتقرأ بشكل جيد، وكان البعض يعاديها ويمنعها، ولكن انسحاب مسعود فرط الجماعة وتوقفنا· وبعد النوارس كانت هناك ''رؤى'' التي كان الجميع يكتبون فيها، وهي أيضاً أسسها مسعود ثم تركها· ؟ يصنفونك ضمن جيل التسعينات، ودائماً هناك دعوات لكسر السائد، فماذا كسرتم؟ ؟؟ ليست المسألة متعلقة بالقصدية في الكسر، فالأمر يرتبط بما قدمه جيلنا من أصوات وتجارب جديدة، وسيادة قصيدة النثر كان نوعاً من التحدي أيضاً، فقبلنا كان حضورها محدوداً· ؟ أخيراً، لنتحول إلى اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وأنت فاعلة في لجانه، ما الذي يقدمه الاتحاد لأعضائه، ولماذا نجد انفضاضاً عنه من قبل أهم التجارب الشعرية والأدبية عموماً؟ ؟؟ هناك عامل الإمكانيات المادية، وهناك مشكلة كثرة المؤسسات الثقافية القادرة على المنافسة وتقديم الأفضل من خلال إمكانياتها، لكن ذلك لا يمنع أن هناك مسألة تتعلق بالإدارة والشخصية القادرة على أن تجمع حولها كل الأعضاء·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©