الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

نظرة إماراتية على عنصر الكبريت

19 يوليو 2016 20:51
تنتج دولة الإمارات أكثر من 5 ملايين طن من الكبريت سنوياً وهو ما يضعها ضمن قائمة الدول الست الأكثر إنتاجاً لهذا العنصر على مستوى العالم والتي تضم الصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وكندا والمملكة العربية السعودية. ويتم إنتاج الكبريت في الإمارات عن طريق معالجة النفط والغاز من المركبات التي تحتوي على هذا العنصر مثل كبريتيد الهيدروجين الموجود في حقول النفط والغاز بنسب متفاوتة قد تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 32%. ومن المعروف أن أبرز أهداف إنتاج النفط والغاز في الدولة هو بيع المنتج في الأسواق العالمية أو استخدامه في السوق المحلي لإنتاج الطاقة على وجه الخصوص، لذلك، يطلق على النفط والغاز «منتجات رئيسية» وعلى غيرهما من العناصر «منتجات ثانوية» ويشمل ذلك عنصر الكبريت الذي يباع في الأسواق العالمية. ولكن من الغريب أن نطلق على عنصر الكبريت لقب «منتج ثانوي» على الرغم من قيام الدولة بالاستثمار في بناء قطار الاتحاد الذي يستخدم حصرياً في مراحله الأولى لنقل الكبريت من الحقول النائية في إمارة أبوظبي إلى ميناء الرويس بهدف التصدير! ولذلك، فعلينا أن نراجع أنفسنا في ما يتعلق بوصف هذا العنصر بالمنتج الثانوي، بل علينا أن ننظر إليه كثروة وطنية يجب أن نستثمرها بالطريقة المثلى. ولكن إذا كان الكبريت من أهم المنتجات الخام التي تصدرها الدولة، فلماذا لا نجد تغطية مناسبة للعنصر كسلعة عالمية مقارنة بالنفط والذهب والنحاس؟ إن الإجابة على هذا التساؤل بسيطة، فعنصر الكبريت يباع بأسعار زهيدة مقارنة بالسلع الأخرى فإذا قارنا سعر الكبريت بالذهب، سنجد أن الكبريت يتداول بـ 300 درهم للطن أما الذهب فيتداول بـ 150 مليون درهم للطن! إن استخدامي للطن في هذه المقارنة هو لتوضيح الفرق الشاسع بين سعر السلعتين. وهنا علينا أن نطرح سؤالاً آخر هو: ما سبب انخفاض سعر الكبريت إلى هذا الحد؟ إن السبب في ذلك يعود إلى طبيعة استخدامات الكبريت مقارنةً بالسلع الأخرى، حيث يستخدم 85% من عنصر الكبريت في تصنيع حمض الكبريتيك، ما يجعل الطلب عليه ضئيلاً وبالتالي يؤدي إلى انخفاض السعر. فإذا أردنا أن نستفيد من عنصر الكبريت بالطريقة المثلى، فلابد أن نركز على دراسة هذا العنصر من منظور أوسع لكي يتسنى لنا أن نجعله سلعةً مرغوبةً ذات قيمةٍ أعلى. لقد أدركنا هذا الموقف في المعهد البترولي عام 2011، وبدأنا دراسة عنصر الكبريت بطريقة منهجية بهدف الوصول إلى تحسين قيمته من خلال تطوير منتجات لم تكن موجودة من قبل. فمنذ البداية، ركزنا على منتجات ذات قيمة وطلب عاليين ومنها المواد البوليميرية مثل البولي إيثيلين. فطورنا بذلك منتجات مهجنة تتكون من عنصر الكبريت والبولي إيثيلين وأثبتنا أن المنتج الجديد له خواص أفضل ويحتوي على نسبة عالية من الكبريت تصل إلى 20%. ولاقى هذا البحث اهتماماً علمياً، حيث تم نشر الدراسة المرتبطة بالمنتج على غلاف مجلة علمية معروفة عالمياً ومتخصصة في أبحاث المواد البوليميرية هي «مجلة علوم البوليمرات التطبيقية» (Journal of Applied Polymer Science). والجدير بالذكر أن هذه المنتجات المهجنة لها قيمة عالية مقارنة بالكبريت وبذلك فهي تسهم في تعزيز القيمة المضافة للكبريت. لقد قمنا بحماية هذا المنتج من خلال تسجيلنا لبراءة اختراع في الولايات المتحدة ومن ثم قامت شركة أدنوك وشركات الغاز «جاسكو» و«الحصن» و«أدجاز»، بدعم المشروع بهدف إيصال هذه المنتجات للسوق. ولم نكتف بهذا المنتج فحسب بل كثفنا جهودنا على منتجات أخرى مثل كبريتيد الموليبدينوم الذي يستخدم كمحفز لبعض التفاعلات وسجلنا له براءة أختراع أخرى في الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، نحن أيضاً بصدد تقديم براءات اختراع أخرى سيكون لها دور في إثراء قيمة عنصر الكبريت على المدى الطويل. ومن خلال استخدام مبادئ الاستدامة، سنجد أنه لا بد لنا أن ننظر إلى ثرواتنا الطبيعية على أنها ثمينة بالنسبة لنا وألا نطلق عليها لقب «منتج ثانوي»، فهذا الوصف يجعل نظرتنا إلى عناصر مهمة مثل الكبريت نظرةً هامشية، ما يؤدي بدوره إلى خروج هذه العناصر من جوهر اهتماماتنا. الجدير بالذكر أن دولة الإمارات ستنتج المزيد من عنصر الكبريت في السنوات القادمة، فإذا تركنا معضلة الكبريت لمعطيات السوق العالمي، فالعرض سيفوق الطلب وبالتالي يفقد الكبريت الكثير من قيمته. لقد آن الأوان لأن نكثف جهودنا ليكون عنصر الكبريت مساهماً فعالاً في إثراء اقتصاد المعرفة. *أستاذ مساعد ومدير مركز أبحاث الغاز في المعهد البترولي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©