الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سقوط مناضل محترم

سقوط مناضل محترم
2 يونيو 2010 20:18
لعلها من المرات القليلة التي يستحق فيها المنتج السينمائي ان يتصدر الافيش لما يقدمه من سينما حقيقية، أما المنتج فهو الدكتور محمد العدل الذي يخوض مغامراته الفنية المحسوبة لدعم المواهب الجديدة، وأما الفيلم فهو أحدث أفلامه: “تلك الأيام” الذي يقدم فيه مجموعة من الأسماء التي يعد كل منها إضافة واعدة لعشاق الفن السابع. “تلك الأيام” قصة الأديب الراحل فتحي غانم، والتجربة الثانية للسيناريست علا عز الدين حمودة بعد فيلم “ولد وبنت”، وأولى تجارب نجل فتحي غانم المخرج احمد غانم، وبطولة محمود حميدة واحمد الفيشاوي والوجه الجديد ليلى سامي في اول بطولة لها وصفية العمري وعدد كبير من ضيوف الشرف في مقدمتهم: الفنانة المعتزلة سمية الالفي وماجد المصري وطارق التلمساني وعمر حسن يوسف. يدور الفيلم في إطار مشوق ومثير، رغم انه يتناول قصة صعود وسقوط كاتب سياسي واستاذ جامعي شهير هو “سالم عبيد” الذي يجسده محمود حميدة، الا انه من خلال تلك القصة الإنسانية الشائكة يطرح العديد من القضايا السياسية والاجتماعية والأخلاقية من خلال معالجة السيناريو الناعم الرشيق الذي صاغته السيناريست علا عز الدين حمودة للنص المميز للاديب الكبير فتحي غانم؛ فقد أضافت بذكاء العديد من القضايا المعاصرة والمشاهد الموحية وغزلتها بحرفية مع الأحداث. الليبراليون الجدد ويرصد الفيلم حياة الاستاذ الجامعي والكاتب السياسي الشهير “سالم عبيد” الذي يحصل على العديد من الجوائز والتكريمات، ويتميز بعلاقاته المتعددة مع المسؤولين في الحكومة. ورغم انه يبدو امام الرأي العام كأحد دعاة الليبرالية فإنه يستخدم ذكاءه ويوظف علاقاته لخدمة اهداف الحكومة، وتوصيل افكار معينة للطلاب عبر اللقاءات الاعلامية التي يشارك فيها، لذلك يصبح احد المرشحين لمنصب وزاري مهم.. ويقرر “د. سالم” الاستعانة بضابط شرطة سابق هو “علي النجار” ـ أحمد الفيشاوي ـ الذي استقال من عمله في ادارة مكافحة الارهاب إثر ازمة نفسية ليساعده في كتاب جديد ينوي إصداره عن الشرطة ومعاملة الإرهابيين. وتتكرر لقاءاته مع الضابط الشاب الذي يبحث عن عمل يتناسب مع خبراته. وفي تلك اللقاءات يتعرف الضابط السابق “علي النجار” على “أميرة” ـ ليلى سامي ـ زوجة “الدكتور سالم” والتي تصغره بسنوات، وتنشأ علاقة بين “أميرة” و”علي” تكشف فيها “أميرة” زيف الصورة البراقة التي يعرفها الجميع عن زوجها الكاتب السياسي والاستاذ الجامعي المرموق، واستغلاله لنفوذه وعلمه وعلاقاته في تحقيق مكاسب مادية له ولأسرته ولأسرة زوجته الذين اصبحوا جميعا يدينون له بما يتمتعون به من رغد الحياة ومناصب مرموقة تدر عليهم الكثير... بدءاً من والدتها التي عينت مستشارة للإشراف على حدائق احد الفنادق الكبرى بعد خروجها على المعاش كموظفة في وزارة الزراعة، وكذلك شقيقاها، اما “أميرة” فهي تعيش حياة مرفهة وتنفق ببذخ، وأصبحت تحتقر زوجها المخادع الذي لا تربطها به سوى علاقة الفراش بينما تقضي وقتها في التسوق واللهو، وينشغل هو بمباريات الشطرنج منفردا حيث يلاعب فيها نفسه. ويرفض “علي” التعاون مع “سالم”، ويقترح عليه ترشيح احد زملائه الضباط لإمداده بما يريد من معلومات لكن “سالم” يلحظ إعجاب زوجته بالضابط الشاب “علي”، ويشعر بأن بينهما علاقة ما ويخطط للتخلص من زوجته، ويدعو أسرتها ليبلغهم بأنها تعاني مرضا عقليا وتخرج للشارع وهي مرتدية ملابس خليعة طوال الوقت. وبالطبع يتعاطف الجميع مع الاستاذ المحترم والكاتب المرموق خاصة انه قرر إبلاغهم بعد ان علم انه مرشح لمنصب وزاري. تشعر “أميرة” بالخوف من مكائد زوجها وتحاول الاستعانة بـ “علي” لإنقاذها لكنه يرفض التدخل مؤكدا انها الوحيدة صاحبة القرار في حياتها. ويفاجأ “علي” باتصال من “د. سالم” الذي يطلب منه التخلص من زوجته لسلوكها السيء، ويقدم له الموبايل الخاص بها وعليه اسماء العديد من الرجال الذين