الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ملاقف الهواء».. لغة بصرية تغازل الفضاء

«ملاقف الهواء».. لغة بصرية تغازل الفضاء
20 يوليو 2016 20:34
محمود عبدالله «البراجيل» أو «ملاقف الهواء» ليست مجرد طراز معماري تقليدي عرفه الجيل الماضي من أبناء الإمارات، ولم تكن في تقديري مجرد مفردة في بناء البيت القديم، إنها في الواقع لغة بصرية متكاملة تغازل الهواء، وكلمات تحلق في الفضاء لتحكي قصص البنائين الأوائل وإبداعاتهم في الحصول على هواء نقي وتهوية طبيعية وصحية تفي بالغرض، وتخفف حرارة الصيف المرتفعة لسكان المنازل التقليدية قبل أن يعرفوا «المكيفات»، ووسائل التبريد الحديثة بعد مرحلة اكتشاف النفط، حيث إنها أحد التعبيرات عن أصالة السكان في ترابطهم العضوي مع البيئة المحلية، من خلال ربط البناء بالطبيعة. وتبرز ملامح العمارة المحلية في الإمارات بوضوح في المباني التي شيّدت منذ عقود طويلة مضت، حيث إن البساطة هي الصفة العامة لهذه المباني المتميزة بطابع له هوية مرتبطة بذوق المجتمع والناس والمعماريين البسطاء، وعكست جانباً مهماً عن حياة هذا الشعب حضراً كان أم بدواً، معبرة عن الحياة الاجتماعية من تقاليد وعادات، بالإضافة إلى كونها ملائمة للبيئة المحلية من جميع جوانبها. وقد حرص الإنسان الإماراتي في السابق على توظيف فن العمارة في إنشاء بيته لأهداف أساسية شملت حمايته من ظروف الطقس الصعبة في المنطقة، إلى جانب الحفاظ على خصوصية الحياة العائلية والعادات والتقاليد، مع حرصه على استخدام الزخارف ومفردات طرز العمارة الإسلامية لإضفاء الجانب الجمالي على البناء، وتوفير التهوية للمباني أو الفراغات التي لا توجد لها نوافذ خارجية، والحصول على هواء نقي نسبياً من الأتربة، وذلك لبعد مصدر الهواء عن سطح الأرض. من الملاحظ أن العمارة المحلية اهتمت إلى حد بعيد بالصيف وقساوته نتيجة ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة إلى معدلات قياسية، لذا بذل البناؤون القدامى جهوداً كبيرة في بحثهم عن أفضل الوسائل الطبيعية المتوافرة للوقاية من وطأة تلك الحرارة والظروف المناخية القاسية، وهو ما دفعهم إلى ابتكار عدة أساليب لتحقيق التهوية الطبيعية في المباني، ويتضح ذلك من خلال استعمالهم لفسحات كبيرة من البيوت في بناء «البراجيل» حتى يسحب الهواء ويدور في تلك الفسحات، وعُدّت «البراجيل» بالإضافة إلى «المصابيح» من أهم أساليب التهوية الطبيعية. والمصابيح هي عبارة عن فتحات علوية في جميع واجهات البيت، ووظيفتها تحريك الهواء الخفيف الصاعد إلى سقف المبنى ودفعه إلى الخارج. البراجيل أو «ملاقف الهواء» عبارة عن فتحات صُممت بشكل معين لدخول الهواء من خلالها من أعلى إلى داخل المبنى ليلطف من درجة الحرارة، وذلك عن طريق دفع الهواء الساخن في داخل المبنى إلى الخارج بواسطة الفتحات الموجودة في المبنى «الدرايش». وصنعت من عدة مواد متنوعة من أهمها الجص والطين وسعف النخيل، كذلك من القماش والكتان، وقد منحها ذلك سمة من سمات الفلكلور الشعبي، كما هو الحال في بوابات المنازل الخشبية القديمة ونوافذها المنحوتة، حيث استخدم النجارون الأوائل مهاراتهم وأدواتهم البسيطة في النقش والحفر لتحقيق جماليات لتلك الأبواب. ويذكر الدكتور المهندس