الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من الوطنية إلى القومية

من الوطنية إلى القومية
6 ابريل 2011 21:33
انتشرت في مصر، كما في عدد من البلدان العربية أحزاب وتيارات في النصف الاول من القرن العشرين، تعمل على النهوض بالبلاد وتقدمها، وكانت هذه التيارات من واقع الإعجاب بتجارب ونماذج أوروبية بدت ناجحة وقتها، وفي مقدمتها الفاشية في إيطاليا والنازية في المانيا. فقد صعد موسوليني الى الحكم في إيطاليا عام 1922 داعيا الى إحياء مجد روما القديمة، ونجح موسوليني نجاحا أذهل العالم وقتها، وبعده صعد هتلر الى حكم المانيا عام 1933 ورد الى المانيا اعتبارها بعد الهزيمة المدوية التي تعرضت لها في الحرب العالمية الأولى. وفي مقدمة الذين اعجبوا بموسوليني احمد حسين فأسس حزب “مصر الفتاة” ولم يكن احمد حسين وحده، ففي العراق تأسست الكشافة والحزب القومي في سوريا وفي لبنان ظهرت الكتائب والقمصان الحديدية والوحدة اللبنانية وخارج العالم العربي ظهرت جماعات وحركات شبيهة. مجد الفراعنة وحاول احمد حسين ان يبحث عن موسوليني ببعث مجد الفراعنة ويقوم بإحياء نهضة مصر، واقتنع بأسلوب الفاشية اي استخدام القوة في تحقيق أهدافها، مما يعني نبذ أسلوب المفاوضات الذي كان حزب “الوفد” يعتمد عليه في التعامل مع الانجليز منذ ثورة 1919 وكان احمد حسين يرى ان المفاوضات لا تكون إلا بين ندين متكافئين، اما اذا قامت بين طرف ضعيف وآخر قوي، فسوف تنتهي بأن يفرض القوي رأيه على الضعيف. وراح احمد حسين يهاجم الانجليز بضراوة والاجانب عموما في مصر، ونظرا لان الحزب كان بلا قاعدة جماهيرية واسعة وضد المجرى الشعبي العام الذي يمثله “الوفد” لذا راح احمد حسين يتحالف مع القصر حينا ومع أحزاب الأقليات حينا اخر، وقد ينقلب عليهم بعد ذلك، إلى ان قامت الحرب العالمية الثانية فاتصل بالايطاليين وبالالمان، ولم يكن وحده من فعل ذلك فقد اتصل غيره بهم، وكان ذلك من باب الشماتة بالانجليز أو عدو عدوي صديقي، ولما تأكدت بريطانيا من موقف “مصر الفتاة” واتصالات احمد حسين اعتقلت قيادات الحزب عام 1941 فضلا عن بعض جماهيره، وأغلقت الصحيفة وهكذا توقف الحزب عمليا وفي عام 1944 حين لاح انتصار الحلفاء، ولم يعد هناك خوف من الالمان والإيطاليين تم الإفراج عن المعتقلين وحاول احمد حسين العمل على احياء الحزب من جديد، لكنه لم يجد الى جواره أحدا من اعضاء “مصر الفتاة” القدامى الذين شاركوه الاعتقال وظل يردد أفكاره في ان تصبح مصر دولة شامخة قوية تتألف من مصر والسودان وتتحالف مع الدول العربية والإسلامية وتغيرت طريقته وطريقة الحزب في الكفاح، حيث دعا الى النهوض بالصناعة المصرية وإدخال صناعات جديدة فضلا عن إقامة جيش وطني قوي، وبسبب الميول الحادة لاحمد حسين ظل موضع اتهام دائم ففي عام 1945 حين تم اغتيال احمد ماهر كان احد الذين حامت حولهم الشبهات وتكرر الامر مع اغتيال النقراشي عام 1948 وحسن البنا في فبراير 1949 ولما وقع حريق القاهرة تم اتهامه بالضلوع في الجريمة وحوكم وصدر بحقه حكم بالإعدام الى ان قامت ثورة