الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هواجس وأسئلـة حــــول راهــن ومستقبل السينما الخليجية

هواجس وأسئلـة حــــول راهــن ومستقبل السينما الخليجية
9 أكتوبر 2009 00:56
ينعت البعض السينما الخليجية بأنها ما زالت تقف على أرض مهتزة، ولا أمل في إنعاش النظرة التفاؤلية تجاهها، فالضمانات التي يمكن أن يقدمها المستقبل لهذه السينما هي ضمانات غير موثوق بها، وتكسوها ملامح ضبابية وغائمة. أصحاب هذه النعوت ربما كانوا غائبين وبعيدين عما يعتمل ويموج في الراهن الفني للمنطقة، وتوصيفاتهم إنما تتكئ على أسباب وشواهد ومرجعيات ثابتة في ذهن الناعت، وتتعلق ـ حسب تفسيرات ضيقة وأحادية ـ بواقع المنطقة السوسيولوجي والمعرفي والثقافي المتراكم والمعيق في ذات الوقت لإنتاج آليات التواصل مع فن السينما كمفهوم ووعي أولا، وكصناعة ومنهج ثانيا. لعل في هذا التوصيف المجحف الكثير من الإشارات والتعميمات والأحكام المسبقة والخاطئة التي تدخل في حيز اللبس والتسرع والعمل على إحباط التجربة السينمائية في الخليج، هذه التجربة التي بانت ملامحها بقوة ـ قياسا بعمر التجربة ـ في السنوات الخمس الأخيرة، وخصوصا بعد ولادة مهرجان الخليج السينمائي واستقطاب المهرجانات المحلية مثل مهرجان الشرق الأوسط الدولي بأبوظبي ومهرجان دبي السينمائي الدولي والمهرجانات الإقليمية والعربية والدولية للأفلام الخليجية، وبتصنيفاتها المختلفة والموزعة على الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والأفلام التسجيلية وأفلام التحريك. هذا الاستقطاب أنجب بدوره العديد من الظواهر المفرحة والمبشرة، مثل انتشار هذه العدوى الفنية الجميلة بين الشبان السينمائيين في الخليج والمتمثلة في الحماس وقوة الدفع الذاتية لإنتاج أفلام شخصية وقصيرة وذات ميزانيات معقولة ومقدور عليها، وذلك لمجرد الحضور والتواجد والتفاعل مع هذه المهرجانات، بينما أدى تراكم الخبرة لدى نفر من هؤلاء الشبان إلى اقتحام التجربة الأصعب، وهي إنتاج أفلام تسجيلية وروائية طويلة، والتفات المؤسسات وشركات الإنتاج والدعاية والتسويق لمثل هذه التجارب الطويلة الأولى - رغم هامش المغامرة الكبير - خلق بدوره نوعاً من البيئات التفاعلية الصحية بين المبدع وبين الممول: (تجربة المخرجين الإماراتيين نواف الجناحي وعلي مصطفى في فيلميهما الطويلين: «الدائرة» و»دار الحيى») على سبيل المثال. كما يمكن الحديث اليوم وبثقة عن الحضور السينمائي في الخليج كفعل وخلق وإنتاج وليس كاستهلاك ومتابعة وتلق سلبي فقط، كما كان عليه الحال قبل عشر سنوات مثلا، ورغم تفاوت القيمة الفنية ودرجات النضج والوعي بين منتجي هذه الأفلام، إلا أن الإحصائيات المنشورة في الدورة الثانية لمهرجان الخليج السينمائي بدبي والذي أقيم في أبريل الماضي هي التي تتكلم هنا وبلسان فصيح عن الحال المتقدمة لهذه السينما، وهي إحصائيات تقدم الكثير من الدلالات والمؤشرات المهمة والمؤثرة فيما يتعلق بمستقبل هذا الفن الجديد في نوعيته وفي الثقافة المختلفة التي يمكن أن تقدمها للمنطقة. تقول الأرقام إن عدد الأفلام المشاركة وصل إلى 111 فيلما ـ وهي نتاج سنة واحدة فقط ـ حيث شاركت الإمارات بـ 38 فيلما والسعودية بـ 27 والكويت 16 والعراق 15 والبحرين 9 وعمان 3 وقطر 2 وأخيرا اليمن التي قدمت فيلما روائيا واحدا، ووصل عدد الأفلام الروائية الطويلة التي عرضها المهرجان إلى ثمانية أفلام. كل هذا في منطقة تفتقر لمفهوم صناعة السينما وآليات الإنتاج ويكاد ينعدم فيها الحضور الجماهيري الواسع، وبعض الدول فيها تعاني من عدم الاستقرار السياسي المزمن كما في العراق ومن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المستمرة كما في اليمن، بينما ـ وعلى العكس ـ تنتعش في دول الخليج صناعة الدراما التلفزيونية ـ الرمضانية خصوصا ـ بجمهورها «المنزلي» الذي يفوق وبمراحل عدد المشاهدين في بعض الدول العريقة سينمائيا! وهي إشكالية بارادوكسية متناقضة سنعرج عليها لاحقا. نقول تكفي هذه الأرقام للإشارة ـ وفي هذه المرحلة بالذات ـ إلى وجود إشراقة فنية ونقدية، وحالة سينمائية مطمئنة وقادرة على زحزحة صخرة التشاؤم التي يضخمها البعض ويروج لها البعض الآخر، فبغض النظر عن الحضور الموسمي لهذه الأفلام في المهرجانات والمناسبات والعروض الفنية التي تنظمها هيئات رسمية أو شبه رسمية، إلا أن تأثيرها الآني لابد وأن يمتد إلى السنوات القليلة المقبلة بحيث يمكن للسينما الخليجية أن تزاحم الفنون الأخرى التي رسخت جذورها في المكان مثل المسرح والدراما والفنون التشكيلية وغيرها، كما يمكن لهذه السينما أن تخرج من قوقعة النوايا والطموحات التي طالما اختبأت فيها الجهود الفردية المتوهجة التي انطفأت فجأة بقصد أو بدونه، إلى منطقة أخرى فسيحة وآمنة ومأهولة بالمبدعين وصناع الأفلام الذين يتشاركون في الحساسية الجديدة للسينما، وفي الوعي الجديد بقيمة الصورة، حتى وإن اختلفت البصمة الأسلوبية لكل منهم، لأنها في النهاية البصمة التي تفرز التنوع والذائقة الخاصة والمرجعية المستقلة التي يستند عليها كل مبدع على حدة. بدائل وحلول ويمكن للمراقب عن كثب للوضع السينمائي في الخليج أن يطرح بعض الحلول لتأكيد الحالة التفاؤلية المحيطة الآن وهنا بالفيلم الخليجي، ونقل الوضع السينمائي من حالة التأرجح والحماسة الفردية والهواية إلى حالة أخرى تتشكل فيها ملامح الاحتراف والتفرغ والتأسيس الأكاديمي. فالحالة الاحترافية التي تعيشها الدراما التلفزيونية في الخليج مثلا لم تأت من فراغ، ولكنها انبنت على عناصر وركائز واضحة، مثل الدعم المادي القوي وتوفير الاستوديوهات الضخمة وأماكن التصوير المناسبة والتقنيات العالية ومساندة المنتجين والمعلنين وتفريغ الممثلين واستجلاب الطواقم الفنية المحترفة والمتخصصة في المكياج والإضاءة والصوت والمونتاج والمكساج والإنتاج والملابس والتسويق، وتوافر عنصر مهم وهو «الجمهور المنزلي» الكبير والطاغي الذي يغري القنوات الفضائية لعرض هذا «الصيد» البصري الثمين!