الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

إيف بونفوا.. رهان الوشاح الأحمر

إيف بونفوا.. رهان الوشاح الأحمر
21 يوليو 2016 14:04
ترجمة وإعداد - مدني قصري كان الشاعر والمترجم والناقد الفني الفرنسي إيف بونفوا رجلاً متعدّد المواهب. وعلى الرغم من تنوع أنشطته، فإن حدساً واحداً ظل على ما يبدو يُوجّه نهجه الذي كان يصفه بـ«كلمة الحق»، أو الرغبة في التقاط «ما تمتلكه الحياة من فورية». مع «الوشاح الأحمر» يحفُر إيف بونفوا حفرةً في الماضي. ومع ذلك لا شيء نحو الوراء في هذه السيرة الذاتية البارعة. فهذا الشاعر الذي ولد في عام 1923، ظلت التجربة المحققة تسمح له بالتنقل في سُمك الأعمال الشعرية. فمن كتاب إلى كتاب، ومن ديوان شعري إلى مقال نظري حول الفن، وبنفس الحدة الأدبية ما انفك بونفوا يسائل علاقتنا بالواقع من خلال الكلمات. فإذا هي تسمح بالوصول إلى بداهة الأشياء، إلى «حضورها الكامل»، فهي تمثل أيضاً خطراً. وهو خطر تقليص ما نحاول أن نُسميَه إلى هُويات جامدة، ومن ثم طمس لغز حيواتنا. رهان الوشاح الأحمر، عند إيف بونفوا، هو رهان الاختبار. فهو يتمثل في الدخول في قلب نص قديم للإقامة فيه مرة أخرى، وفهْمِ معاني الكلمات التي لا تزال غير مفهومة فيه. ففي عام 1964 كتب إيف بونفوا بالفعل نحو مئة من الأبيات الشعرية في شكل حر. ففي هذه القصيدة نجد صوراً غامضة: قِطعٌ من لغز مبهم، وكأنها تخرج من لوحة من لوحات جورجيو دي كيريكو الفنية. ?في ?هذه ?القصيدة ?يذكر ?الكاتبُ ?مغلفاً ?عليه ?عنوان ?شخص ?مجهول، ?مكتوب ?على ?ظهر ?المغلف، ?ومنزل ?في ?طي ?النسيان، ?ورحلة ?القطار ?إلى ?تولوز، ?ولقاء ?مع ?امرأة ?شبح، ?واختفاء، ?وقناع ?من ?أقنعة ?غينيا ?الجديدة ?... ?إلا ?أنه ?لم ?يتمكن ?من ?إنهاء ?هذه ?القصيدة، ?أو ?بالأحرى «فكرة ?هذه ?القصة» كما ?يسميها. التحقيق في الصور البدائية في نظر‏? ?إيف ?بونفوا ?الشعر ?فعلٌ ?يستمر ?ذهنياً ?حتى ?عندما ?تتوقف ?الكتابة. ?بعد ?نصف ?قرن ?من ?الزمان ?يقرر ?الكاتب ?أن ?يعود ?لهذا ?النص ?الذي ?ظل ?مدفوناً ?في ?درج، ?في ?خزانة ?جده. ?فبدلاً ?من ?البحث ?عن ?إضافة ?ومتابعة ?يفضل ?بونفوا ?الانتقال ?من ?البيت ?الشعري ?إلى ?النثر، ?لكي ?يستكشف ?ويتحرى ?بصورة ?أفضل ?هذه ?الصور ?البدائية. في هذا المقال الرائع الذي يحلل القصيدة الافتتاحية التي لم تنشر من قبل، والتي كان عنوانها بالفعل الوشاح الأحمر، نجد أصل الحياة والكتابة ممتزجين. ففيه يستحضر بونفوا طفولته، لا سيما من خلال العلاقة مع والديه. فالقصيدة الأصلية تُدرج في سياقها رجلاً غامضاً، عائداً من الماضي. ويقول الشاعر إن هذا الشخص هو والده. فهذا العامل المهني كان يتحدث قليلاً، أو كان يقلص الكلام إلى وظيفة نفعية خالصة: «إن العمل الذي يقوم به يجبره على استخدام الفكر التصوري التجريدي، فكلماته تحرمه من أن يتواصل مع أقرب شجرة، أو مع أي شيء في طريقه، أي تحرمه من تلك العلاقة الفورية المتمثلة في اللمس، والنظر، والتنفس والإحساس». ألا تأتي الموهبة لتعوّض هذا الصمت؟ الكتابة للأب، أو ضده؟ أن تصبح شاعراً ربما هي الرغبة في تقويض نظام اللغة، والتشبع بخفقان المعنى. في كتابه الوشاح الأحمر، في داخل هذا المنزل العائلي، يروي إيف بونفوا اكتشافه لجوانيته داخل اللغة. أوّلاً في الكلمات المتبادلة ما بين والديه، في لهجة لا يفهمها، والتي رغم ذلك يُفتَن الطفل من خلالها باكتشاف هيمنة الكلمات ومعانيها. جمال لغة أجنبية هو أيضاً لغة الشعر. بعد ذلك، وفي إحدى الأبجديات يكتشف كلمات أخرى، مرسومة في كتاب. يقول: «كانت رسومات بخطوط لم تكن تطمح في أن تعرف ما تقوله القواميس عن الأشياء». الكلمة كمحرك للصور في عينيّ إيف بونفوا، كانت هذه التجربة حاسمة في ممارسته اللاحقة للشعر، وفي بحثه عن الكلمة كمحرك للصورة. يقول الشاعر لونوفوا: «وهكذا دعيت إلى البقاء وفيّاً لأول وظيفة نصنع بها الكلمات، وظيفة التحديد والنداء، والتعجب». لأن الشعر، بالنسبة إليه ليس البحث عن معرفة ما. فإذا كان الوشاح الأحمر يبدو مفاجئاً أحياناً فإن هذا الكتاب يظل كتاباً أساسياً: فهو يكشف عن وجود صلة وثيقة بين بداهة الحياة وسرها الخفي الذي لا مفر منه. وفي روايته «معاً» أيضاً، وهو كتاب آخر يتألف من قصائد معظمها غير منشور، يستحضر إيف بونفوا، الطفولة مرة أخرى، بصفتها مكانَ وزمان كل أصولنا. هذه الصور عن «ماضٍ بعيد جداً» تقع اليوم في طليعة حياة شاعر بلغ الـ93 من العمر، وما انفك يستكشف جميع طبقات الزمن حتى لحظة رحيله أول يوليو.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©