يحيى وزيري في دراسة له بعنوان «أبراج الهواء في المباني التراثية في الإمارات»: «تعتبر أبراج وملاقف الهواء أحد أهم العناصر المميزة في مباني المدن الإسلامية والعربية القديمة، خاصة تلك التي تقع في المناطق الحارة، وتعرف على أنها مداخل تقوم بتهوية المبنى في وجود مخارج للهواء، وقد استخدم الفناء الداخلي مع الملقف لإتمام حركة الهواء داخل الغرف التي تستخدم الملاقف لتهويتها، ولها فتحات تطل على الأفنية الداخلية، كما استخدمت الشخشيخة مع الملقف في تهوية القاعات، حيث يخرج الهواء الساخن منها، ويحل مكانه هواء بارد من الملقف أو الفناء». تعرف «البراجيل» في العديد من البلدان العربية باسم «ملاقف الهواء»، وفي بلاد إيران باسم «البادجير»، وهي كلمة فارسية تعني برج الهواء، كما يعرفها البعض باسم «مسرب الريح»، واستخدمت بهذا الاسم منذ العهد العباسي، في حين تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن عرب منطقة «النجا» على الضفة الأخرى من الخليج مقابل الشارقة هم أول من بنوها وجاؤوا بها إلى المنطقة. في موضع آخر حول هذه الجزئية يقول الدكتور أحمد رجب محمد علي رزق: «الحقيقة، وعلى الرغم من اتفاق جميع الباحثين على أن البراجيل هي أهم عنصر في تصميم البيت الإماراتي، فإن هناك خلاف على أصل الكلمة، وأيضاً على زمن دخولها إلى منطقة الإمارات، فالتسمية العلمية للبراجيل هي (برج الهواء)، أما كلمة (براجيل) فهي المصطلح الشائع في المنطقة، وقيل إن الاسم الأصلي لهذه الأبراج هو (بادكير)، وهي تسمية فارسية شاعت منذ العصر العباسي في إيران، وإن كان البادكير الإيراني يختلف في تصميمه عن الخليجي، إلا أن الهدف واحد وهو إدخال الهواء إلى الغرف، كما يعرف بتسميات أخرى في الخليج والإمارات مثل: «باركيل» و«بارج كتشيل»، إلا أنه من المرجح أنها جميعاً مصطلحات محرفة من الأصل الفارسي «بادجير»، ويعتقد أنها انتقلت إلى الساحل الغربي للخليج عن طريق الإيرانيين المهاجرين والمستقرين في الساحل الغربي، حيث نقلوا معهم هذه التقنية المعمارية، خصوصاً في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، ثم طورها أهل الإمارات وأبدعوا فيها وابتكروا وزادوا في فاعليتها وشكلها الجمالي». في حين تشير بعض الدراسات إلى أن ملاقف الهواء كانت أحد الحلول القديمة التي استخدمها المصريون القدماء في بعض مبانيهم. لقد دلت الدراسات الأثرية على أن فكرة سحب الهواء البارد إلى الأسفل ليدخل إلى الحجرات الداخلية كانت موجودة في بعض النماذج الصغيرة لبعض البيوت التي اكتُشفت في مقابر الدولة المصرية القديمة، ويرجع تاريخ تلك المقابر إلى 2100 قبل الميلاد، كما أن رسومات الدولة الفرعونية الحديثة صورت ملاقف الهواء التي كانت موجودة على أسطح المنازل، بالإضافة إلى أن هناك أدلة على استخدام أمثلة مشابهة في حضارة ما بين النهرين، حيث ظهرت في بعض النقوش من عصر «ساجرون الثاني» 722 – 702 قبل الميلاد. أما موسوعة العمارة الإسلامية فقد وضعت ثلاثة مسميات لجهاز التهوية الذي سماه العرب الملقف، والذي استخدم في أبنية العصر المملوكي والعثماني. هذه الأسماء هي «باذهنج» و«باذنج» و«بادهنج». أما في المصطلحات المعمارية في الوثائق المملوكية فيرد مسمى «باذاهنج» أو«باذهنج» وهو لفط فارسي