الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المؤسسات الصحفية العربية تقاوم تطورات مرحلة ما بعد الإنترنت

المؤسسات الصحفية العربية تقاوم تطورات مرحلة ما بعد الإنترنت
13 ابريل 2014 21:04
رغم التطورات الكثيرة التي طرأت على القطاع، يبدو الوضع التنظيمي للمؤسسات الصحفية أحد أهم التحديات التي تواجه مهنة البحث عن المتاعب في محاولاتها المتواصلة للعثور على سبل أفضل للتعامل مع التطورات التكنولوجية والرقمية، وتداعيات كل ذلك على قيم وممارسات المهنة. ومنذ بدء ظهور الصحافة الإلكترونية في أواسط عام 1994 على شكل موقع إنترنت لبعض كبريات الصحف الأميركية، تحملت المؤسسات الصحفية التقليدية الكثير من الضغوط المالية والنفسية في ظل موجات واسعة من التشكيك بقدرتها على الصمود في وجه المنافس الجديد. مسار التغيير وقعت الكثير من التغيرات خلال السنوات الماضية، ورغم توقعات كثير من الخبراء والمنظمات بأن الصحف الورقية ستموت قبل منتصف القرن الحالي، ورغم أن عشرات ومئات الصحف في العالم قد انتهت فعلا لغير رجعة، إلا أن معظم المؤسسات الصحفية المستمرة في العالم العربي لا يبدو أنها غيّرت أو طوّرت في بنيانها التنظيمي، وفي الكثير من مفاهيمها للعمل الصحفي. بل يمكن تشبيه معظم المؤسسات الحالية بالحرس القديم، الذي يقاوم مسار التغيير التاريخي، وهو بذلك قد يتسبب بنتائج مفاجئة إذا تأخر حدوثه كثيراً. ورغم الاختلاف بين المفهومين، يذكر دور الحرس القديم هذا بمفهوم آخر كان يُلصق بالمؤسسات الإعلامية عامة، وهو مفهوم «حارس البوابة» الذي أطلقه بعض المنظرين الغربيين على دور الإعلام ووظائفه في القرن الماضي، واصفا بذلك دور هذه المؤسسات، ولاسيما في المجتمعات التي تنشط فيها وسائل الإعلام الجماهيري. وقد تضاءل انتشار ورواج مفهوم «حارس البوابة» كثيراً بسبب تكنولوجيا الإنترنت وما رافقها من انفتاح معرفي، وتدفق إعلامي عابر للمؤسسات ونشوء الإعلام الاجتماعي مؤخراً، وصعوبة ممارسته من قبل المؤسسات الإعلامية بعدما أصبحت عملية النشر (الإلكتروني) متاحة لكل فرد. لكن دور «حارس البوابة» ما زال راسخاً كما يبدو في أذهان ومفاصل العديد من الكيانات الصحفية، لدرجة تؤخر تكيفها أو استجابتها للمتغيرات التي فرضها انفتاح الشبكة العنكبوتية وثورة الأجهزة الرقمية. بيئة جديدة الصحف لا تزال مثلا تحافظ على بنيتها الإدارية التي كانت عليها قبل تسعينيات القرن الماضي، وكذلك أبواب الصحيفة والأقسام القائمة عليها. ولا تزال آليات إنتاج ونشر المحتويات هي ذاتها تقريباً عما كانت عليه آنذاك. وكذلك بيئة العمل الجديدة. ولا يبدو أن ذهنية «الحرس القديم» التي تدير هذه الصحف قابلة لإحداث تغيير قريباً في البنية التنظيمية للصحف وغيرها من المؤسسات الإخبارية. وهذا ما يذكر بشكل أو آخر بدور «حارس البوابة»، الذي اعتادت هذه المؤسسات تاريخيا. ويقصد بـ«حارس البوابة» العملية التي من خلالها يتم تصفية المعلومات قبل إعلانها للجمهور عبر