الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام ... والنظافة

الإسلام ... والنظافة
3 يونيو 2010 20:55
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن اقتفى أثرهم وسار على دربهم إلى يوم الدين، أما بعد، لقد كرم الله سبحانه وتعالى بني آدم، ومن هذا التكريم طهارة البدن، حيث جعلها أساساً لصحة كثير من العبادات ، فالحرص على النظافة وإماطة الأذى من شُعب الإيمان، كما أن الطهارة عنوان المسلم الصادق، ومن المعلوم أن الإسهام في تعميم النظافة وسلامة البيئة سلوك حضاري، وقيمة إنسانية رفيعة يتميز بها المسلم، كما أن المحافظة على البيئة هدي إسلامي، له آثاره الإيجابية في سلامة الحياة وجمالها، وديننا الإسلامي الحنيف كان سبّاقاً إلى إقرار قواعد الصحة الوقائية في آدابه وتشريعاته. الدعوة إلى النظافة لقد مدح الله عباده المؤمنين بحرصهم على تنظيف أجسادهم وتنظيف ظواهرهم، كما ينظفون بواطنهم، فقال: [فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ] (سورة التوبة، الآية 108). والله يحب التواب الذي ينظف نفسه وأخلاقه، كما يحب المتطهر الذي ينظف بدنه وجسمه. فقد جعل الإسلام النظافة أساس العبادة ومفتاحاً لها، وجعل طهارة الجسم التامة أساساً لا بدَّ منه لكل صلاة، وجعل الصلاة واجبة خمس مرات كل يوم، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ? جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ] (سورة المائدة، الآية 6)، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نورٌ، والصدقة برهانٌ، والصبر ضياءٌ، والقرآن حجة لك أو عليك) (أخرجه مسلم). كما حث الرسول عليه الصلاة والسلام على نظافة الفم، فقال – صلى الله عليه وسلم -: (تسوّكوا فإن السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب، ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك، حتى لقد خشيت أن يفرض عليّ وعلى أمتي) (أخرجه ابن ماجه). كما ويوصي الإسلام بأن يكون المرءُ حسن المنظر، كريم الهيئة، حيث ألحق هذا الخلق بآداب الصلاة، قال تعالى: [يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ] (سورة الأعراف، الآية 31)، والثوب الطيب دليل طيب لابسه، ومن أول ما أوحى الله به إلى رسوله - عليه الصلاة والسلام - الحث مع تكبير الله على تطهير الثوب: ?[يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ] (سورة المدثر، الآيات 1-4)، كما وورد أن النبي – عليه الصلاة والسلام - رأى رجلا رأسه شعث، فقال: (أما وجد هذا ما يسكن به شعره؟) ورأى آخر عليه ثيابٌ وسخة، فقال: (أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه؟) ( أخرجه مسلم). كما وورد عنه – صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر، فقال رجلٌ: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، فقال: إن الله تعالى جميل يحب الجمال) (أخرجه البخاري). العمل شرف إن العمل شرف مهما كان متواضعاً، فقد روي أن أحد الأمراء مر على عامل نظافة وهو يكنس الشوارع وينشد قائلاً: وأكرم نفسي إنني إن أهنتها وحقك لم تكرم على أحد بعدي فقال الأمير للعامل: وأيّ إكرام هذا الذي أكرمت به نفسك وأنت تعمل كناساً؟! فقال له العامل بكل عزّة: إن عملي هذا أفضل من أن أقف على أبواب اللئام أمثالك يعطونني أم يمنعونني. نعم العمل شرف، مهما كان العمل متواضعاً، فالمجتمع بحاجة إلى كل يد عاملة مخلصة تخدم وطنها وتسهم في بنائه، ورحم الله القائل: النّاس للنّاس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خَدَمُ حق الطريق وقد جعل الإسلام للطريق حرمة يجب أن تراعى، حيث نهى الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، أصحابه عن الجلوس في الطرقات، لما في ذلك من حرج للمارة، ومصادرة للمنفعة العامة، لأن الطريق ليست مكاناً للجلوس، بل هي مرافق عامة ينتفع بها في حركة المرور، وحين عرضوا عليه صلى الله عليه وسلم، اضطرارهم للجلوس على جوانبها، طلب إليهم أن يوفروا للطرق حقها، من تجنب إيذاء المارة بالقول أو الفعل، أو حتى بالنظرة الجارحة، وطلب منهم رد السلام حتى يشعر مرتاد الطريق بالأمن والأمان، فإماطة الأذى عن الطريق صدقة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) (أخرجه النسائي). نظافة القلب لقد أهاب الإسلام بالمسلمين أن يبتعدوا عن الحقد والغلِّ لأنَّ الإنسان البعيد عن هذا المنكر، المحب للناس، غير الحاسد لهم أو الحاقد عليهم يكون قريباً من رحمة الله، مستحقاً لجنته؛ لأنّه نفَّذ أوامر ربه، وترك ما نهاه عنه الحديث الشريف، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه: “كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد، قال النبي مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال النبي مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما تبع الرجل، فقال: إنّي لاحيت أبي، فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً: فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت! قال: نعم، قال أنس: فكان عبدالله يحدّث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً، غير أنّه إذا تعار-تقلب في فراشه- ذكر الله عز وجل حتى ينهض لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الليالي الثلاث، وكدت أحتقر عمله، قلت: يا عبدالله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “(ثلاث مرات) يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل!! فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله؟ قال: ما هو إلا ما رأيت. قال عبدالله: فلما وليت دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك!!”(أخرجه أحمد بن حنبل). وفي رواية: “ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي، إلا أنّي لم أبت ضاغناً على مسلم”(مسند البزار 2/77). لقد رفع الله سبحانه وتعالى شأن هذا الصحابي لنظافة قلبه، وطهره من الحقد والغلِّ والحسد لأنَّ الإيمان والحسد لا يجتمعان في قلب عبد مؤمن: كما قال عليه السلام: (ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد) (أخرجه ابن حبان ). فالحسد والبغضاء تأكل الحسنات كما تأكل النار العشب، كما أن انتشار هذا المرض الاجتماعي الخطير ينذر بتفكك المجتمع، وضياع أفراده. مناشدة لإخواني الكرام يجب علينا أيُّها الإخوة الكرام أن نحافظ على نظافة قلوبنا، وعلى نظافة جوارحنا، وعلى نظافة أجسادنا، وعلى نظافة مجتمعنا، وعلى نظافة مدننا، وقرانا، خصوصاً ونحن على أبواب فصل الصيف، كما ويجب علينا العمل على إماطة الأذى عن الطريق، فما زال حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتردد على مسامعنا: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) (أخرجه مسلم). وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©