الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا والغرب.. «الناتو» قوّض فرص التعايش

روسيا والغرب.. «الناتو» قوّض فرص التعايش
15 ابريل 2014 00:08
مارك شامبيون محلل سياسي أميركي طلع علينا «توماس فريدمان» هذا الأسبوع بعمود معبّر، حين قال إن على الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التفكير ملياً فيما إذا كانا جاهزين لتقديم التضحيات التي قد يتطلبها التدخل العسكري لإنقاذ أوكرانيا من براثن فلاديمير بوتن. أما إذا كانا غير مستعدين لذلك، فينبغي التخلي عن الأمر للأوكرانيين حتى يعقدوا أفضل صفقة ممكنة مع الروس. وفضل فريدمان الاستئناس بمواقف عرّاب الحقبة السوفييتية ومهندس الحرب الباردة «جورج كينان». فقد أعلن «كينان» عام 1999 أنه يعارض فكرة توسّع حلف شمال الأطلسي (الناتو) نحو الشرق، وأخبر زميله «فريدمان» حينئذ بأن التوسع باتجاه الشرق سيكون «خطأً مأساوياً» لأن العدو في ذلك الوقت لم يكن روسيا، بل الحزب الشيوعي السوفييتي. ولم يكن من الضروري توسيع حلف «الناتو»، لأن ذلك سوف يجبر روسيا على العودة للعب دورها باعتبارها الطرف المعادي للغرب، وقد تسعى لإشعال أوار حرب باردة جديدة. وبالإضافة لكل هذا، كما قال كينان، ليست لدينا نيّة للذهاب إلى الحرب بسبب تلك البلدان النائية. ولا شك أن نفاذ بصيرة «كينان» بات واضحاً الآن، وأصبحت قلة قليلة من كبار المحللين السياسيين تتبنى الطرح القائل بأن «الناتو» يلوك الآن الثمار المرّة لحملته التوسعية العبثيّة التي أطلقها بُعيد انتهاء الحرب الباردة. ومات كينان عام 2005 قبل أن يشهد الأحداث التي قد توحي بصحة أفكاره وسلامة حججه. أما أنا فأتجرأ وأقول إن هؤلاء المحللين كانوا على خطأ. وكان المقصود من الحملة التوسعية التي أشار إليها «كينان» هي تلك التي طالت جمهورية التشيك والمجر وبولندا. وكانت أكثر حملة أثارت الغضب الروسي هي تلك التي حدثت عام 2004 عندما انضمت الدول البلطيقية الثلاث، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، إلى حلف الناتو بالإضافة لبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا. لقد تقبّل القادة الروس تلك الحملات التوسعية للناتو في حينه، حتى أن بوتين عندما وصل إلى السلطة تحدث عن احتمال انضمام روسيا ذاتها إلى الحلف. وكانت محاولة الناتو للتدخل في جورجيا وأوكرانيا غلطة أخرى. فقد اعتبرته روسيا دليلا كافياً على أن الناتو ما زال يتبنى الأفعال ذات الطابع العدائي رغم أن الدولتين المذكورتين لم تكونا مرشحتين للانضمام للحلف. ومع مرور الوقت، اندلعت الأزمة في أوكرانيا رغم أن فكرة انضمامها إلى الناتو بقيت خارج خطط الحلف لعدة سنوات. وإذا ما تمكن الغرب من إلحاق الهزيمة بروسيا، فلن يكون ذلك بسبب حملته التوسعية نحو الشرق، بل من خلال إهمالها وعزلها. ولقد فشلت الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي في توظيف الإمكانات والمصادر الهائلة اللازمة لضم روسيا إلى أوروبا الجديدة. وحتى لو أغفلنا السلوك ذا الطابع العدائي للغرب، فقد اتصفت سياساته بالجبن والتردد، وراح يرفع شعارات وآمال غلب عليها طابع الغباء والخواء. والسؤال الذي يجدر توجيهه إلى أولئك الذين يعتقدون أن توسع الناتو يمثل السبب الأساسي لأزمة أوكرانيا هو: لو لم يتوسع الناتو شرقاً، هل كنا سننعم بالعيش مع روسيا كدولة مهادنة جديدة؟ أنا أجزم تماماً بأن الجواب هو «نعم». لقد كان «كينان» على حق بالطبع عندما رأى أن العدو الحقيقي للغرب خلال الحرب الباردة كان متجسداً في القيادة السوفييتية، لا بالشعب الروسي. إلا أن هذه المقاربة تقلل من أهمية تقدير درجة الاستمرارية القائمة بين الإمبراطورية الروسية من جهة والإمبراطورية السوفييتية من جهة ثانية. وهي إشارة لم ترد في نص البرقية الشهيرة التي أرسلها كينان عام 1946 من مقر السفارة الأميركيـة فـي موسكـو إلـى وزارة الخارجيـة في واشنطن ونصح من خلالهـا الغرب بمعالجة المشاكل مع الروس من خلال الصبر وطول الأناة. وفي عام 1991، وبين عشيّة وضحاها، عمد الرئيس السوفييتي بوريس يلتسين إلى تفكيك الإمبراطورية السوفييتية التي استغرق بناؤها قروناً عدة، وتطلب الكثير من الحروب والتضحيات. وأدى ذلك إلى بقاء ملايين المواطنين الروس (وبعض القواعد العسكرية) بشكل مفاجئ في بلدان أجنبية جديدة. وعندما واجه الصرب المصير نفسه في يوغوسلافيا السابقة، بدؤوا حربهم الشعواء للاستفراد بالسلطة في الدولة الجديدة. وربما كان من شبه المعجزة ألا يحدث مثل هذا في روسيا، وهو أمر ما زال الغرب يقلل من تقديره. وكانت هناك مؤشرات قوية وبالغة الوضوح على أن روسيا ستحاول بكل الإمكانات المتاحة تحويل حدودها الموروثة عن تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 إلى حدود واضحة المعالم يمكنها أن تبسط عليها سيطرتها الإدارية الكاملة. وكان أول هجوم روسي على دول الجوار هو الذي تعرضت له مولدوفا وجورجيا عام 1992.وفي تلك الفترة طالب «ألكسندر روتسكوي» الذي كان نائباً للرئيس يلتسين، بضمان استقلال كل من شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا، وإقليم «ترانسنيستريا» عن مولدوفا. ومنذ ذلك الوقت، ظل معظم الروس يشاطرون بوتين الاعتقاد بأن أوكرانيا ليست دولة مستقلة بالفعل. ولم تكن هذه الأحداث إلا الإرهاصات الأولى لإعادة إحياء الشعور الوطني عند الروس. وكانت المشاعر الوطنية لبوتين هي التي عززت عندهم هذا الشعور. فلقد استنبط نظاماً جديداً مقلوباً رأساً على عقب لمركزية اللازمة لإضفاء طابع الشرعية عليه. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، كان عليه أن يسقط مرة أخرى في أفكار وأطروحات الحقبة السوفييتية السابقة والتي يمكنه أن يتبيّن منها ماذا يجب أن تكون عليه روسيا اليوم. وتقوم تلك الأطروحات على قوة الدولة وضمان ولاء الكنيسة الأرثوذكسية والتمسك بالقيم الثقافية العريقة. وفي معرض رفضه للقيم الغربية، عمد إلى تأسيس «الاتحاد الأوراسي» باعتباره يمثل عالماً بديلا يقع تحت السيطرة الروسية الكاملة. ولا يسمح أي بند من البنود التي قام عليها هذا الكيان الإقليمي الجديد لأي دولة مجاورة أن تصيغ سياساتها وتحدد أطر مستقبلها بشكل منفرد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©