، ويغري المعلن والمنتج لتمويل ودعم هذه المسلسلات والأعمال التلفزيونية التي تجد في طقس المشاهدة المميز لشهر رمضان فرصة ذهبية لترويج هذه الأعمال، والغريب أن الكثير من السينمائيين المبدعين في مجالات الإخراج والتمثيل والتقنيات من أبناء المنطقة انتقلوا فجأة من ضفة السينما إلى ضفة التلفزيون كي يضمنوا الشهرة والكسب المادي، وهي كما قلنا حالة متناقضة ومفارقة وعلى الجهات المسؤولة عن تفعيل الدور الثقافي والنوعي للسينما، الالتفات لهذه الإشكالية والاستفادة من الدروس المجانية التي تقدمها الحالة التلفزيونية الرائجة والمتقدمة، وبغض النظر عن مستوى ما يقدمه التلفزيون، إلا أن العناصر التي اتكأ عليها تشرح الكثير عن المعوقات التنظيمية والإنتاجية والفنية التي تعاني منها السينما في الخليج. ومن الحلول الأخرى التي يمكن طرحها هنا هو إعادة الوصل المقطوع بين الحكايات الشعبية والمرويات الشفهية والقصص والروايات التي كتبها أدباء المنطقة، وبين كتاب السيناريو والمخرجين الذين طالما تحدثوا عن الطبيعة المحافظة للمنطقة والقيود الذهنية وأزمة النصوص وعن ضمور الأفكار والحكايات المدهشة، ولكنهم ومن خلال هذه الكنوز المخبأة والمطوية من التراث الشعبي والمحلي وحتى من خلال الحكايات المعاصرة والسير الذاتية للمخرجين أنفسهم، يمكن لهم صياغة عوالم بصرية مبتكرة وغير مطروقة من خلال السيناريو المتقن والكاميرا المرهفة والشاعرة، وهذه العلاقة المبتورة بين السينما والأدب يمكن تجسيرها بإحياء عادات القراءة والبحث والتثقيف الذاتي الذي يفتقر إليه الكثير من المخرجين الشبان في المنطقة. وبالنسبة لقلة عدد المتخصصين في التقنيات السينمائية فيمكن إعادة تدوير الطموحات القديمة التي توقفت لأسباب مجهولة والمتعلقة بابتعاث طلبة كليات التقنية لدراسة تطبيقات وفنون السينما في معاهد الدول المتقدمة والعريقة سينمائيا. وللذين يتحدثون عن الدور الرقابي المبالغ به والذي أدى لعرقلة وتأخير فن السينما في المنطقة، فإن مناخ الشفافية الحاضر والملموس في الآونة الأخيرة يمكن أن يمنح المخرجين سقفا عاليا للتعبير السينمائي، كما أن اللجوء للغة الرمزية في السينما يمكن أن يفتح منافذ جمالية وأبواباً مدهشة لا يمكن الولوج إليها من خلال الطرح الوعظي والمباشر حتى لو كان هذا الطرح جريئا وصارخا ومتحديا، ففي بعض الفنون ذات اللغة الخاصة مثل السينما يمكن للجرأة المبالغ بها أن تتحول إلى عاهة موضوعية وتعبيرية تدمر العمل بدلا من أن تضخه بالدلالات والمضامين والأسئلة التي تفتح أمام المشاهد نوافذ أخرى للتأويل والنظرة المعمقة لمتواليات القصة والحبكة والسرد، وما قدمته السينما الإيرانية مثلا وفي سياق الحديث عن الرقابة المعيقة دفعتها إلى التعامل مع عوالم الطفولة والاستخدام المكثف للرمز والقصص الإنسانية البسيطة في الظاهر والمحيرة والمقلقة في العمق، مما ساهم وبقوة في الرواج العالمي والاحتفاء النقدي الدولي بهذه النوعية من الأفلام ذات اللغة السهلة والممتنعة. صالات كثيرة وفن قليل تتوافر في معظم دول الخليج صالات سينمائية راقية وذات مواصفات تقنية وسمعية وبصرية عالية، وساهمت منظومة من الأفكار التسويقية في ظهور مجمعات تجارية كبرى (مولات) احتضنت دور العرض السينمائي هذه كنوع من المكملات الاستهلاكية الرديفة لفكرة التبضع والترفيه وتزجية الوقت، ولا ينكر أحد أن هذه الصالات الفخمة أشاعت تقاليد جديدة وثقافة مشاهدة مختلقة لدى جيل من المتلقين الخليجيين الذين اعتادوا