معرب من باذ وآهنج ويعني سحب الهواء، أو فتحة التهوية أو طريق النسيم. أما في العراق فيطلق عليه اسم «البادكير» وهو كذلك اصطلاح فارسي معرب بمعنى «جالب الهواء»، ويتكون من كلمتين «باد» و«كير» جالب أو مجرى الهواء في الحائط أو في سقف المنزل، أو الطريق المجوف الذي يوضع في سقف أو سطح حائط الحجرة. قصتها في الإمارات لأبراج الهواء في الإمارات قصة طويلة، فالبعض يذكر أنها أقيمت بشكل مكثف في عام 1903 م، عندما وصل التجار القواسم وبني ياس من «لنجا»، فجاء الصناع والتجار إلى دبي واستقروا في منطقة الفهيدي، التي ما زالت تحتفظ بالعديد من البيوت المزودة بالبراجيل، والتي نراها أيضاً بقوة في مدينة دبي، خاصة في أحيائها القديمة مثل البستكية والشندغة، فهي مشيدة من الطوب والحجر، وتمتاز بالثبات والقوة والمتانة، وترتفع فوق المباني بحدود سبعة أمتار في منظر بصري جاذب للنظر ولافت للانتباه، في استجابة فريدة للظروف المناخية الصعبة. ويعود تاريخ إنشاء منطقة البستكية إلى نحو سنة 1910 م، وتشغل المنطقة شرقي المدينة القديمة في بر دبي، وتمتد محاذية للخور لمسافة نحو ثلاثمئة متر، وعمقها باتجاه الجنوب نحو مئتي متر، وتمثل المنطقة معلم التطور العمراني الذي تتميز به مدينة دبي، وقد ترك البناؤون على مبانيها خبراتهم وإبداعاتهم التي تشير إلى تراث عريق. فهذه المنطقة تترك انطباعات عميقة لدى كل من يشاهدها، حيث البراجيل الشاهقة والزخارف الجصية وأعمال النجارة التقليدية في بيوتها. وتشير بعض الدراسات إلى أن فكرة البراجيل ظهرت في حي البستكية عبر أقوام هاجروا من إيران في الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث كانت البراجيل تعد في السابق مصدراً مهماً لدخول الهواء وتهوية المنازل، أي أنها كانت ذات وظيفة على درجة عالية من الأهمية. أما في الوقت الحالي فنرى هذه المفردة البنائية موجودة في بعض المباني الحديثة لأغراض جمالية، وعكس الطابع المعماري للمنطقة. ومن الملاحظ أن براجيل البستكية تعددت في أنواعها، حيث يختلف البارجيل في غرفة النوم الرئيسية عنه في صالة المعيشة أو غرفة النوم الرئيسية لرب الأسرة، ليكون أكثر ارتفاعاً مع بعض النقوش الإضافية، أما براجيل الغرف الأخرى فتكون أقل ارتفاعاً عنه، في حين أن الحوائط في تلك المباني سميكة، وقد تراوح سمك الحائط ما بين 40 و60 سم، وذلك لغايات جعلها قادرة على تحمل بناء من طابقين أو ثلاثة طوابق، وكذلك مقاومة الظروف البيئية للاحتفاظ بالهواء البارد الذي يندفع من البراجيل إلى البيت. في حين يذكر الدكتور محمد مدحت جابر عبد الجليل «أن الطرازات الشائعة في الإمارات من أبراج الهواء نوعان: الأول ويسمى (بارج ?Barj?)، وهو برج هوائي مفتوح من جهاته الأربع?. أما النوع الثاني فيسمى (حصن?Husn ?)