الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المصمم الذي يكره الفساتين الحمراء لأنها.. غبية

المصمم الذي يكره الفساتين الحمراء لأنها.. غبية
13 أكتوبر 2009 22:33
حضور مخرجه مات تيرانور وضمن عروض السينما العالمية تابعنا في صالة العرض الرئيسية بقصر الإمارات الفيلم الوثائقي المكتوب بأسلوب الرواية «فالنتينو الإمبراطور الأخير» (96 دقيقة) من إنتاج أميركي للمخرج ومعه مات كاب بحوار يجمع بين الفرنسية والإيطالية والانجليزية مع ترجمة بالعربية. الفيلم من تمثيل فالنتينو غارافاني الذي تربع على عرش الموضة الإيطالية لأكثر من 45 عاما ومعه شريكه جيانكارلو جياميتي. الفيلم الذي تم تصويره بين أعوام 2005 إلى 2007 يحتفي برجل استمر في تصميم الأزياء نحو 50 عاماً. وبفضل خبراته استطاع مخرج الفيلم تقديم إطلالة لم يسبق لها مثيل على عالم من الإبداع والجمال والتألق لرجل نجح في تعميم تصميماته في أرجاء العالم وارتدت ثيابه جاكلين كيندي والليدي ديانا وأودي هيبورن وصوفيا لورين وديمي مور وبرجيت باردو وجميلات السينما في العالم بالإضافة إلى نخبة من الملكات والأميرات ومنهن في الشرق الأوسط. وكان من الطبيعي أن يكون جمهوره في المهرجان من النساء اللواتي يستهويهن متابعة الجمال والأناقة والألوان وقصة رجل وصف بأنه آخر أبناء الأسماء الرائدة في عالم الموضة. ليس غريباً أن يجلب لنا مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي فيلما يتحدث عن الموضة فقد شهدت السنوات الخمس الأخيرة سلسلة من الأفلام الوثائقية المختصة بهذا الموضوع وحققت أرباحاً خيالية لصناع السينما مثل فيلم «كوكو قبل شانيل» وهو سيرة ذاتية لكوكو شانيل من بطولة أودي توتو. كذلك فيلم «كوكو شانيل وايغور سترافينسكي» من بطولة آنا موغلاليس ونص البريطاني كريس غرينهالف وعرض في مهرجان كان الفرنسي العام الماضي. بقي أن نشير إلى أن فيلم فالنتينو حينما عرض في الشهر الماضي حقق إيرادات بلغت مليون و800 ألف دولار وهذا الرقم يعتبر ضخما قياسا إلى فيلم وثائقي، مما يعني أن لهذه النوعية من الأفلام جمهور يهرب من الأحوال الاقتصادية إلى عالم فانتازي، والموضة جزء لا يتجزأ من الفانتازيا حيث عناصر التشويق وإبهار الصورة وتقنيات التصوير الباذخ. بداية أحداث الفيلم تدور في روما شتاء عام 2007 بعيون «مات تيرنر» المراسل الخاص لمجلة «فانيتي فاير» وعدسة المصور «توم هورويتز» حيث نرى فالنتينو السبعيني وهو يستعد في بداية حياته لإنجاز أول مجموعة بيضاء عام 1986، ثم يأخذنا الفيلم الى تقاطعات أرشيفية عن حياته منذ كان في الثالثة عشرة من عمره، فتى يحب الألوان والجمال والأفلام ومسحور بنجمات السينما، كما تكشف المناظر المتتابعة لعملية الاستعداد لإنجاز التصاميم وتوجيه وتدريب العارضات عن تلك الروح الفكاهية التي يمتع بها، وعلاقته مع شريكه والمتاعب التي تختبئ وراء هذا العالم المجهول لدى الكثير من الناس. وقد ساهمت جماليات الصورة في تعريف المتفرج بتلك الخدع السينمائية المستخدمة في عمل الديكورات والإضاءة لصناعة أجواء ساحرة غامضة لحفلات عروض الأزياء حيث طريقة الخروج المتقنة والحركة المتوازنة وصدق التعبير عن جمال الثوب. ويمزج الفيلم بتقنياته العالية ما بين السيرة الذاتية لفالنتينو والإيقاعات الجمالية لروما في استثمار المشاهد التي تجري في الشوارع أو أماكن التصوير والعرض لإبراز جمال المواقع التاريخية والأثرية والقصور والقلاع فقدم الفيلم بذلك للجمهور ثقافة سياحية وعوالم جديدة عن جمال وطراز العمارة الكلاسيكية وثقافة الجمال. من الحدث التمهيدي ينقلنا الفيلم إلى حالة أكثر جمالا وعمقا في شخصية فالنتينو في أشهر عروضه في باريس ومنحته الجمهورية الفرنسية على أثرها وسام الشرف في حين نرى المصمم العالمي جورجيو آرماني يرفع له القبعة تحية لإنجازه والأجواء الساحرة التي رافقت العرض. وقد أبرز الفيلم في تصويره لعاصمة الحرية باريس الكثير من القصور القديمة حيث قدم فيها أحد عروضه، وكان جميلا أن تنقلنا الكاميرا إلى محتوى القصور من تحف وتماثيل وستائر وملابس وخلفيات ومنحوتات تشير إلى عظمة الجمال الفرنسي وتأثير هذه الثقافة على الناس. كانت في الفيلم تجاذبات وصراعات ومنافسات كثيرة عاشها فالنتينو وقاسى خلالها خسارات متنوعة بفعل التطورات الاقتصادية، لكنه يتجاوز ذلك بإرادة العاشق لحرفته، وشاهدنا ذلك في تصاميمه الكلاسيكية التي قدمها في مدينة البندقية باحثاً عن الموضة القديمة. ويخرج بنا الفيلم في لقطات ومشاهد عديدة إلى عالمه الخاص حيث قصره الفخم وجماليات المكان وكيف ابتنى الرجل الذي لم يتزوج لنفسه عالما خاصا كرس من نفسه من خلاله لجمال المرأة وفي حوار مع صديقه يقول: «التصميم يقوم على الإدارة والخيال والإحساس بالجمال وليس مجرد صناعة ثوب». كان الرجل ثرياً بعد أن منحته الموضة قصرا فخما ويختا بحريا وأموالا طائلة وصداقات عالية المستوى، لكن الثراء أحيانا يكون نقمة حينما تكون المنافسة في السوق غير عادلة وغير شريفة، وهذا ما صوره لنا الفيلم في إيقاع لاهث من التشويق وهو ما يصعب إيجاده في عمل وثائقي. لا نستطيع القول ان الفيلم يتضمن حبكة ما على نحو الأفلام الروائية ولكن السياق العام يكشف لنا ان النجاح في حياة الإنسان قد لا يستمر، ولكن يمكن للإرادة أن تتواصل، فقد بدأ يهتز عرش فالنتينو بفعل المتغيرات التي شهدها العالم مع مطلع الثمانينات ونهاية التسعينات حيث اضطر لبيع مؤسسته بمبلغ وصل الى 782 مليون دولار وسمعناه يقول: «مع الوقت يتقدم المرء في السَن دون ان يدري» وحوارات الفيلم هنا ميزة تحسب له في فيلم حاذق وواضح لا يحاول خداع الجمهور. أحداث الفيلم كثيرة ومتشابكة وكان المخرج ذكيا بمزجه ما بين الصور الأرشيفية والواقع المصور ليعطي المتفرج بانوراما كاملة عن حياة بطل الفيلم مع متوازيات أو معادلات موضوعية لما يسرد ولما يصور في الخارج. ان التتبع الدقيق للحالة النفسية لفالنتينو ونقل صور من الشوارع في روما مثل تماثيل الخيول الجامحة، والقلاع التاريخية مثل قلعة روما والمدرج الروماني وغيرها كان مرتبطا بمهارة عالية