الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصائد تؤبن التلف العالمي

قصائد تؤبن التلف العالمي
2 يونيو 2010 20:20
تحضر ثيمة الحزن في ديوان الشاعر العراقي المغترب في أميركا، سنان أنطوان، “ليل واحد في كل المدن”، بشكل جلي بدءا من الغلاف ومروراً بالمتن الذي ضم 49 قصيدة، قسمها صاحبها على ثلاثة أجزاء وهي: “ليل واحد”، “معبر”، “تجاعيد على جبين الريح”. فلوحة الغلاف تحيلنا على صورة مشبعة بالتجريد والغموض، وحتى الألوان تعزز هذا التصور بما يدعو إلى الإيمان بكون العتبات النصية تنسجم مع الخطاب العام الذي يقترحه النص الشعري في كليته. كما أن عناوين القصائد تفوح منها رائحة اليأس والضياع، والإحساس بالغربة وتشظي الذات وانكسارها أمام أهوال الزمن وخاصة ظروف الحرب التي مر فيها بلد الشاعر / العراق، ومازال يشرب مرارتها، مما جعله يكتب نصا مرعبا محملا بإحالات على الدمار والقتل والفجيعة. سياق عولمي لا يخرج الشاعر في إحساسه هذا عن السياق العام الذي يعرفه المحيط العالمي حيث القوي يقتل الضعيف، والشمال يبلع الغرب والشرق، والتفاوت الخطير بين أقطاب الكرة الأرضية على مستوى الفقر والغنى وحتى داخل البلدان على المستوى الداخلي. والحال، أن الديوان الصادر عن دار الجمل في كولونيا في حلّة أنيقة وبإخراج شاعري لافت في 110 صفحة من الحجم المتوسط، ليس سوى صرخة في وجه العالم من أجل أن يستفيق من غيه ويعود الإنسان إلى رشده، ومراعاة القيم الإنسانية التي تفاقم وضعها أمام تنامي المادية الفظيعة. يقول سنان أنطوان : “نتكئ على جذع نخلة/ احترقت منذ سنين/ لكن ظلها يصر على أن يؤانسنا/ حتى في ليل الغربة/ تلوّح السعفات مودّعة/ من شبابيك أغنية قديمة/ عن النهر/ قبل أن تختنق أمواجه/ بالجثث/ ونحن على ضفة ثالثة/ في كل مكان/ نراقب الأغنية تغرق/ هناك ما يكفي الليلة/ حتى لأشباح الغرقى/ الذين تحلقوا حول المائدة/ بحثا عن رؤوسهم المقطوعة/ غدا/ علينا أن نخرج جثثهم/ من الأغنية/ ونكفنها بالكلمات”. ويواصل الشاعر مهمته في تعرية الواقع العالمي عبر نصوصه، كاشفاً هشاشته وما فيه من تفاوت بين البشر والمجتمعات، والموت الحي الذي بات يحمل على عربات رقمية وبكل اللغات. يقول في قصيدته: “ليل بألف ضفة وموت بكل اللغات”: “أكاد اختنق كلّ صباح/ بالدّخان الهارب/ من شبابيك الجرائد/ إذ يحترق العالم داخلها/ ترمقني الوجوه المسودّة/ كأني مرآة خرساء/ أكوام من الفحم البشري/ يكدّ المصوّرون لإخراجه/ من قلب كل لحظة/ وتحميله على عربات/ رقميّة/ تنطلق إلى الأقمار البعيدة/ التي تحوم في الظلمات/ كذئاب جائعة/ وتثقل كاهل الليل/ إذ تقطر ظلاما/ يسيل في المساء من الشاشات/ أجلس أمام واحدة منها :/ موت بكل اللغات/ فبرج بابل انهارَ/ ساحلا تتراكم عليه الجثث/ جسدي قارب متعب/ وصمتي شراع/ جهاز التحكم صنّارة/ ينتفض خيطها كل لحظة/ تتقلب القنوات والجثث/ وحين تلوح الضفة الأخرى/ من هذا الليل/ أتبين آلهة العالم السفلي/ وقد استوت على عروشها/ انزل حمولتي/ قوارب على مد البصر/ ورجال متعبون/ في الصباح ارتّق شباكي/ وأبدأ من جديد”. عناق بلا رأس يطال الحزن كل شيء.. يتجسد في كل مشاهدات الشاعر وصوره التي ترسم الطفولة في تجسيد للبراءة المغتالة، لبشاعة الحرب وهي تتجاوز في وحشيتها كل المقاييس: “كان يوما عاديا. إلا أن أبي تأخر كثيرا. صرخت أمي عندما فتحت له الباب. كان بلا رأس وكانت ثيابه ملطّخة بالدم. عانقها ليخفّف عنها، لكنها ظلّت تبكي. من يومها لم يأكل معنا أبدا وقال بأنه لن يشاهد التلفزيون. أعطى أخي الصغير وسادته وأمرنا بأن نسمع كلام أمي دائما ونواظب في دراستنا. ثم ركع ليصلّي ويحمد الله على ما تبقّى. أما أختي الصغيرة فقد بكت كثيرا قبل أن تقطع رأس دميتها وتدفنه في الحديقة”. نصوص سنان أنطون في هذا الديوان تستجمع آلام الذات المنكسرة في مواجهة كوابيس العالم التي تغتال الآدمية على أيدي ابن آدم نفسه. لكن، وبالرغم من خيط رفيع من الأسى يجدل القصائد مع بعضها، إلا أن الشاعر لا ينسى الجماليات الفنية ولا يغفل عن التقاط صور شعرية مدهشة يخرجها في ضفيرة من النصوص المباغتة، صانعاً دهشة عالية تتبدى في نصوص مكثفة أشبه بخلاصة العطر او الرحيق المقطر، منها على سبيل المثال: شعرك ليل طويل/ يسهر المشط فيه. *** نبضي/ آثار ذئب/ يركض في ليلك. *** الأرض تحت قدميك/ بيانو شاسع/ تجاعيد، على جبين الريح. *** تزحف/ أصابع الجندي/ كعلامات استفهام/ أو مناجل/ تنبش رحم الريح/ بحثا عن أسلحة/ .../ ليس سوى الدخان/ وغبار اليورانيوم! *** كم هو ضيق/ هذا الممر الذي ينام/ بين حربين/ لكني سأعبره.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©