، وهو مفتوح من جهة واحدة فقط، وكلاهما مكعب البناء والشكل، ويستقر فوق السطح وله دعامة خاصة مركزية يرتكز عليها. وترتفع أبراج الهواء في المباني المزدوجة عادة نحو 15 متراً فوق مستوى الأرض المقام عليها المبنى، وعند هذا الارتفاع تكون سرعة الرياح عادة قدر سرعتها عند سطح الأرض بمرة ونصف المرة على الأقل. وكلما زاد ارتفاع البراجيل نفسها زادت سرعة الرياح والهواء الذي يأخذ طريقه نحو أسفل البارجيل، أي نحو غرف المنزل السفلية، وتغلق فتحات البارجيل في فصل الشتاء حين لا تكون هناك حاجة إلى مزيد من الهواء أو التهوية». ويمكن الإشارة -حسب الدكتور يحيى وزيري- إلى أن أبراج الهواء في الإمارات لم يقتصر استخدامها على المساكن فقط، بل جرى استعمالها في تصميمات قليلة ونادرة في بعض المباني والحصون، ومن أمثلة ذلك برج الهواء الموجود في حصن عجمان، والذي يحوي الآن متحف عجمان بعد ترميم الحصن وإعداده بشكل يلائم المعروضات التراثية والأثرية. ومن المعروف أن حصن عجمان يرجع تاريخ إنشائه إلى سنة 1775 م، وقد قام بترميمه الشيخ راشد بن حميد النعيمي الأول (1803 – 1838 م) ليتخذه مقراً لسكنه وحكمه في أوائل القرن الثامن عشر، وقد تم تصمم اثنين من البراجيل، كل واحد منهما مربع المسقط، وطول ضلعه أربعة أمتار، ويرتفع في الهواء حوالي 15 متراً عن الأرض، وكل ضلع من أضلاع البرج به ثلاث فتحات مستطيلة معقودة لدخول الهواء، ويعلو كل برج رف ينتهي من أعلى بصف من الشارفات الزخرفية. أنواع وأشكال من أبراج الهواء المهمة في الدولة «البرج المربع» الذي يرتفع أعلى المبنى ويوجد بأركانه، وعادة ما يفتح في قاعة الاستقبال الرئيسية «مجلس الرجال»، ويشيد عادة من الطوب المدعم بالعروق الخشبية. وهناك برج الهواء المستطيل، ويستخدم عادة في المناطق التي تهب فيها الرياح من جهتين أساسيتين في المناطق الساحلية، حيث إن الرياح تهب نهاراً من جهة البحر، وليلاً تغير اتجاهها حيث تهب من جهة البر، وفي هذه الحالة أمكن للبنّاء أو المعماري القديم الاستفادة من الرياح السائدة في أثناء النهار والليل. أما أبراج الهواء الدائرية فلم توجد إلا في مجلس بيت إبراهيم بن محمد المدفع، في منطقة صلاح الدين بالقرب من سوق العرصة بإمارة الشارقة، الذي جرى ترميمه وتأهيله من جانب حكومة الشارقة في العام 1996 م، بناءً على توجيهات من صاحب السمو الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تقديراً منه لابن الشارقة الراحل الذي كان علماً من أعلام الفكر والثقافة، كما كان أحد الأعيان المقربين من أصحاب السمو الشيوخ الذين توالوا على حكم إمارة الشارقة في حياته. واليوم أصبح المجلس متحفاً جديداً أضيف إلى مجموعة متاحف الإمارة، ومنتدى فكرياً وأدبياً يؤمه رواد الثقافة والأدب والتاريخ في البلاد، ويضم كتب الراحل وأوراقه ودراساته، بالإضافة إلى صوره ومتعلقاته الشخصية الأخرى. والمجلس مثال فريد من نوعه ويعكس مهارة البنائين في ذلك الوقت. ويقوم البارجيل المستدير في هذا المبنى بتهوية غرفة المجلس بالبيت، وحفاظاً على المبنى من دخول الأتربة عن طريق برج الرياح، تم بناء قاعدة البرج بطريقة ازداد معها عرضها عن جسم البرج نفسه، وبذلك ازدادت مساحة قطاع الهواء المار عند القاعدة لتقل سرعته، مما أعطى فرصة للأتربة لكي تترسب في أسفل البرج ولا تدخل مع الهواء إلى الفراغ المراد تهويته، بما يسمح بتنظيف البرج كل فترة زمنية. ويعتبر بارجيل مجلس المدفع واحداً من أهم البراجيل في العمارة الإسلامية في منطقة الخليج، فهو أسطواني محمول على ثمانية أعمدة لها تيجان كاسية تحمل قبة بصلية الشكل ترتكز على أفريزين مزخرفين بزخارف هندسية مفرغة، قوامها أشكال معينات وأخري مشرشرة، وتنتهي خوذة القبة من أعلى بحلية زخرفية