الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دبلوماسية القنوات الخلفية

6 يونيو 2017 00:55
جارد كوشنر ليس هو أول عضو في عائلة رئاسية أميركية يحاول فتح قناة خلفية مع الكريملن، ذلك أن شقيق الرئيس كينيدي، روبرت، التقى سراً مع عميل للمخابرات السوفييتية يدعى جورجي بولشاكوف مرت عدة خلال إدارة كينيدي. وتُظهر تعاملاتهما مخاطر الدبلوماسية غير الرسمية ومثالبها، ولكن أيضاً الإمكانات التي تتيحها لتحقيق اختراقات في أوقات الأزمات. والأخوان كينيدي كانا يشبهان عائلة ترامب من نواحٍ عدة، ومن ذلك أن الرئيس كينيدي عين شقيقه وزيراً للعدل - المسؤول الأول في البلاد عن إنفاذ القانون. وبالتالي، فربما لم يكن مفاجئاً أنه عندما حاول الجاسوسُ السوفييتي، خلال السنة الأولى لإدارة كينيدي، الاتصالَ بوزير العدل كينيدي لأول مرة، باستخدام صحفي أميركي كوسيط، من أجل عقد لقاء سري، لم يتردد روبرت في الموافقة. بولشاكوف قدّم نفسه على أنه رئيس تحرير مجلة تصدر باللغة الإنجليزية حول الحياة السوفييتية، ولكنه كان في الواقع عقيداً في جهاز الـ«جي آر يو»، وهو النظير العسكري لجهاز الـ«كي جي بي». ولعل الأهم من ذلك هو أن رئيسه في العمل بموسكو كان أليكسي أدجوبي، صهر الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف. والحال أن شقيق الرئيس الأميركي والجاسوس الروسي القصير والبدين التقيا عشرات المرات خلال فترة 18 شهراً. ذلك أن الأخوين كينيدي كانا قد نُصحا بعدم الاعتماد على الموظفين البيروقراطيين في وزارة الخارجية، وقد نصحهما بذلك والدهما الذي كان قد تضرر من الدبلوماسيين المحترفين خلال الفترة الصعبة التي عمل فيها كسفير إلى بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية. كما كان جون كينيدي أيضاً ينظر إلى وزارة الخارجية الأميركية على أنها بطيئة وغير ذات تأثير كبير. والواقع أن روبرت لم يكن يتميز بكلامه الواضح، والروس لم يكونوا يفهموه أحياناً. كما أن شقيق الرئيس لم يكن أيضاً متحفظاً ومتكتماً إذ أخبر العميل السوفييتي ذات مرة بأن قيادة الأركان لمشتركة الأميركية «قدّمت للرئيس تقريراً تؤكد فيه أن الولايات المتحدة متقدمة حالياً على الاتحاد السوفييتي من حيث القوة العسكرية، وأنه في الحالات القصوى، سيكون من الممكن استكشاف قوات الاتحاد السوفييتي». غير أن استخدام كينيدي الفضفاض لكلمة «استكشاف» دق ناقوس الخطر في الكريملن: فهل كان يقصد بذلك أن البنتاجون يفكر في تنفيذ ضربة استباقية؟ ومن جانبه، كان بولشاكوف يكذب على روبرت كينيدي أحياناً. ففي الخامس من أكتوبر 1962، طمأن العميلُ السوفييتي كينيدي بخصوص وعد خروتشوف بأن الروس سينشرون أسلحة دفاعية فقط في كوبا. والحال أنه بعد أقل من أسبوعين على ذلك، صوّرت طائرات «يو 2» تجسسية أميركية كانت تحلق فوق كوبا صواريخَ محملة برؤوس نووية تستطيع الوصول إلى واشنطن. وهكذا، بدأت أخطر أزمة في الحرب الباردة. ولكن قناة الاتصال الخلفية مع بولشاكوف هي التي أشرت أيضاً أولاً على طريق الخروج من الأزمة. ففي 23 أكتوبر 1962، في الصباح الذي تلا إعلان الرئيس الأميركي حصاراً على كوبا وواجه ملايين الأميركيين إمكانية حقيقية لحرب نووية، قام روبرت كينيدي بتمرير رسالة إلى بولشاكوف. وفي 1993، وجد المؤرخان تيموثي نافتالي وألكسندر فورسينكو برقية بولشاكوف ضمن أوراق وزارة الخارجية السوفييتية في موسكو: «إن روبرت كينيدي ودائرته يريان أنه من الممكن مناقشة التالي: أن تتخلى الولايات المتحدة عن قواعدها الصاروخية في تركيا وإيطاليا، وأن يفعل الاتحاد السوفييتي الشيء نفسه في كوبا». وذاك بالضبط هو الاتفاق الذي توصل إليه روبرت كينيدي، الذي التقى سراً وعلى انفراد مع السفير السوفييتي أناتولي دوبرينين ليلة 27 أكتوبر. وعلى مدى أربعة أيام، كان مسلسل أزمة الصواريخ الكوبية قد عرف عدة تطورات وبات قاب قوسين أو أدنى من الهاوية - ولكن ميل الأخوين كينيدي إلى قنوات الاتصال الخلفية أثبت في النهاية أنه مفيد، وربما ضروري. ومع هذا، فإن قنوات الاتصال الخلفية يمكن أن تمثل أيضاً فكرة سيئة. ذلك أنها يمكن أن تتسبب في الحيرة والارتباك عبر الإضرار بالدبلوماسية العادية، بل إنها يمكن أن تتسبب في كوارث من خلال التعبير عن رغبات زعماء عنيدين من دون أية قيود. ولكنها يمكن أن تؤدي أيضاً إلى السلام. ذلك أن انفتاح الرئيس نيكسون على الصين في 1973، مثلًا، تم كلياً من خلال قناة خلفية فتحها مستشارُه للأمن القومي هينري كيسنجر - الذي كان يدير أيضاً قناة خلفية مع الكريملن. وعليه، فإنه سيكون من المثير للاهتمام معرفة إلى أي مدى يسدي كيسنجر نصائح ومشورة لكوشنر. * كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©