تربطهم بها علاقات غير مشروعة، ويصدم “علي” في “أميرة” وعندما تذهب اليه يكون في حالة ثورة وغضب لكنها تكشف له مفاجأة اخرى وهي ان زوجها هو الذي يدعي انه شخص آخر ويتصل بها من أرقام عديدة ويغير صوته. وتخرج “أميرة” وهي مصابة بكدمات بعد أن ضربها “علي” وطردها من منزله، وفي الوقت نفسه يكون موعد “د. سالم” في أحد برامج القنوات الاخبارية الشهيرة ليدلي بحديث يبدو فيه ثوريا لكننا نكتشف انه يتلقى تعليماته من السفيرة الاميركية “مارجريت” التي توبخه اثناء الفاصل الاعلاني لكنه يؤكد لها انه ينوي تنفيذ التعليمات المتفق عليها بشكل لا يثير شكوك الرأي العام. ومن سوء حظ “د. سالم” ان “المايك” يظل مفتوحا وهو يجري اتصالا مع بعض الرجال الذين كلفهم بمراقبة زوجته.. كما يتلقى اتصالا من مسؤول حكومي كبير، وتكشف تلك المكالمات الخاصة تورطه في عمليات فساد وازدراء الشعب مع المسؤولين مما يجعله في مأزق كبير. وينصحه المسؤولون بأن يتوارى عن الانظار قليلا ويتخلى عن منصبه في الوزارة حتى ينسى الناس تلك السقطة وبعدها يمكن إعادته الى الملعب من جديد.ويذهب إلى قريته حيث يلتقي بوالدته “قدرية هانم” ـ صفية العمري ـ التي تعرفه جيدا وتعرف تفاصيل حياته وتنصحه بأن يطلق زوجته لانها لا تحبه، ولكنه يرفض ويحضر زوجته لتقيم معه في القرية ويذهب “علي” الى هناك لإنقاذ “اميرة” لكن “د. سالم” يتعرض له ويقدم “علي” المسدس لـ “د. سالم” حتى يقتلهما لكن “د.سالم” يطلق النار على نفسه وتخرج “أميرة” و”علي” الى حياة جديدة. القمة من أول فيلم استطاع المخرج أحمد غانم ان يسجل اسمه بحروف بارزة على الشريط السينمائي من خلال اولى تجاربه في السينما الروائية الطويلة، ويحسب له اختياره للنص الادبي المتميز “تلك الأيام” وتحويله الى فيلم نابض بالمشاهد والأحداث دون لحظة ملل. وجاء استخدامه للفلاش باك بالابيض والاسود محسوبا ومؤثرا في مشاهد مرحلة شباب “د.سالم” ونضاله واعتقاله ومطاردات احمد الفيشاوي لأحد الإرهابيين، والمشهد الوحيد الذي ظهرت فيه سمية الالفي كطيف وكذلك اختياره لزوايا التصوير. ولعب السيناريو والحوار الذي صاغته علا عزالدين حمودة دورا مهما في إكساب الفيلم مذاقا خاصا من خلال جمل مؤثرة ومشاهد كشفت تحول الشخصيات بطريقة منطقية لنجد ان “د.سالم” كان أحد الشباب المعارضين لكنه قرر التخلي عن مبادئه وافكاره ليصبح احد رموز نظام يطبق تعليمات تملى عليه من قوى خارجية ويتاجر بمشاكل البسطاء والمطحونين. كذلك تحول “علي” ضابط الأمن بعد ان قتل احد الإرهابيين انتقاما لمقتل زميله الضابط ولكنه يكتشف انه قتله امام زوجته وطفله الرضيع وصنع من نفسه قاضيا دون ان يسمح لضحيته بمحاكمة عادلة. كذلك “أميرة” التي انجذبت للزواج من “د.سالم” المفكر والاستاذ الجامعي طمعا في الحياة الرغدة والنفوذ ولكنها تصدم في حقيقته. نجح مدير التصوير احمد عبدالعزيز في تقديم صورة ذات أبعاد متعددة ومعبرة مستخدما براعته في توظيف الاضاءة والظلال، وبحرفية مميزة تعامل المونتير احمد داوود مع الشريط السينمائي ليتحقق التوازن في الإيقاع بين الأحداث ويحتفظ بعنصر التشويق والإثارة حتى كلمة النهاية. وجاء أداء محمود حميدة لشخصية “د.سالم عبيد” ليؤكد قيمة وقامة هذا الفنان وأدائه السلس الممتع في كل لقطة، ويحسب له اختياره الدقيق لأدواره رغم ان يكاد يكون الوحيد الذي لم يستسلم لإغراء الدراما التليفزيونية. اما احمد الفيشاوي فقد أضاف لرصيده من الأدوار المميزة بأداء منضبط لا تشوبه المبالغة في الرومانسية أو الانفعال مما يعكس حالة النضج الفني التي وصل اليها.. وتستحق ليلى سامي الفرصة الذهبية التي حصلت عليها فهي تملك حضورا وجاذبية وأداء مختلفا ويكفي وقوفها أمام عملاق الأداء محمود حميدة. وجاءت عودة صفية العمري الى السينما من خلال شخصية “قدرية هانم” المرأة الريفية القوية مفاجأة ورغم تميزها في الأداء فإنها ظهرت في عمر يقارب عمر ابنها “د.سالم”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©