تشبه الوردة، وللبارجيل قاعدة ارتفاعها متران، أما ارتفاع البارجيل نفسه فيبلغ نحو ثمانية أمتار من سقف البيت حتى خوذة القبة وقطره نحو أربعة أمتار. ومن المعالم المهمة التي حافظت على التراث العمراني التقليدي، وخاصة البراجيل والزخارف الجصية والتشكيلات المتنوعة للفراغات المعمارية، السوق الكبيرة ببر دبي، كذلك بيت الشيخ راشد الأول النعيمي بعجمان، الذي يحتوي على اثنين من البراجيل الأول مستطيل الشكل والثاني مربع الشكل، كذلك بيت حاكم رأس الخيمة، ويوجد به بارجيل واحد مستطيل الشكل، وينتهي البارجيل من أعلى بصف من الشرافات على هيئة الورقة النباتية الثلاثية. كذلك السوق التجارية في إمارة الشارقة، حيث يبدو المزج بين البناء الحديث والتقليدي باستخدام أبراج الهواء التي تحقق الغرض منها، مع المحافظة على جماليات البناء ضمن المنظومة المعمارية المعاصرة. مفردة إنسانية الحديث عن البراجيل كمفردة عمرانية تقليدية فريدة هو حديث لا ينفصل عن الشخصية والثقافة الإماراتية، وسواء كانت هذه البراجيل قد دخلت إلى المعمار المحلي من الخارج، أو أنها وُجدت فيه بصورة أصيلة مثل غيرها من المفردات المعمارية، فإن البناء الإماراتي القديم وبلا شك قد حقق استجابة ذكية لمتطلبات البناء، ووفر لساكنيه الخصوصية والراحة المنشودة وهما غاية أي معماري في هذا الكون. وإذا كان بعض المعماريين في عدد من الدول الغربية اليوم يروجون لهذه الجمالية المعمارية «البراجيل»، حيث قام كل من كاننجهام وسمبثون بعمل أبحاث ودراسات جادة من أجل تطوير أبراج الهواء الخليجية مربعة الشكل، كما قام جيفوني بالمساهمة في تطوير الأبراج المربعة والدائرية أيضاً، وتم بالفعل استخدام أبراج الهواء بعد تطويرها في بعض المشاريع الحديثة في الغرب مثل الواحة الشمسية في أميركا وغيرها. ولذلك من الواجب علينا العمل على المحافظة على ملامح عمراننا التقليدي الأصيل في خطوة إضافية لتعزيز خصوصيتنا الثقافية في ظل التحولات الثقافية الواسعة التي تميز عصرنا الحالي، أو ما يسمى بعصر العولمة وثورة المعلومات، حتى تقف الثقافة الشعبية كمعادل موضوعي محلي للثقافة العالمية. ونشير هنا إلى ندوة «العمارة الإسلامية بين النظرية والتطبيق» التي عقدت في وقت سابق من تنظيم جمعية المهندسين ودائرة التخطيط والمساحة في إمارة الشارقة، وبمشاركة نخبة من المهندسين والمعماريين العرب في قاعة المؤتمرات بقناة القصباء، حيث أثارت الندوة قضية خطيرة تسلط الضوء على مسألة تأكيد وتأصيل الشخصية المعمارية الإسلامية وانعكاساتها لتحقيق تطور عمراني منسجم يجمع بين معادلة الأصالة والمعاصرة، كما طالب المشاركون بضرورة أن تلتزم المباني الحكومية في الإمارات على الأقل بواجهات تراثية وضوابط عمرانية بها ملامح من الهوية الوطنية، وذلك لمواجهة الزحف العمراني المتأثر بتصميمات أوروبية، والذي يعمل ضمناً على تهميش مناطقنا وعمارتنا القديمة، ولتفادي فقدان القيم والتقاليد الإسلامية في مبانينا ومساكننا وصولاً إلى خطاب عمراني يمكن أن يقودنا مع الوقت إلى لغة عمرانية عربية مشتركة تخدم الإنسان ضمن خصوصيته وشخصيته وثقافته وعاداته وتقاليده. من ذلك نفهم كم نحن بحاجة إلى ارتباط وثيق بكل أشكال موروثنا الشعبي ومفردات التراث لحماية الثقافة