الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

لمسات ناعمة بتوقيع ربة منزل وعازفة بيانو

لمسات ناعمة بتوقيع ربة منزل وعازفة بيانو
18 يوليو 2016 21:27
نيقوسيا (أ ف ب) لمسات ناعمة لكن كلها تصميم وجرأة وتألق، أضافتها الهولندية فاني بلانكرز كوين والفرنسية ميشلين أوسترماير على دورة لندن الأولمبية عام 1948، الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، وحققت بلانكرز أربع ذهبيات، على طريقة الأميركي جيسي أوينز عام 1936، فكان احتفالاً بإنجاز غير مسبوق، حققته أم وبطلة مثالية. وحملت العازفة أوسترماير على منكبيها مسؤولية كبيرة، فكتب أحد المراسلين معلقاً على أدائها: «شابة أنيقة في الرمي والأسلوب، متمكنة وبارعة، ابتسامتها مفعمة بالحياة وحيوية الرياضة، جد مرتاحة تدخل المسابقة واثقة من نفسها». كانت فرنسينا «فاني» بلانكرز كوين، امرأة من ذهب رغم سنواتها الثلاثين، هيمنت على سباقات السرعة، فحققت 11.9 ث في 100 م، و24.4 ث في 200 م، وأسهمت في فوز بلادها في التتابع 4 مرات 100 م (47.5 ث) أمام أستراليا وكندا، وسجلت 11.2 ث في الـ80 م حواجز. وبين التصفيات والنهائيات فازت فاني في 11 سباقاً على مضمار موحل في غضون ثمانية أيام. وشاركت فاني في دورة برلين عندما كانت في سن 18 عاماً، حيث حلت سادسة في الوثب العالي وخامسة في التتابع 4 مرات 100 م. ولعل أبرز انتصاراتها في ذلك العام حصولها على توقيع الأسطورة جيسي أوينز. نشأت فاني في عائلة مزارعة، وفي المدرسة تلقت علوماً في التدبير المنزلي والخياطة والعناية بالحديقة وركوب الدراجة الهوائية، وزاولتها في أوقات الفراغ القليلة. تربية عامة لربة منزل بعيداً عن طرق التدريب والتحفيز الرياضي. لكن فاني انجذبت إلى الرياضة في سن الرابعة عشرة، وأفصحت عن «مكنوناتها الأولمبية» أمام أستاذ للتربية البدنية فأخذ بيدها وبعد عامين نصحها بمزاولة ألعاب القوى ما دامت هناك سبّاحات جيدات كثيرات. بدأت فاني التدريب تحت إشراف يان بلانكرز البطل السابق في الوثبة الثلاثية، فسجلت مشاركة نوعية في برلين عام 1936. وبرزت في سباق الـ800 م الذي حُذف من البرنامج الأولمبي بعد دورة 1928. وأول غيث أرقامها العالمية كان معادلتها رقم الـ100 ياردة (11 ثانية، رقم أوروبي)، ثم خاضت بطولة أوروبا في باريس عام 1938، وتزوجت مدربها عام 1940. وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وها هي السيدة بلانكرز كوين تحرز ذهبيتين في بطولة أوروبا عام 1946 في أوسلو، بعدما نجحت خلال سنوات الحرب في أن تحافظ على لياقتها وقوامها رغم صعوبات كثيرة، واستطاعت تحطيم الرقمين العالميين للوثب العالي والطويل عام 1943، ثم كان الحصاد في لندن وفيراً. فقد جاء رد ابنة الثلاثين في الميدان على منظمي الدورة الذين وصفوها بـ«العجوز» التي يستحيل اختراقها الصفوف الأولى. فتفوقت في الـ100 م على حساب البريطانية دوروثي فانلي بفارق 3 أمتار، وبنحو 6 أمتار على البريطانية الأخرى أودري وليامسون