مشاهدة الأفلام في التلفزيون، أحدثت هذه الصالات الحديثة انقلابا في طقس المشاهدة وأصبحت الشاشات الكبيرة مساحة خصبة لتفريغ الأحلام وتضخيم الخيالات والتداخل المبهر مع الصورة بإمكاناتها وطرائق تعبيرها المفخمة والطاغية على حواس المتفرج، ولاستغلال هذه الحالة المبكرة من الفضول والدهشة والانبهار لجأت الشركات الموردة للأفلام بانتقاء ما يرضي ويشبع هذا الفضول الحسي، فكان غزو الأفلام الهندية الميلودرامية والغنائية أولا ثم الأفلام العربية ثانيا ثم أفلام هوليوود التي لاقت رواجا كبيرا لدى شريحة الشباب والمراهقين نظرا لتقنياتها العالية واعتمادها على الحركة والإبهار، ورغم أننا لا نلغي الطابع الفني لهذه الأفلام وإلا كنا مجحفين بحقها،لأن معظمها يقوم على أساسات سينمائية صلبة وصحيحة، إلا أن ذوق موردي الأفلام كان تعسفيا في معظم الخيارات المتاحة لديهم، فغابت الأفلام المستقلة وأفلام السينما الأخرى والأفلام القصيرة التي كان يمكن تجميعها في صالات صغيرة، لأن الفيلم القصير يعتبر فنا مستقلا بذاته ويقوم بتنفيذه مخرجون كبار حول العالم، أصر الموردون وأصحاب الصالات على الأفلام السائدة والتي تحقق أرباحا طائلة ـ وهذا من حقهم ـ ولكنهم تناسوا وجود شرائح ذوقية مختلفة في المجتمع وتناسوا الثقافة السينمائية الجادة والرصينة، وكان من الأجدر بالمؤسسات الحكومية المعنية أن تتدخل ولو قليلا في دعم الفيلم الخليجي وتنويه أصحاب هذه الصالات لعرض كلاسيكيات السينما الخليجية في عروض استعادية («بس يا بحر») للكويتي خالد الصديق على سبيل المثال، أو تخصيص أسابيع سينمائية موزعة على مدار العام لعرض أفلام قصيرة خليجية حازت على جوائز مهمة في المهرجانات الداخلية والدولية، وبتذاكر ذات أسعار رمزية كنوع من التشجيع لهذا الفن الوليد في المنطقة، الأفكار والمبادرات كثيرة ومتنوعة لمساهمة هذه الصالات في إشاعة الثقافة السينمائية، ولكنها مبادرات بحاجة لبرامج عمل وتطبيقات على أرض الواقع، كما أن الأفلام التي ترتكز على الفلسفة والصورة الشعرية والقصص الإنسانية والمؤثرة متوافرة وبأسعار زهيدة مقارنة بأفلام هوليوود مثلا، ولكن المشكلة تظل قائمة في الذهنيات الأحادية والموجهة التي لا تريد أن تحرك مياه السينما نحو روافد مغايرة ومتجاوزة. إن إنشاء مؤسسات عامة للسينما كما في دول عربية قريبة يمكن له أن يكون حلا بديلا لتعنت أصحاب هذه الصالات وإهمال المنتجين المحليين، كما يمكن لهذه المؤسسات أن توفر خيارات أكثر سهولة لصناع الأفلام في المنطقة، وأن تترجم الأفكار والرؤى المستقلة للمخرجين الخليجيين الذين لا تلقى أفكارهم النخبوية والمتفردة دعما من الشركات الربحية اللاهثة وراء الصورة السريعة والمبهرة القائمة على الأفكار التجارية التقليدية والمكررة. تستطيع هذه المؤسسات أيضا أن تدعم مشاريع الأفلام ولو من خلال الكاميرات الرقمية (الديجيتال) التي لا تقارن تكاليفها بالكاميرات السينمائية التقليدية، فالكاميرات الرقمية أكثر مرونة وخفة واستجابة لمتطلبات العمل الإخراجي بالنسبة للمخرجين الشبان في أفلامهم التجريبية أو الأولى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©