الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ملاحقة ميلاديتش··· واستحقاق العدالة في البلقان

ملاحقة ميلاديتش··· واستحقاق العدالة في البلقان
7 أغسطس 2008 00:13
في هذه القرية النائية الفقيرة، التي تعج بالغربان- كما في غيرها من الأماكن التي يعيش فيها الصرب- يُنظر إلى ''راتكو ميلاديتش'' الذي نشأ في هذه القرية، الضالع في ارتكاب أسوأ مجزرة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، والذي يأتي في الوقت الراهن على رأس قائمة المجرمين المطلوبين في العالم، على أنه أسطورة وطنية· ترجع هذه النظرة إلى ما اتسم به الرجل من براعة عسكرية، وإلى المذابح التي ارتكبها ضد أعداء الصرب من المسلمين، كما ترجع كذلك إلى أمور أخرى منها نشأته الفقيرة، والمآسي التي تعرض لها في حياته، وعلى رأسها مصرع أبيه على أيدي قوات النازي، وانتحار ابنته الشابة برصاص مسدسه الشخصي في مارس 1994 احتجاجاً على ما جاء في مقال نشر ضده في إحدى المجلات الصربية في ذلك الحين· وبعد أن قامت صربيا بتسليم زعيم صرب البوسنة ''رادوفان كاراديتش'' إلى المحكمة الجنائية الدولية في ''لاهاي''، مؤخراً، تعرضت إلى ضغوط مكثفة للقبض كذلك على ''ميلاديتش'' الذي قاد حصار سراييفو، ووقف وراء مذبحة ''سربرينيتشا'' المروعة· غير أن المحققين الصرب والبوسنيين يرون أن القبض على ''ملاديتش'' قد يكون أكثر صعوبة من القبض على ''كاراديتش''، لأن سلطات صربيا قد لا تكون راغبة في بذل الجهود الكافية للقبض على رجل ينظر إليه الكثيرون من أبناء شعبه على أنه ''بطل قومي''· وهناك نقطة أخرى يرى هؤلاء المحققون أنها قد تكون سبباً كافياً لعزوف سلطات صربيا عن بذل ما يلزم من جهود للقبض على ميلاديتش، وهي اتصال الرجل المباشر بسلسلة القيادة العليا فيها، وحصوله على معلومات مفصلة، ربما تكفي لإدانتها بالتورط في الفظائع التي وقعت في البلقان في تسعينيات القرن الماضي· أما عائلات آلاف الضحايا من المسلمين الذين قضوا في المذابح التي ارتكبها ميلاديتش، وإلى جانبهم منظومة العدالة الدولية، والسياسيون الأوروبيون المسؤولون عن تقييم مدى استيفاء صربيا لشروط الانضمام للاتحاد الأوروبي، فيرون أنه لم يعد مقبولاً السكوت عن صربيا أكثر من ذلك· من ضمن هؤلاء الضحايا ''هاتيزدا محمدوفتش'' الذي كان موجوداً في ''سربرينيتشا'' في الحادي عشر من يوليو 1995 والذي رأي ''ميلاديتش'' بنفسه- كما يقول- وهو يصدر أوامره للجنود شبه النظامين الذين كانوا يعملون تحت قيادته، بتطويق حوالي 8000 مسلم بين رجل وامرأة بما في ذلك ابناه الصغيران وقتلهم· ويتذكر محمدوفيتش تلك التفاصيل الدامية بأسى ويقول: ''لن يغمض لي جفن قبل أن أرى ميلاديتش الرجل الذي تلطخت يداه بالدماء أكثر من غيره وهو يقف خلف قضبان السجن''· ويضيف ''محمدوفيتش'': ''إذا ما كان كاراديتش هو العقل المدبر للحرب في البوسنة، فإن ميلاديتش هو الجزار الذي كان ينفذ أوامره''· ويشار إلى أن ''ميلاديتش'' الذي يبلغ السادسة والستين من عمره حالياً، والذي