في 200 م. وزمنها في 80 م حواجز هو الرقم العالمي الوحيد خلال الألعاب رغم انطلاقتها السيئة. كانت «الأم» فاني تستغرب الاهتمام بها وترفض الإطراء قائلة: «ما أقوم به عادي جداً فأنا لست سوى عدّاءة سريعة». لكن «الهولندية الطائرة» كانت ماهرة على المضمار كمهارتها في الطهو وتحضير الأطباق الشهية. وفي «هلسنكي 1952» تعثرت فاني في سباق 80 م حواجز وغادرت بالدموع، لكنها ظلت شاهدة على العصر الرياضي الجديد وتطوراته المتسارعة حتى وفاتها في 25 يناير 2004 في هوفدورب عن 85 عاماً. أما الفرنسية أوسترماير فكانت تنافس بفن وموسيقى، عازفة البيانو بطلة رمي القرص والكرة الحديد وثالثة الوثب العالي. وعموماً الموسيقيون يخافون على أيديهم، وأوسترماير كانت تجد في الرياضة راحة لهما. وقد ساعدها العزف على احترام الإيقاع في خطوات الرمي وحركة الدوران. كما منحتها الموسيقى لاحقاً فسحة أمل لمجابهة الصعوبات في حياتها، ومنها مأساتا فقدانها زوجها رينيه جازاريان وولديها جوال وآلن. احتفت أوسترماير بإنجازها، وعزفت في مكان إقامة البعثة الفرنسية على بيانو متهالك. وفي اليوم الأخير من الدورة دعاها رئيس اللجنة الأولمبية الفرنسية إلى حضور أمسية لموزار. وأعلنت بعد الألعاب أنها تعود إلى الموسيقى لأنها مستقبلها ومهنتها و«الميداليات جزء من الماضي». تميزت أوسترماير بمواصفات جسدية قياسية (1.78 م، طول الساقين 83 سم، 72 كجم). وكانت عريضة المنكبين، تبدو دائما واثقة من نفسها، مستغرقة في التركيز، لكنه تشتت خلال مسابقة الوثب العالي (حلت ثالثة مسجلة 1.61 م)، إذ صادف موعدها مع النهاية الدراماتيكية لسباق الماراثون، وتشجيعها وباقي أفراد البعثة الفرنسية فريق التتابع 4 مرات 400 م (رجال) الذي حل ثانياً. نشأت أوسترماير في تونس حتى سن المراهقة مع والدتها الرياضية والعازفة. وكانت موهوبة رياضياً منذ صغرها، ومجتهدة أيضاً، إذ حفظت حروف الأبجدية في عمر السنتين ونصف السنة. وباتت في سن الـ17 تتفوق على أقرانها الفتيان في الجري. وقدمت حفلتها الموسيقية الأولى في سن الـ12. حتى إنها أحرزت الجائزة الأولى للكونسرفتوار الفرنسي (المعهد الموسيقي) عام 1946 في باريس، وفي اليوم التالي توجت بطلة لفرنسا في دفع الجلة في بوردو! وقبل ثلاثة اسابيع من ألعاب لندن، لم تكن أوسترماير قد زاولت رمي القرص فتعلمت مبادئه سريعاً، وتأهلت للمسابقة وراحت تحسن رقمها في المحاولات تباعاً. وتفوقت في المحاولة الأخيرة بفارق 75 سنتيمتراً على الإيطالية إيديرا كورديالي جنتيللي (41.92 م في مقابل 41.17 م). وتعترف أوسترماير، الراحلة عام 2001 عن 78 عاماً، بأن أعصابها كانت مشدودة في مسابقة الجلة «لأنها اختصاصي والأنظار مصوّبة عليَّ، فأضعت بذلك فرصة تحطيم الرقم العالمي مكتفية برمية بلغت مسافتها 13.75م، علماً بأن تخطي الـ14م كان في متناولي»، وأسفت لإخفاقها في تحقيق هذا الهدف «فلم أستفد من الطقس المشرق بعد أسبوع ماطر».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©