يوليو 1952 وتم الإفراج عنه واتجه إلى الكتابات الإسلامية. كان عداء “مصر الفتاة” للانجليز معلنا ومؤكدا لذا شاركت في مظاهرات أو انتفاضة عام 1935 حتى ان احد زعمائها وهو المهندس ابراهيم شكري أصيب في هذه المظاهرات وفي نهاية الثلاثينيات شهدت مصر تهديدا من جماعة الاخوان المسلمين تمثل في اجتذاب الاخوان لشباب “مصر الفتاة” وتبنى عزيز المصري والحاج امين الحسيني أندماج “مصر الفتاة” في الاخوان لكن حسن البنا رفض ذلك بشدة ولما اتجه احمد حسين الى البعد الاسلامي في عمله السياسي وجد هجوما شديدا من جماعة الاخوان فقد اتهموه بانه لا يصلي وكذلك فتحي رضوان لذا توترت العلاقات بين الجانبين وهاجم رجال “مصر الفتاة” حسن البنا بضراوة خاصة بعد ان رفض البنا قيام شباب “مصر الفتاة” بتحطيم الحانات واعتبر البنا ذلك مسلكا مخالفا للقوانين المعمول بها في مصر لكن فيما بعد تحسنت العلاقة بين الجانبين، خاصة بعد ان عمل احمد حسين على ضم حزبه الى “الحزب الوطني الاسلامي” حيث رحبت صحف الاخوان بكيانه. توجه عربي اهتم احمد حسين و”مصر الفتاة” بكل القضايا العربية تقريبا وحين قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق ساندها ودعا إلى قيام ثورة أو حركة مثيلة في مصر مما أغضب الانجليز عليه، ويقول بعض الدارسين ان اهتماماته العربية جاءت من ارتباطه الشديد بشخصية عزيز المصري لذا فقد اهتم بما يجري في المغرب وارتبط بعلاقات ودية مع زعماء المغرب. ومن بين القضايا العربية لم تنل قضية اهتماما منه مثل القضية الفلسطينية، ورغم ان “مصر الفتاة” نشأت لسبب محلي مصري خالص، لكن سرعان ما فرضت القضية الفلسطينية نفسها على اهتمامات الحزب ورئيسه، وقامت علاقة بين احمد حسين ومفتي القدس الحاج امين الحسيني وازداد الاهتمام بفلسطين بعد ثورة 1936 وبعد الثورة حين ظهر مشروع تقسيم فلسطين واقامة دولة يهودية بناء على تقرير اللجنة الملكية البريطانية هاجمت “مصر الفتاة” ذلك التقرير بشدة منبهة الى الخطر المحدق من جراء قيام دولة يهودية في قلب الوطن العربي وان اليهود ان كانوا في مشروع التقسيم منحوا شريطا ساحليا ضيقا في فلسطين فإن ذلك ليس إلا اول الغيث، ولن يلبث حتى ينهمر فيبتلع بقية فلسطين، واشارت “مصر الفتاة” بوضوح الى خطورة قيام دولة يهودية على حدود مصر الشرقية. وتردد احمد حسين على السعودية عدة مرات واقام عدة اتصالات مع الملك عبدالعزيز وفي عام 1940 ادى فريضة الحج هو وعدد من أفراد أسرته في ضيافة الملك عبدالعزيز، وفي كل زيارة كان يلتقي بعدد من ملوك العالم الإسلامي خطيبا ومتحدثا عن أمجاد الإسلام وتاريخه العظيم وكانت لديه فكرة إنشاء الجامعة الإسلامية. ويرى بعض الدارسين ان تكرار زياراته للسعودية ودعوته هناك كانت رد فعل لتقييد حركته في مصر. وفي العموم فإن حزب “مصر الفتاة” اتسم بالرفض للوجود الاجنبي في مصر وكل البلاد العربية والإسلامية خاصة الوجود الاستعماري والذي تمثل في الإنجليز والفرنسيين لذا اختصهم الحزب وقادته بالهجوم العنيف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©