المحلية، والعمل على إيجاد الفرص المناسبة لبعض عناصر ثقافتنا الشعبية لكي تستثمر اقتصادياً. هناك عناصر تقليدية مهمة موجودة في المعمار التقليدي المحلي، ولهذه العناصر قدرة على أن تكون جزءاً من الثقافة البصرية العالمية أو حتى على الأقل جزءاً من ثقافتنا العمرانية المعاصرة في منطقة الخليج بدلاً من الذي نراه اليوم من غياب واضح للمعمار المستمد من أصولنا وتقاليدنا. إن دولة الإمارات تحفل بالعديد من المباني التاريخية والقلاع والحصون والشواهد التاريخية التي تؤكد عمق اهتمام البناء الإماراتي القديم بطرز البناء وتطويره بما يتناسب وحاجة السكان، ومن الضروري علينا اليوم، ومع كل هذا التقدم الهائل الذي نشهده، أن نحقق توازناً في استحداث بناء معماري لا يتخلى عن مفردات العمارة التقليدية الأصيلة. ................................................ المراجع: 1 – د. أحمد رجب محمد علي رزق. مدخل إلى التراث المعماري والعسكري في دولة الإمارات العربية المتحدة. مركز زايد للتراث والتاريخ. العين. ط1. 2004. 2 - د. محمد مدحت جابر عبد الجليل. العمران التقليدي في الإمارات العربية المتحدة. مركز زايد للتراث والتاريخ. العين. ط1. 2000. 3 – حسن فتحي. الطاقات الطبيعية والعمارة التقليدية. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. القاهرة. 1988 م. 4 – جراهام أندرسون. ترجمة «حميد الأمين محمد سعد». مشكلة حفظ المباني التراثية في المناطق الحضرية بإمارة الشارقة. دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة. ط1. 1995م. 5 – د. عبد الله الطابور. جلفار عبر التاريخ. دبي. ط1. 1998 م. 6 – أحمد حسن الخرخور. الأبراج تراث وتاريخ. جمعية ابن ماجد للفنون الشعبية والتجديف. رأس الخيمة. ط1. 1992 م. 7 - محمد إبراهيم أمين، ليلى علي. المصطلحات المعمارية في الوثائق المملوكية. (648 – 923 ه) (1250 – 1517) دار النشر بالجامعة الأمريكية. القاهرة 1990. 8 – فريال مصطفى. البيت العربي في العراق في العصر الإسلامي. المؤسسة العامة للآثار والتراث. بغداد. 1983. 9 – راشد علي محمد. الحصون والقلاع في دولة الإمارات العربية المتحدة. وزارة الإعلام والثقافة. أبو ظبي. 1992. 10 – د. عبد الستار العزاوي. المربعات دراسة تاريخية. الشارقة. ط1. 1998. مكيّفات الأمس يعتبر البارجيل، وجمعها براجيل، من مقومات ومكونات البيت الخليجي عامة، والإماراتي خاصة، وللبراجيل تاريخ ممتد مع العمارة الإسلامية، لكن البارجيل الخليجي يعتبر أشهر أنواعها، وأكثرها امتداداً ورسوخاً في الذاكرة الشعبية، ويكفي أنه اليوم يعد علامة هامة في تعريف العمارة الشعبية ورمزاً لها،.وتسمى البراجيل «ملاقف الهواء» في تعاريف ومفردات اللغة، وهو أفضل تعاريفها وأكثرها وصفاً لها ولوظيفها وفائدتها. فالبارجيل برج متصل بالمباني يستخدم للتبريد، وقد كثرت البراجيل في المساجد والمستشفيات على نطاق واسع، في العصر العباسي، ويذكر أن جميع المستشفيات كانت مزودة بالملاقف الهوائية «البراجيل» وكذلك أغلب المنازل، حيث اشتهرت وانتشر استخدامها في الاماكن التي تحتوي على رطوبة عالية، كي تساعد على تحريك الهواء الساكن، لذلك نجدها متواجدة في المناطق الساحلية أكثر منها في مناطق الداخل. واختلف الكثيرون في