فلج الذيد رمز أثري ومحطة القوافل

فلج وشريعة الذيد رمز أثري، ومحطة استراتيجية لالتقاء القوافل القادمة إلى إمارة الشارقة أو الخارجة منها إلى مناطق أخرى في المنطقة الشرقية، حين كان الناس يسافرون على الإبل إلى كلباء وخورفكان ودبا ومسافي، وأيضا إلى البثنة وإلى سلطنة عمان، وكان أهل الإمارات يأتون من كل مكان لقضاء وقت بجانب الفلج، ويستمتعون بمشاهدة مياهه الجارية التي تمر وتروي بساتين المزارعين القدامى، وكانت المياه تأخذ طريقا في مشهد خلاب عبر الفلج. لا يزال مشهد تلك القوافل مضيئا في ذاكرة بعض رجال الذيد الكبار في السن، ولا يزال الجيل الذي ولد في الخمسينيات يتذكر الرحلات التي كان يقوم بها آباؤهم إلى فلج الذيد أو الشريعة، فقط من أجل أن يعيشوا لحظات ذكرياتهم القديمة، وتتراءى لهم مشاهد الرجال وهم يستحمون في المياه الجارية طلبا للبرودة ومن أجل متعة السباحة في مكان وفير بالماء، وفي ذات الوقت تجلس النسوة وهن يغمسن أقدامهن في المياه الجارية، وبجانبهن القهوة والرطب وبعض الفواكة الشعبية الخاصة بموسم الصيف. النخل الباسقات التي جفت في مرحلة من مراحل الطفرة نتيجة تدني مستوى المياه، عادت لتنهل من معين الشريعة، بعد إن تم مد وريد المياه عبر ضخها بطرق حديثة، بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة، الذي لا يألو جهدا في سبيل المحافظة على معلم من المعالم الأثرية أو رمز من الرموز التراثية، والجهود جارية لإعادة الأمور إلى أوضاع أفضل عن طريق الدراسات والأبحاث. فلج الذيد رفيق الرجال الذين كانوا يملكون مزارع بالقرب منه، وأيضا كان صديقاً للشيوخ الذين لهم مسكن أثري بالقرب منه، ولا يستطيع أحد أن يحدد حقبة لفلج الذيد، ولكن “ج.ج لوريمر” وهو أحد الباحثين والرحالة المستشرقين له موسوعة تحمل اسم دليل الخليج كتب فيها عام 1905 أن مزارع النخيل في الذيد تشكل واحة قطرها حوالي ميل، ويرويها فلج غزير يأتي من وادي حقاله إلى الجنوب الشرقي، ويجري عبر الأراضي المحيطة بالقلعة التابعة للشارقة وهو في طريقه للواحة، ويبلغ عرض الفلج حوالي ثلاثة أقدام وعمقه قدمين، وكان ذلك قبل حصر مياهه تمهيدا للري، ومياهه صافية وشفافة وذات اندفاع قوي، والمسؤول عن توزيع المياه هو ممثل الحاكم في الذيد، وربما ما لم يعرفه لوريمر أن تلك الطريقة التي كان يتبعها الحاكم هي التوزيع حسب الحصص في الشريعة الإسلامية وربما لذلك سميت الشريعة. يذكر أن الشيخ سالم بن سلطان القاسمي الذي حكم الشارقة في الفترة من 1868 إلى 1883 كان أول من اهتم بالفلج، نظرا لأهميته لأهالي الذيد الذين كانوا يعتمدون عليه كثيرا في ري مزارع النخيل ولزراعة محاصيل القمح والشعير، وقد تمت الاستعانة بشخص خبير بالأفلاج من واحة البريمي من أجل تحديد مسارات ومجاري الفلج، أما اليوم فتتولى بلدية الذيد شؤون الفلج، ولذلك عملت على حفر آبار في منطقة البردي، ومدت أنابيب حتى ثقبة الوديمة التي تفرغ المياه في الفلج وتتجه إلى مزارع النخيل. يقول علي مصبح الطنيجي مدير بلدية الذيد إن الفلج الذي يزود الواحة بالماء يتكون من أربعة روافد وأفلاج جانبية، وهي تشكل في النهاية رافدا رئيسيا وهي فلج الحرملي وفلج الثمامي وفلج البردي وفلج مليحة، حيث أن معظمها ينطلق من أحواض جوفية من الجبال الجنوبية الشرقية، التي تطل على مدينة الذيد وتبعد عنها مسافة 20 كيلو مترا شرقا. إن المجتمعات التي نشأت حول الأفلاج تبنت نظاما اجتماعيا يرتبط ارتباطا وثيقا بالفلج نفسه، وكانت أكثر المباني أهمية في تلك التجمعات السكانية هو الحصن المقام لحماية المصدر القيم للمياه، وتم إنشاء الحصن بالقرب من النقطة التي تبرز عندها قناة الفلج، ويمكن من خلاله مراقبة الذيد وجدول المياه العابر في الشبكة وهو يتجه نحو الجبال، ومن الخطوات التي كانت تعمل على الاستفادة من الفلج، يتم جر المياه عبر قنوات عديدة إلى حيث مزارع النخيل وفي المزارع، حيث كانت تتوفر سلسلة معقدة من القنوات السطحية والسدود المكونة من جذوع أشجار النخيل، من أجل جر المياه من حوض لآخر حتى تغمر كل مزرعة بالمياه الموجودة لغرض الري إلى ارتفاع يصل إلى الكواحل، وذلك بموجب نظام زمني للري متعارف عليه ويتم اتباعه بكل أمانة، حيث إن لكل مزارع الحق في جريان المياه إلى مزرعته لفترة معينة متفق عليها بين القاطنين.