يعاني من أوضاع صحية متدهورة، قد تمكن من تفادي محاولات القبض عليه طيلة الاثنى عشر عاماً الماضية، وذلك عقب إدانته- هو وكاراديتش- بتهم منها ارتكاب أعمال إبادة جماعية في ''سربرينيتشا''، وقتل ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص من المدنيين خلال قصف سراييفو· ويرى الكثيرون أن ''ميلاديتش'' يختلف عن ''كاراديتش'' الطبيب النفسي السابق، الذي تم القبض عليه في الحادي والعشرين من شهر يوليو الفائت، وهو متنكر في صورة رجل أبيض الشعر كث اللحة، من حيث أنه أكثر معرفة منه بشؤون الاستخبارات، وأكثر مهارة منه في التخفي، علاوة على صلته الوثيقة بالعديد من العسكريين الذين يدينون له بالولاء المطلق، وهي كلها أمور تجعل من القبض عليه مسألة أكثر صعوبة· وعلى الرغم من أن قدرات ''ميلاديتش'' على التخفي لا بد وأن تكون قد تقلصت بسبــــب تقدمــــه في السن، إلا أن ''ليجيلجانا بولاتوفيتش'' التي كتبـــت عدة كتــب عنــــه، ترى أن اعتزازه المبالــــغ فيـــه بكرامته سوف يدفعه كما تعتقد إلى تفضيل الانتحار على تسليم نفسه، أو السماح للآخرين بالقبض عليه، وأن شخصيتــه تختلف تمام الاختلاف عن شخصية كاراديتش الطبيب، والمثقف، والشاعر، المحب للظهور والاستعراض· وبعض الأشخاص الذين أتيح لهم رؤية أو مقابلة ''ميلاديتش'' أثناء حرب البلقان يتذكرون أنه كان كثيراً ما ينتقد السياسيين انتقاداً مراً، وأنه كان يفضل مصاحبة الجنود، والوقوف في الصفوف الأولى أثناء المعارك، وكان من النوع الذي لا يهرب كما يفعل الآخرون عند احتدام القتال ويقف بدلاً من ذلك صامداً وكأنه لا يهاب الموت· يعتقد مسؤولو الاستخبارات والمحللون الأمنيون أن ''ميلاديتش'' ربما يكون الآن متخفياً في مكان ما في صربيا أو ''صربسكا'' وهي الجزء الذي يهيمن عليه الصرب في البوسنة· وهم يعتمدون في هذا الاعتقاد على ما جاء في تقرير للاستخبارات العسكرية الصربية، تسرب لوسائل الإعلام الخبرية، وفحواه أن ''ميلاديتش'' قد ظل مختبئاً في عدد من المنشآت العسكرية في صربسكا وفي صربيا ذاتها، تحت حماية 50 من مسؤولي الاستخبارات والأمن، حتى يونيو عام ،2001 عندما مرر البرلمان الصربي قانوناً يوافق على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في البحث عنه وإلقاء القبض عليه· بعد تمرير ذلك القانون اختفى ميلاديتش ولم يعثر لـــــه على أثـــــر· وفي نفس ذلـــك العــــام -2001- قبضت سلطات الأمن في صربيا على اثنين من الجنود للاشتباه بضلوعهما في إخفاء ميلاديتش، وعند التحقيق معهما اعترف هذان الجنديان بأن الزعيم الصربي قد نُقل على جناح السرعة، بعد صدور القانون مباشرة، من ثكنات الجيش إلى سلسلة من الشقق الخاصة في بلجراد حيث تم- كما يقول رجال الادعاء- توفير خادمة له، وتزويده ببطاقات للهواتف وأخرى لشراء احتياجاته وإجراء عملية تجميل لإخفاء ملامحه، كما تم تزويده كذلك بجواز سفر لمساعدته على الهرب خارج البلاد عند اللزوم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©