مع تلك الحالات دون أن يقع المخرج في فخ الرواية السينمائية. ومن أمثلة ذلك حينما كان يرد حوار من صديقه عنه مثل «هو الآن مثل أسد مسنّ» تعبيرا عن فشله في بعض المواقف كانت الكاميرا تنقلنا سريعا إلى صور تماثيل الخيول الضخمة أو إلى صور ومنحوتات معبرة، ويتوازى مع ذلك حركة العارضات وتقديم جماليات رائعة من الألوان والصور والحركة وموسيقى أوبرالية كانت جميعها بمثابة مفاتيح لجذب عيون المتفرج طوال مدة العرض. ربما يكون أهم ما في هذا الفيلم هو حدثه الأخير حيث الاستعداد لحفل اعتزال فالنتينو الذي كلّف نحو 220 ألف يورو.. وقد عرضت لنا الكاميرا في مونتاج هادئ ومتوازن لبوب ايرنهارت حيث تنقلات سريعة للقطات التي قدمت لنا عالما جميلا من الألعاب النارية وأوبرا غنائية ورقصة باليه شاعرية تصاحبها مؤثرات صوتية مناسبة تماما لبيتر ميللر ليشكل المشهد في النهاية عالما من الفرح والألوان والجمال والإثارة واحتفالاً بالحياة المهنية المدهشة له، ضمن إحساس قوي بشاعرية الحياة حيث روائع السجاد وألوانه وحيث جمال العارضات وأناقة الضيوف وحرارة الوداع وتنسيق المشاهد والخلفيات بحذر شديد وإتقان محكم، أشياء بديعة طرحها الفيلم ليخرج بها من الوثائقية إلى نسمات خفيفة من الروائية والسرد السينمائي حتى اعتقد بعض المتفرجين أنهم في فيلم روائي طويل عن مصمم عالمي، في حين نجح المخرج في ان يستثمر طاقة فالنتينو وروحه الفكاهية المتمردة في التصالح مع الكاميرا. وبدا كممثل بارع في إتقان الحوار، فحينما وجه له سؤال من أحد الصحفيين وقال له: هل تعتقد أنه يوجد هناك من سيحل مكانك؟ أجابه بسخرية لاذعة: أعرف إنهم سيعملون المستحيل ليجدوا من يحل مكاني. مع آخر لقطة من الفيلم عشنا مفاجأة لم تكن متوقعة من الجمهور الذي وقف تحية للرجل وصفق للفيلم لنحو خمس دقائق تعبيرا لحبهم لمصمم كان من أصعب الرجال الذين لا يمكن فهمهم بسهولة. لقد نجح مخرج الفيلم في تقريب عالم الموضة من المتفرج العادي وصهر هذا العالم المليء بالتفاصيل مع أحداث وسيرة بطله. ان فهم مخرج العرض لهذا العالم وجمالياته هو فهم جديد يقوم على الواقعية الشعرية فمعظم الشخصيات من الواقع وحقيقية وقد صاغها بطريقة أكثر تشابها مع الوثائقي. تمتع الفيلم بموسيقى جميلة وإضاءة في غاية البساطة بما ينسجم مع طبيعة الموضوع. أما حركة الكاميرا فلم تهدأ على الإطلاق طوال مدة العرض، حركة ناعمة في شوارع روما وحركة أكثر نعومة في عروض الأزياء التي شاهدناها في مجموعات فالنتينو الذي كان يكره اللون الأحمر بقوله في آخر عرض له: «الفساتين الحمراء هي الأبسط والاغبى». ويظل مثل هذا الفيلم له جاذبيته الخاصة عند المهتمين بثقافة الجمال. فيلم من الوثائقيات ذات الجمالية الخالصة التي تصنع مشاهد تصويرية من خلال موضوع محبب لدى الجمهور الذي شاهد عظمة روما القديمة من خلال تاريخها المعماري وقصة واضحة وعمل بصري جميل تتبع طقوس الموضة ومعماريات المكان وأسرار الجمال حينما يقسو على صاحبه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©