الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا.. لماذا فشل الانقلاب الأخير؟

18 يوليو 2016 21:54
وفقاً للجدول الزمني للتاريخ الحديث، يمكن اعتبار المحاولة الانقلابية في تركيا نهاية الأسبوع الماضي متخلفة عن ذلك الجدول بعقد من الزمن تقريباً. فخلال الجزء الأكبر من الأعوام الأربعين الماضية، وتحديداً منذ بداية الستينيات، نجح الجيش التركي في إطاحة الحكومات التي لم يكن راضياً عنها، بمعدل حكومة واحدة كل عقد تقريباً. وخلقت فترة الـ20 عاماً بين آخر تدخل آخر عسكري العام 1997، والانقلاب الذي وقع نهاية الأسبوع الماضي، انطباعاً لدى البعض في تركيا والغرب بأن عصر الانقلابات العسكرية قد ولّى فعلاً. وهذا هو السبب الذي جعل كثيرين، خصوصاً من الأتراك، يصابون بالذهول وهم يرون الدبابات تَهدِر في شوارع إسطنبول، وبدا لأول وهلة أن الجيش قد عاد لسابق عادته في التدخل بتشكيل السياسة التركية. ولكن الأمر لم يكن على هذا النحو، حيث تمكن أردوغان، الذي بدا مصدوماً عند عودته من عطلته، من استعادة زمام السيطرة على الأمور.. لماذا؟ بالإضافة إلى عدم الكفاءة الواضحة لدى المخططين للانقلاب، كان أردوغان قادراً على حشد أنصاره في الشوارع عبر استخدام تطبيق «فيس تايم»، الذي جرى بثه على شبكة «سي إن إن» التركية. وهناك ثلاثة أسباب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعضها ببعض، تفسر لماذا تمكن أردوغان وحزب العدالة والتنمية من السيطرة على الأوضاع من جديد. أولاً، إن تركيا قد تغيرت منذ تلك الفترة، التي كانت الانقلابات تبدو فيها سمة روتينية مميزة لسياسات البلاد، حيث أصبح مجتمعها أكثر تعقيداً، وأصبحت الدولة ذاتها أكثر اندماجاً في المنظومة العالمية، ولم تعد تهمة عدم التماشي مع المبادئ الكمالية التي كان الجيش يستخدمها ذريعة لترويع الخصوم، صالحة للاستخدام. ثانياً، إن سبب نجاح الانقلابات السابقة يرجع إلى كونها تتمتع بدعم مدني كبير. فعندما هدرت الدبابات أمام مبنى الجمعية الوطنية الكبرى، ومقر رئاسة الوزراء في 12 سبتمبر 1980، تنفس الأتراك الصعداء لأن الجيش وعد بوضع نهاية للعنف، الذي كان مستعراً بين القوى اليمينية والقوى اليسارية، والذي نتج عنه مصرع الآلاف خلال السنوات الأربع السابقة لذلك التاريخ. أما تدخُّل 1997، الذي يطلق عليه أحياناً «الانقلاب الأبيض» أو «الانقلاب ما بعد الحداثي» فقد كان تتويجاً لجهود العسكريين للتعاون مع المنظمات النسائية، والأكاديميين، والنخب الكوسموبوليتانية، والإعلام «الميديا»، والمشروعات الكبيرة من أجل زعزعة استقرار، ونزع الشرعية عن الحكومة الائتلافية، التي كانت في ذلك الوقت تحت قيادة حزب إسلامي انحدر منه حزب العدالة والتنمية الحالي. وعلى النقيض تماماً من هذا، كان ذلك القطاع من الجيش الذي سعى لقلب نظام الحكم نهاية الأسبوع الماضي، يمتلك دعماً شعبياً محدوداً. ثالثاً، وأخيراً، إن الانقلاب الأخير كان مقدراً له أن يفشل بسبب شخصية أردوغان وما يمثله لقواعده الانتخابية، وما قام بتحقيقه من إنجازات عديدة منذ أن جاء إلى السلطة. صحيح أن تركيا، عبر السنوات الأخيرة، عرفت قمعاً للصحفيين، كما سعى حزب العدالة والتنمية للتدخل في إعادة تشكيل القضاء، وضعفت الضوابط والقيود المفروضة على السلطة التنفيذية إلى حد كبير، ومارس عدد من الوزراء الحكوميين الفساد من دون أن تطالهم يد القانون، إلا أن هذا المنحى السلطوي، لم يدفع من انتخبوا الرئيس لمساندة المحاولة الانقلابية. وإذن فقد نجا أردوغان من محاولة التدخل العسكري الفاشلة، ونجح في إظهارها على أنها تمثل إهانة للديمقراطية التركية، ولكن على ما يبدو أن هناك شيئاً أكبر من السياسات الديمقراطية كان يدور في ذهنه. فعندما عاد إلى إسطنبول، أدلى بتصريح قال فيه إن ذلك الانقلاب «هبة من الله.. لأنه سيساعدنا على استرداد جيشنا من قبضة أعضاء العصابة»، ويقصد أتباع رجل الدين المنفي «فتح الله كولن». والمعاني الضمنية لذلك التصريح واضحة، وهي أن حزب العدالة والتنمية سيعمل من الآن فصاعداً على تعقب الخصوم -الحقيقيين والمتخيَّلين- من دون أن يخشى عقاباً، وهو ما سيؤدي إلى تعزيز سلطة أردوغان الشخصية ويغذي طموحاته لتحقيق المزيد من التحولات في تركيا. وما يمكن قوله في خاتمة المطاف أن المحاولة الانقلابية الفاشلة، وبدلًا من أن تكون فرصة للديمقراطية، ستؤدي إلى تعزيز سلطوية تركيا المنتخبة. * زميل في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©