أي وسيلة أو قناة اتصال، من صحف أو إذاعات ومحطات تلفزيون. هذه النظرية طرحها عالم النفس الاجتماعي الأميركي كورت ليفين في عام 1943. وتشمل هذه العملية جميع مستويات هيكل وسائل الإعلام، بما في ذلك اختيار المراسلين الصحفيين للمصادر التي سيتم الاستعانة بها في خبر ما، وقرار المحررين بشأن الأخبار التي سيتم تغطيتها أو نشرها وطباعتها، هذا إضافة إلى مصالح مالكي هذه الوسائل ومصالح المعلنين مثلا. أي أن هناك دورة عمل وتمويلا ومصالح تفرض وتحدد بشكل أو آخر نوعية (وكم) المعلومات والمحتويات التي ستصل إلى الجماهير، وهذا ما كان يؤدي بدوره إلى انتشار واسع لمقولات التأثير الخارق لوسائل الإعلام إلى حد اعتقاد البعض أنها تتحكم بالميول وحتى العقول أحيانا. أشكال جديدة ماذا حصل بهذه العملية في عصر الإنترنت؟ رغم اعتقاد البعض باستمرار العملية نفسها في عصر الإنترنت بشكل ما، بسبب دور شركات الإنترنت مثلا وأشكال الرقابة الإلكترونية، إلا أن دورة عمل تجميع وإنتاج وإعداد ونشر المعلومات والمحتويات اختلفت بشكل واسع لم يعد يسمح لحارس البوابة القيام بعمله التقليدي. حتى مع ظهور أشكال جديدة من الرقابة على الإنترنت فإن حيزاً كبيراً من «دورة العمل» بات بيد الأفراد ومنصات التواصل الاجتماعي، ولم تعد كلها بيد المؤسسات التقليدية. ويبدو أن هذا العلاقة الوثيقة بدور حارس البوابة والمؤسسات المستفيدة منه تاريخياً تتكاتف لمصلحة هذا الدور، فتمنع أو تؤخر التحويل والتغيير في المؤسسات الإعلامية، حتى على الصعيد التقني أو الإداري. ومن المهم التأكيد هنا أن «إنشاء موقع إلكتروني لصحيفة أو أية وسيلة إعلامية لا يكفي لإعطاء رأي قاطع بكونها صحافة إلكترونية»، كما تقول الدكتورة د. بشرى الحمداني في مقال لها عن أثر التقنيات الحديثة على الصحافة المكتوبة. وعلى سبيل المثال، يتيح الإنترنت للصحف الإلكترونية بيئة عمل متحررة من المكان والدوام للكثير من الوظائف، ولكن أخذ الصحف العربية بهذا النمط يبدو مستحيلًا في الوقت الحالي. كما يتيح لها تقنيات بث ملفات الصوت والفيديو واللقطات الحية والنقل المباشر بالصوت والصورة من مواقع الحدث وإمكانية التواصل الحي بين القراء والصحفيين واستضافة الخبراء في حوارات مباشرة وحية واستطلاعات الرأي. وبالفعل، استحدثت بعض الصحف الغربية فرقاً وأقساماً مستقلة تنظيمياً لإنتاج محتويات إلكترونية متكاملة بحيث أصبح بعضها يجمع بين وظائف التلفاز والصحافة المكتوبة والإذاعة، بل إن بعض الصحف الأوروبية ألحقت مواقعها الإلكترونية بمواقع خاصة بمحتويات الفيديو التي تتيح متابعة الأحداث عن طريق تسجيلات الفيديو. وقد فرضت هذه التحولات تطويراً حقيقياً على البنية التنظيمية لهذه الصحف، وهو تطوير لا زالت المؤسسات الصحفية العربية محرومة منه، ويُخشى أن يستمر حرمانها هذا طويلًا بانتظار رحيل كل أجيال «الحرس القديم» من العاملين في الصحف. (أبوظبي الاتحاد)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©