الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دبي للكثيرين··· وطن

5 أغسطس 2008 23:15
خلال الآونة الأخيرة كنت في إجازة بدبي، وكما هو الحال عادة تعرّضتُ لاستفهامات كثيرة من قبل أصدقائي ومعارفي، حول كيف أستطيع تحمل العيش في ذلك المكان الصحراوي الحار بشكل لا يطاق· حسناً، إذا وضعنا عنصر الحر جانباً، فإن هؤلاء المحيطين بي بدؤوا يصدرون ما أستطيع أن أصفه بأحكام سريعة وجاهلة، برأيي، حول مكان لم يسكنوه في يوم من الأيام· فقد أقام بعضهم في دول شرق أوسطية مجاورة بينما أقام آخرون في أوروبا· كان أحد التعليقات التي أثارت جرس الإنذار لدي، مفاده أن ''دبي لا روح لها''· تكلم آخرون عن ''انعدام الثقافة'' في تلك المدينة الحديثة، حيث يشكّل السكان الأصليون أقلية· باشرت بالرد، محاولة الحفاظ على هدوئي، على ملاحظاتهم العابرة، مدافعة عن المكان الذي أصبحت أعتبره وطني، آخذة في الاعتبار، بالطبع، أن لكل إنسان الحق في رأيه، طالما أنه مدعوم بحقائق· إلا أن ذلك لم يردعني عن الدافع لإثبات أنهم على خطأ، خاصة فيما يتعلق بـ''الروح'' و''الثقافة''· ناقشتهم بأن الروح أمر نسبي· لكل مكان في العالم روح، وما يعرّف هذه الروح في الواقع هو منظور الإنسان لها· وإذا كنتَ تتمتع بالرؤية فسوف ترى الروح في كل زاوية في أي مكان في الأرض· ودبي في واقع الأمر تملك الكثير من ذلك· الأمر نفسه ينطبق على الثقافة (التي لا تعني الإرث الحضاري)· تملك هذه الإمارة البالغة الصغر ثقافة أكثر من العديد من الأماكن القديمة التي زرتها· الواقع أنك تتعرض للكثير من الثقافة هنا في دبي، ابتداء من اللغة وانتهاء بالممارسات الدينية المتنوعة· يحتاج الأمر أن يكون للمرء قوة ملاحظة ووعي· لا بد أن هذا المكان هو من الأماكن القليلة في العالم التي يمكنك فيها أن تحتفل بكل من شهر رمضان وعيد الميلاد معاً وبشكل منفتح ودون تحفظات عندما يصادف مرورهما معاً· إنه مكان تُحتَرَم فيه الممارسات الثقافية لكل مجموعة عرقية أو دينية، بل ويجري تشجيعها· إنه مكان تُنشَد فيه الأغاني العربية والإنجليزية والفرنسية والهندية والفلبينية بحماسة من قبل التلاميذ أثناء الاجتماع اليومي العام في العديد من المدارس الخاصة· إنه كذلك مكان تعمل فيه المرأة المحجبة جنباً إلى جنب مع من يلبسن التنانير القصيرة، دون الحكم على بعضهن أو توبيخهن· إنه مكان يستطيع الأطفال فيه الاستمتاع بممارسات عيد الهالوين، ولكن يجري تشجيعهم كذلك على التبرع بالمواد الغذائية والألبسة والأموال والألعاب لضحايا التسونامي· مكان يتعلمون فيه أن لديهم فرص النجاح بغض النظر عن عرقهم أو جنسيتهم أو خلفيتهم أو دينهم· إنه مكان تشكل فيه الجدارة والاستحقاق والعمل الجاد والتفاني مدى نجاحك في أي عمل تقوم به· ويناقش أصدقائي أنه مكان انتقالي لدرجة أن أحداً لا يستطيع أن يسميه وطناً له أو منزلاً، باستثناء سكان المدينة الوطنيين· حسناً، أستميحكم عذراً بمخالفتكم الرأي· هناك عدد لا يحصى من الوافدين الذين يعترفون بأنهم لا يحلمون بأي مكان يوفر أسلوب حياة ''مريحاً'' في دولهم الأصلية، وأنهم لن يختاروا مغادرة الإمارة ما لم يضطروا لفعل ذلك بشكل مطلق· يختار الكثيرون أن يولد أولادهم في دبي وأن يعلموهم ليس فقط احتراماً لثقافة السكان المحليين وتقاليدهم، وإنما كذلك أن يعطوا المجتمع الذي يعتقدون أنه أعطاهم الكثير· التسامح والتعاون والاحترام هي مفاتيح نجاح هذه الإمارة، وسيحقق هؤلاء الذين يفتقرون إليها ذلك في بوتقة الانصهار هذه· نعم، الحرارة شديدة في الصيف، ولكن هذا لا يحد من نشاطات سكان دبي، الذين يصنعون بأيديهم ما حرمتهم الطبيعة منه· جزر من صنع الإنسان، ومنحدرات داخلية للتزلج على الثلج· ما حققته القيادة والسكان المحليون والوافدون خلال عدد قليل من السنوات يستحق الإعجاب بحق· ما زالت هناك حاجة إلى العديد من الخطوات لهذا النموذج الإقليمي في الأعمال ليصبح كذلك رائداً في حقوق الإنسان والمساواة في النوع الاجتماعي ونوعية التعليم، ضمن أمور أخرى· إلا أن دبي أثبتت مرة بعد أخرى أنه عندما تكون هناك عزيمة، هناك بالتأكيد أسلوب وطريق· لذا أقول لأصدقائي إنني أتقبل حرارة الجو بسعادة لأكون جزءاً من النمو والتطور في هذا المكان المميز الذي يجعلني أشعر وكأني في وطني· نتاشا بخاري- صحفية مستقلة ينشر بترتيب خاص مع خدمة كومون جراوند
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©