أصل كلمة بارجيل وتعريفها، فيذكر أن أصل الكلمة فارسية، وهي تحريف لكلمة «بادقير وتنطق في بعض مناطق الخليج بادجير» وتعني بالعربية «مسرب الهواء أو البرج الهوائي»، وهي متداولة محلياً باسم «بارجيل» وتجمع «براجيل» أي الأبراج الهوائية التي تبنى فوق المنازل، كوسيلة لزيادة التهوية في الصيف، اتقاءً لحرارته المرتفعة. تقام البراجيل عادة فوق المنازل، حيث تكون سرعة الرياح على ذلك الارتفاع أكبر منها عن مستوى سطح الأرض، وينحدر البرج الهوائي عمودياً إلى داخل غرفة سفلية، لينتهي عند مترين فوق أرض المبنى، ومعظم الهواء القادم من البراجيل إلى الأسفل ينحصر توجهه في المنطقة الواقعة أسفل البرج، وهو الموقع الذي يكون مكاناً للراحة والتسامر، وأحياناً للنوم، وذلك كونها أكثر المناطق برودة في المنزل، كما أن القسم العلوي من البارجيل مجهز بشبكة حديدية، تستخدم عادة لمنع دخول طيور الحمام إلى داخل البرج، نظراً لما تسببه فضلاتها من إزعاجات، ولهذه الأسباب وغيرها المتعلقة بأمن المنزل، فان الكثير من الناس يعمدون إلى بناء البارجيل فوق دهريز«دهليز» يحتوي على عدد من النوافذ، إلى جانب الباب، حيث يتم توزيع الهواء إلى بقية الغرف المجاورة. تظهر في معظم البراجيل أخشاب هنا وهناك على ىسطح البارجيل، ويظن البعض أنها من الأساسات التي تحمل البارجيل فقط، وهذا مفهوم غير دقيق، فهذه الأخشاب تعمل على جلب هواء أكثر للبارجيل، وتخلق زوبعة للهواء فتدخله أكثر إلى الفتحات العلوية للبارجيل. ومن اللافت أن البارجيل ظاهرة عمرانية لم تنتشر في الدول الخليجية الأخرى كانتشارها في مناطق الإمارات والبحرين، فلا توجد مثلاً براجيل في السعودية، أما الكويت وقطر فيوجد عدد قليل منها، لكن الانتشار الأكبر لها كان في الإمارات، وخاصة في إمارة دبي، حيث أصبحت البراجيل تشكل أحد أبرز المعالم العمرانية في هذه الإمارة، وغدت دبي على حد تعبير أحد المسنين «مزرعة للبراجيل». ومنها انتشرت إلى باقي الإمارات الأخرى، كالشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة، وبنسبة أقل في أبوظبي، كما يوجد بعضها في مناطق رؤوس الجبال، حيث تظهر خاصة في بيوت ومساكن التجار. جدوى اقتصادية في دراسة أجريت العام 1985 في أريزونا في الولايات المتحدة حول ملقف الهواء، ثبت أن استخدامه في التبريد مجدٍ اقتصادياً، حتى أنهم صاروا يروجون له في الأسواق على أساس أنه أقل تكلفة واستهلاكاً للطاقة الكهربائية من الأجهزة التقليدية المستخدمة حالياً في العالم. وفي دراسة حديثة أجراها عدد من أساتذة العمارة لتجربة استخدام ملقف الهواء في جامعة الرحمانية في مدينة الجوف في المملكة العربية السعودية، أثبتت الجدوى المناخية والاقتصادية لاستخدام ملقف الهواء، وقد أشارت بوضوح إلى إمكانية الشعبي، الكوني التي يمتلكها ملقف الهواء، هذا الانتشار البصري وهذه الملاءمة المناخية والاقتصادية يجعلانا نعود إلى هذا العنصر في صورته التقليدية، وإلى أهميته في صورة العمارة التقليدية التي حافظت على ملامحها حتى يومنا هذا. براجيل القرن 19 يذكر الدكتور أحمد رجب محمد علي رزق حول طريقة إنشاء البراجيل في الإمارات في القرن التاسع عشر، وهي آخر مرحلة من مراحل بناء البيت بقوله: ( يبدأ بناء البرجيل من فوق فتحة في الغرفة