الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليبيا والإرهاب.. الأسوأ لم يأت بعد

3 يونيو 2017 23:28
أكثر من علامة استفهام ترتسم في الأفق حول ليبيا ومصيرها، وكذا تأثير ما يجري فيها على دول الجوار، سواء أكانت دولاً عربية أفريقية مثل مصر بنوع خاص، أو الدول الأوروبية المشاطئة على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط. السؤال الأول: ما الذي يمكن فعله تجاه الإرهاب المستشري في الداخل الليبي؟ ما جرى في مانشستر البريطانية، ثم في محافظة المنيا المصرية، يدفعنا للتفكير في ليبيا التي تحولت إلى بؤرة ملتهبة من الإرهاب الدولي. في بريطانيا أثبتت التحقيقات أن «سلمان العبيدي» وثيق الصلة بـ«داعش ليبيا»، وفي صعيد مصر تتوافر الأدلة القاطعة على أن من اعتدى على حافلة الأقباط كانوا من «الدواعش». لم تكن حادثة مانشستر هي الأولى من نوعها في أوروبا، فقد سبقتها عمليات في لندن وفرنسا وبلجيكا عطفاً على ألمانيا، وقد كان الصادر الإرهابي الليبي يقف وراءها دون أدنى شك. أضحت ليبيا دولة فاشلة بمطلقية المشهد، وباتت أراضيها ساحة جديدة للعبة الأمم الأصولية والراديكالية، لا سيما الدول التي تشجع الإرهاب تشجيعاً واضحاً. منذ سقوط نظام القذافي لم تتوان قطر وتركيا على العمل معاً لجعل ليبيا حاضنة لتيارات الإسلام السياسي، وملاذاً للجماعات الإرهابية، الأولى بالتمويل والثانية بالتسليح والتدريب. أصبحت ليبيا الآن «عش الدبابير الإرهابية» بقيادة أسماء من نوعية «علي بلحاج» رجل «القاعدة» الشهير، الذي ابتعثته قطر خصيصاً، عطفاً على «مختار بلمختار»، المسؤول عن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، و«كتيبة المرابطين»، ولا يعلم على وجه الدقة كم من آلاف الإرهابيين الآن على الأراضي الليبية، في حين تبقى الكارثة الأكبر خلف الباب..ماذا عن ذلك؟ لعل ما نراه في سوريا والعراق من اندحار يتبعه انحسار لـ«داعش» جعل ليبيا البديل اللوجستي الأنفع والأرفع لكل الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، سيما وأن خطط الممولين والمسلحين تقوم على الانتشار والتوسع في دول شمال غرب أفريقيا، وتالياً التعمق والانتشار في وسط وجنوب القارة الأفريقية. خطة الإرهاب «القاعدي» و«الداعشي» ترمي إلى جعل القارة السمراء، حيث كثير من دولها ضعيفة وحدودها مفتوحة والبطالة فيها سائدة، وحروبها الأهلية رائجة، موطناً جديداً لنشوء وارتقاء طبعة جديدة من التنظيمات الإرهابية، ولهذا العمل جارٍ على قدم وساق لاستجلاب الآلاف من الأفارقة عبر الإغراءات المالية التي تصل إلى ألف دولار شهرياً، وهو رقم في دول تعاني الفقر والفاقه - لو تعلمون- رهيب، ليضحوا خزاناً بشرياً لجيش أفريقي وأممي إرهابي، ناهيك عن لعب الممولين والمسلحين على الأوتار الدوجمائية والصراعات المذهبية في القارة السمراء، واستغلال جماعات قائمة بالفعل مثل «بوكو حرام» وغيرها. علامة الاستفهام التالية: من أين للدواعش مثل هذه الملايين من الدولارات؟ مؤكد هناك دول تكاد تكون معروفة للجميع ُتمول وبسخاء، سواء كان التمويل منطلقه براجماتي، بمعنى الحصول على مزايا مقابلة كشراء النفط والآثار المهربة عبر أفراد «داعش»، أو جاء التمويل انطلاقاً من رؤية عقائدية من قلب مبادئ الإسلام السياسي، وفي الحالتين تبقى قطر من جديد في المقدمة، بأحلامها في أن تتحول إلى رقم صعب في معادلة الشرق الأوسط، تعويضاً عن مركب نقص سببه انعدام تاريخها، وضآلة جغرافيتها. استفهام آخر: لماذا يقف المجتمع الدولي صامتاً أمام الإرهاب الدائر هناك، ولماذا الإصرار على عدم تسليح الجيش الليبي الوطني حتى الساعة؟ في انتظار الجواب كان شرعة وميثاق الأمم المتحدة، سيما المادة 51 تتيح للدول والأفراد حق الدفاع عن النفس، وهذا ما ذهبت مصر في طريقه، بعد أن أدركت - حكومة وشعباً- أن سيناريوهات «داعش» إنما ترمي إلى زعزعة استقرار البلاد، وخلخلة النسيج المجتمعي للعباد، عطفاً على الإطاحة بحالة السلم المجتمعي، عبر الصراع الطائفي والديني. وعلى الجانب الآخر من المتوسط يزداد مشهد الإرهاب الوارد من ليبيا خطورة، ولهذا ارتفعت بعض الأصوات السياسية الأوروبية مثل «مارين لوبان» زعيمة «الجبهة الوطنية» مطالبة بتعاون فرنسا مع كل من روسيا والولايات المتحدة، بما يخدم مكافحة التيارات الراديكالية. لوبان لم تغفل حقيقة مرة تتصل ببلادها، وهي أن فرنسا مسؤولة عن جزء كبير من الفوضى التي تشهدها ليبيا في الوقت الراهن، في إشارة لا تخطئها العين للدور الذي لعبته حكومة ساركوزي في إسقاط القذافي. ما يجري على الأراضي الليبية اليوم فتنة أصولية كارثية، إذ تتحول إلى معين بشري إرهابي لوجستي على الأرض، وموئلاً فكرياً لانتشار أفكار الإرهاب حول العالم، وكأن هناك من يريد تعميق الصراع بين الغرب والإسلام، كما تقول مجلة «نيوزويك» الأميركية في عدد أخير لها، إذ تشير إلى أن الإرهاب يعمل على تكثيف ضرباته للآمنين خلال شهر رمضان. ليبيا في حاجة إلى خطة أممية عاجلة، وإلا فالأسوأ لم يأتِ بعد. *كاتب مصري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©