الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بائع الأحلام

بائع الأحلام
11 أكتوبر 2009 23:21
كان يحلم للناس، وفشل في أن يحلم لنفسه. كان يرى في أحلامه، أو هكذا كان يدعي، نجاح الآخرين وفشلهم، صحتهم ومرضهم، أفراحهم وأحزانهم.. كان يحلم فيقرأ في أحلامه مستقبل من يحيطون به، أو من يلجأون إليه ليحلم لهم، ويخبرهم بـ«الطالع» أو بحل ما استعصى عليهم من مشكلات وأزمات.. فكان، بالنسبة لي، أول وآخر إنسان يحلم بـ «الطلب».. وكان بالنسبة لي كذلك «كذبة كبيرة» لم أصدقها، ولم أملك أدوات تكذيبها. كان من المشاهد المألوفة، في ضيعتنا الصغيرة على أطراف القاهرة، عزبة النخل، التي كانت ملتقى الصفوة ومنزل النخبة، قبل أن تتحول إلى منطقة عشوائية بامتياز، أن نرى «حندق» الذي أصبح فيما بعد «عم حندق» ثم «الحاج حندق»، رغم أنه لم يحج أبدا حتى توفاه الله، يربت على كتف شخص مهنئاً بنجاح ابنه في الثانوية العامة، قبل ظهور النتيجة بأيام، أو يبشر آخر بقدوم عريس لابنته، أو يتنبأ لثالث بشفاء مريض.. وفي كل مرة يؤكد انه «هكذا رأى في المنام». بالتدريج تحول «حندق» الفقير غريب الأطوار، الذي كان يظهر فجأة ويختفي فجأة، دون أن نعرف أين يقيم ولا من أين يأتي، إلى شخصية أسطورية شديدة الجذب للبسطاء، حتى أن البعض رفعه إلى مرتبة الأولياء، دون أن يلحظ احد أن ما يراه حندق في أحلامه ليس سوى توقعات منطقية جدا، في الغالب، لأحداث لها مقدمات معروفة للجميع ومتوقعة من الجميع، فهو لم يحلم أبدا بنجاح فاشل ولا بثراء عاطل ولا بطول عمر كهل تفترسه أمراض الشيخوخة. أعترف أن إحساسا غامضا بالخوف كان يسيطر علي كلما رأيت «حندق» تاجر الأحلام .. كنت أحرص على عدم الالتقاء به، رغم إيماني الجازم بأن كل «أحلامه» وهم وكل تنبؤاته مجرد فراسة فطرية نجح في استثمارها ليصبح من رواد «توصيل الأحلام إلى المنازل»... بل الرائد الوحيد. هل هذا معقول؟.. ليس معقولا.. ولكنه ما حدث وما عشت تفاصيله قبل حوالي أربعين عاما.. بقي أن نعرف أن «حندق» مات في حادث حريق دون أن تحذره أحلامه من مصيره المؤلم. صلاح الحفناوي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©