السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بشار إبراهيم: يجب أن يسمع المبدع السينمائي ملاحظات وتوجيهات

بشار إبراهيم: يجب أن يسمع المبدع السينمائي ملاحظات وتوجيهات
10 أكتوبر 2009 23:18
بشار إبراهيم، ناقد سينمائي من فلسطين، لا يترك أي قضية تخص السينما من دون أن يناقشها بهدوء، يبصر أعمق الأشياء في هذا الميدان ويقرأه بهدوء. لبشار إبراهيم منجزات إبداعية في النقد، فقد أصدر كتباً عدة منها «السينما الفلسطينية في القرن العشرين» و»ألوان السينما السورية» و»ثلاث علامات في السينما الفلسطينية الجديدة» و»رؤى ومواقف في السينما السورية» و»عبدالناصر والسينما» و»دريد ونهاد» و»فلسطين في السينما العربية». سبق أن حكم في لجان مهرجان وهران «المهرجان الدولي للفيلم العربي» عام 2009 وفي مهرجان من الخليج السينمائي 2009 وفي جائزة ابن رشد للفكر الحر 2007. في حوارنا معه نكشف عن سبب غياب عضوية النقاد في لجان التحكيم لمسابقة أفلام مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في دورته الثالثة وبطرح موضوعي ثقافي عن علاقة الناقد بالسينما وبالمنتج وبالغاية من وجود النقد دلالة واصطلاحاً. ما هو دور النقد السينمائي في صناعة السينما؟ ** أنا برأيي أن النقد عملية مهمة جداً لأي نسق إبداعي إن كان في الأدب أو الفن، بمعنى أن الحركة الأدبية أو الفنية لا تستطيع أن تتقدم بشكل حقيقي وتقوم بمراكمة منجزاتها وخلق سياقها ومعرض أخطائها إلا عبر حركة نقدية فاعلة، وفي هذا المجال فإن النقد يعمل على ثلاثة مستويات، المستوى الأول هو رصد المنجز الفني أو الأدبي وتقييمه واكتشاف ما هو الجديد فيه والإشارة الى أين أصاب والى أين أخطأ. أما المستوى الثاني فهو خلق سياق تاريخي لأي منجز وذلك بالمقارنة مع الأعمال الأخرى وربطها بالشرط التاريخي لهذا العمل و بهذا المجال من مهمة النقد تحقيق السجل التاريخي الإبداعي للحركة الفنية بحيث يمكن للمبدع والمتلقي إمكانية رؤية أي عمل إبداعي ضمن الشرط التاريخي وضمن السياق العام للحركة الإبداعية. أما المستوى الثالث فمن مهمة النقد التأسيسي المعرفي، الفلسفي، والنظري بآليات الإبداع والتلقي مما يؤهل المبدع والمتلقي على السواء للتعمق في معرفة دلالات الصورة، الضوء، اللون، فلسفة المونتاج ومفهوم وآليات السرد الفني والى آخره في هذا المجال. من هنا يمكننا القول إن أي حركة إبداعية لم تستطع التطور والنقد ومراكمة منجزاتها ومعرفته إلا من خلال المنجز النقدي الذي يواكبها وهو أمر أبعد من مجرد جسر بين المنجز الفني والمتلقي، وقد يصل الى أن يكون جسراً بين المبدع ومنجزه الفني، وذلك من خلال العمل التأسيسي المنجزي لما يمكن أن يقدر المبدع بشكل عفوي. * إذاً النقد يسهم في توجيه النص أو على الأقل كشف رموزه ودلالاته التي ربما لم يصرح بها المبدع السينمائي.. إذاً لماذا نجد من يقلل من شأن الناقد السينمائي على اعتبار أن الآخر يشتغل بآلية اللغة بينما الأول يشتغل بآلية الصورة وهذا ينطبق تماماً على الفن التشكيلي؟ ** من يقلل من أهمية النقد ينتبه الى أن تأريخ الحركة الإبداعية عموماً في الفن أو في الأدب لم تتطور إلا على أيدي النقاد الذين قدموا رؤى فنية وفكرية أسست للتيارات والمدارس والاتجاهات الإبداعية. المشكلة في من يقلل من أهمية النقد أنه يحاول أن يبدو عملياً «براغماتياً» بمعنى أنه لا يهتم إلا بمن سينجز العمل الإبداعي ويصم الآذان عن الكتابات والملاحظات وربما التوجيهات التي يقدمها النقاد والتي ينبغي أن يسمعها المبدع بشكل جيد. في تاريخ الحركة الإبداعية وعند المنعطفات المؤسسة لأي قفزة نحو الأمام كانت الشراكة ما بين المبدع والناقد هي الفضاء الذي يحتوي حوارات ونقاشات معمقة بينهما. * ربما تحيلني الفكرة على معاهد السينما التي يقودها نقاد ويتخرج من بين أيديهم صناع الفيلم، إخراجاً وتمثيلاً؟ ** وأضيف إلى كلامك أن بعض كبار السينمائيين في العالم وفي لحظات الضرورة وجدوا أن مهمتهم الجلوس إلى طاولة الناقد وممارسة الكتابة والتأمل فيما أنجزوه استكمالاً لاطروحات نظرية وملاحظات عملية كان نقاد آخرون قد تقدموا بها جراء المشاهدة المتعمقة للمنجز السينمائي. ثق أن العديد من السينمائيين والمبدعين عموماً يتكئون على العفوية والموهبة في ما يعملون وكان للنقاد أن وضعوا لهذا العمل قواعده وأصوله وضوابطه. * هل أجد في رأيك هذا تطابق العلاقة بين الناقد والفيلم كالعلاقة بين الناقد والقصيدة أم أن جزئيات السينما من صورة حية وعلاقات تناوبية تختلف عن بنية القصيدة الحديثة؟ ** إذا شبهنا الحركة الإبداعية بقاطرة فهي لا يمكن أن تتقدم إلا عبر سكتين يمثل الأولى فيها المبدع ويمثل الثاني فيها الناقد، ومن هنا أفضل القول إن العلاقة بين السينمائي والناقد هي علاقة شراكة، والأمر يختلف كثيراً عن العلاقة بين الشاعر أو القاص أو الروائي مع الناقد الأدبي. في السينما يتم التعامل مع الفيلم باعتباره نصاً إبداعياً تماماً كما يتعامل الناقد الأدبي مع القصيدة أو القصة أو الرواية أو كما يتعامل الناقد التشكيلي مع اللوحة. الفيلم باعتباره نصاً إبداعياً لابد له من ناقد يقوم بالعمل على قراءته وتحليله وتبيان دلالاته ورموزه واتجاهاته سواء كنص مفرد أو بالعلاقة مع السياق الخاص بالمبدع أو السياق العام في البلد أو المرحلة التاريخية. الفيلم من دون دور الناقد الذي يقوم بوضعه في سياقه التاريخي والإبداعي في خارطة هذا الفن سيكون صوتاً منفرداً سرعان ما يطبع في ملفات الذاكرة، لذا من الضروري الانتباه إلى أن واحدة من مهمات الناقد هي خلق وحفظ ذاكرة الحركة الإبداعية من خلال تسطير سجلات هذه الحركة وأرشفتها ومقارنتها في كل مرحلة تاريخية. * ونحن في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي كيف تنظر إليه أولاً والى واقع المهرجانات العربية التي تتنافس بالتأكيد على درجات التنظيم وتقديم الإبداع العالمي فيها؟ ** وجدت المهرجانات أصلاً لتكون فرصة لالتقاء السينمائيين وتواصلهم وتحاورهم ومناقشاتهم لواقع السينما وللاطلاع على الجديد بالإنتاج السينمائي، ومن ثم خلق حالة من التنافس بين السينمائيين بحثاً عن الأفضل، وعندما يفقد أي مهرجان واحدة من هذه الركائز فإنه يفقد جزءاً من هويته وغايته. لم توجد المهرجانات فقط من أجل لقاء المخرجين والمنتجين والنجوم. * بالرغم من أنها ضرورة؟ ** نعم هي ضرورة، ولكن ليست الضرورة الوحيدة، لذا من المهم للمخرج والمنتج والممثل أن يكتمل لقاؤهم بحضور الناقد والجمهور، ومن دون ذلك يتحول المهرجان إلى طابع سياحي ويفقد قيمته المعرفية واستراتيجيته التطويرية للحركة الإبداعية. لا يمكن لي أن أرى لجان التحكيم في أي مهرجان تقتصر على المخرج والمنتج والممثل وتتجاهل الناقد المحترف الذي من أدنى صفاته أنه يستوعب الحركة السينمائية في مرحلتها أو في بلدها وهو بالتالي الأكثر قدرة على التميز والمقارنة وإدراك أي مكانة يحتلها هذا الفيلم أو ذاك، في السياق العام للحركة السينمائية وليس فقط بالمقارنة مع ذاته أو مع عدد محدود من الأفلام وإلا كنا نقع بإرادتنا في حفرة الانقطاع عما أنجز وعما ينبغي أن ينجز. * هذا عن علاقة الناقد بالمهرجان، فكيف هي علاقة المهرجان بمثيلاته من المهرجانات؟ ** واحدة من أسوأ المشاكل التي نواجهها في عالمنا العربي هي انعدام أي تنسيق بين مهرجان وآخر، ليس فقط على مستوى تداخل المهرجانات وتوازيها، بل أيضاً على صعيد اختياراتها للأفلام وتوجهاتها، بحيث يبدو أن أي مهرجان منها يسعى بكل جهده للاستحواذ على أكبر قدر من الأفلام، حتى لو فقدت التناسق الداخلي في حضورها في مهرجان واحد. * وأعتقد أن هذا حق طبيعي في أن يحوز أي مهرجان سينمائي على المتفرد من الإنتاج السينمائي العالمي؟ ** هو حق طبيعي نعم، ولكن المشكلة مع انعدام التنسيق بين المهرجانات والتصور خطأ أن قيمة أي مهرجان تكون استناداً إلى عدد الأفلام وعروضها الأولى وليس أن أهمية المهرجان بهويته وسياسته واستراتيجيته التي ينبغي في النهاية أن تصب في مصلحة السينما وليس في مصلحة المهرجان فقط. يسود في عالمنا العربي نزعة نحو الدولية وهذا ما جعل المهرجانات تخوض صراعات عنيفة للحيازة على الأفلام ذاتها وفي الوقت نفسه. الأصل في الأمر أن يكون للمهرجان هوية وهي التي تحدد فيما إذا كان هذا الفيلم مناسباً للمشاركة في هذا المهرجان أم ذاك، وإلا ما الفرق بين مهرجان وآخر إذا كان كل فيلم جديد أو عرض أول غاية المهرجان وهدفه. أؤكد على الهوية التي ينبغي أن تكون واضحة في كل مهرجان وهي التي تؤسس بتمايزها أرضية تنسيق ما بين المهرجانات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©