بوضع قطعة من الخشب على شكل «حرف إكس في الإنجليزية»، والتي تعتبر التقسيمات الرئيسة للبرجيل، ثم توضع على جوانب البراجيل أحجار تسمى «السلافة»، وميزتها أنها مرجانية عازلة للحرارة وبسمك ثلاث بوصات بعضها فوق بعض، مع دعم هذه الحوائط كل متر ونصف بأخشاب أفقية، حيث إن هذه الأخشاب كانت تستخدم في بناء البرجيل نفسه وصيانته لاحقاً، ولكن بعض الناس كانوا يفضلون قطع هذه الأخشاب بعد إكمال بناء البراجيل، وبعد ارتفاع مترين من قاعدة البرجيل كانت توضع أسياخ لمنع دخول الطيور واللصوص من الفتحات، وفي النهاية يشطب البرجيل بالجص أو الكلس، ثم يوضع السقف الذي كان يعمل على تماسك البرجيل، إضافة إلى منع نزول المطر بشكل مباشر إلى القاعة أو الغرفة التي يعلوها البارجيل. أما سقف الخير المسطح فيشيد من طبقات «الفاووش» والجص وشرائح سعف النخيل المضفرة والجذوع، ويتم طلاؤها بالجير. في مواجهة الرياح في دراسة له بعنوان: «العمارة التقليدية في دولة الإمارات – دراسة الفريج والبيت التقليدي في الجزيرة الحمراء بإمارة رأس الخيمة»، يشير الدكتور محمد عبدالله جكة المنصوري، إلى أن: (الدهريز، وهو غرفة النوم في بيوت الجزيرة الحمراء، يتم بناؤها على الجهة الجنوبية للبيت، بحيث يواجه باب الدهريز وفتحاته جهة الشمال والغرب، ويتم بناء الدهريز من الجص وأحجار المرجان، كما يتم إنشاؤه من جريد النخيل «الدعون»، ويستخدم في غير فصل الشتاء، إذ يتم توجيه الفتحات لتكون في مواجهة الرياح السائدة في فصل الصيف. ويتميز الدهريز في بعض البيوت بوجود البادكير ?Badkeer?، وهو شباك مصمم لإدخال الهواء إلى داخل الدهريز، ويساعد على دخول الهواء إلى داخل الدهريز من جهة الجدار الخارجي الذي يلاصق السكة، إذ ترتفع فتحة البادكير أعلى قليلاً من مستوى قامة رجل لتمنع الرؤية المباشرة من الخارج إلى داخل الدهريز، فالبادكير يساعد على دخول الهواء من الخارج مع توفير الخصوصية لأهل البيت). فكرة عمرها 4000 عام يقول الدكتور مشاري عبد الله النعيم، الأستاذ المساعد في جامعة الملك فيصل بالمملكة العربية السعودية، في دراسة له بعنوان «ملقف الهواء في العمارة الخليجية»:( إن أبراج الهواء فكرة قديمة موجودة في المنطقة العربية منذ أكثر من أربعة آلاف عام، وإن بعض أشكالها الموجودة في المدن الخليجية حالياً قد انتقلت من المناطق المجاورة مع ساكنيها بفعل الهجرات الجماعية إلى الساحل العربي والخليج. أي أن فكرة ملاقف الهواء كانت موجودة منذ القدم، ولكن الشكل البصري ربما تأثر بالمناطق المجاورة، مما أوجد اعتقاداً بأن الفكرة برمتها منقولة منها، ولم يضف إليها إنسان المنطقة رؤيته الخاصة. ومهما يكن من أمر فإن لملقف الهواء دوراً بصرياً مميزاً لا يزال فاعلاً في العمارة المعاصرة في مدن الخليج العربي، هذا الدور الذي يؤكد تأثير القيم الاجتماعية والبصرية في حياتنا المعاصرة، كما يؤكد أن ملقف الهواء كعنصر معماري نجح في مقاومة الاندثار واستطاع الاستمرار في حياتنا بصورة أو بأخرى رغم تلاشي العناصر المعمارية التقليدية الأخرى التي ارتبط بها، ولم يكتف ملقف الهواء بالاستمرار البصري، بل إنه –كجهاز تكييف للهواء– أثبت أهميته باستجابته للتقنية المعاصرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©