الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التسوية في سوريا: الأرباح والخسائر

1 ابريل 2012
من خلال جولات كوفي عنان على سوريا وعدد من البلدان العربية والإقليمية، ولقائه المعارضة السورية، وكلمته أمام المجتمع الدولي... يَظهر أن ثمة تسوية سياسية تنتظر سوريا من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية، وبغطاء روسي أميركي، وذلك تبعاً لضرورة مصلحية. فروسيا لها مصلحة قوية في إجراء تسوية تحفظ لها نفوذها في سوريا. أما الأميركيون فهم الآن منشغلون بوضعهم الداخلي، لاسيما الانتخابات الرئاسية، ما يصعِّب عليهم القبول بالتدخل العسكري ضد سوريا، لذلك نراهم يميلون إلى حلول التسوية السياسية. والحقيقة أنّ فكرة التسوية ليست جديدة على السوريين، فعمرها من عمر الثورة السورية، لكن الطرفين الرئيسيين؛ السلطة والمعارضة، تجنبا طرحها، ولكلٍّ أسبابُه: فالمعارضة تجنبت طرح التسوية لثلاثة أسباب رئيسية: 1 - غياب الثقة بالنظام، كما أنها مقتنعة تماماً بأن النظام لن يقبل بأية تسوية، لأنه لم يتجاوب مع الشروط التي وضعتها المعارضة في بداية الانتفاضة للبدء بمحاورته، وهي شروط تلخصت بإعادة الجيش إلى مواقعه الأساسية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ووقف القمع، وكف التدخل الأمني في شؤون الناس وأحوالهم... وذلك لبناء بيئة لنجاح الحوار الوطني. 2 - ثمّة مناخ سائد (نجاح بعض الثورات العربية) دفع بالمعارضة إلى الاقتناع بإمكانية نجاح الثورة السورية، فمادامت الثورة نجحت في بعض البلدان العربية ذات النظم الشبيهة بالنظام السوري، فماذا يمنع نجاحها في سوريا؟ 3 - وجود رغبة جدية لدى الشارع السوري في الخلاص من النظام القائم والموصوف بالفساد والاستبداد. أما النظام فرفض القبول بالتسوية لاعتقاده بالقدرة على سحق الثوار والمنتفضين عبر الأساليب الأمنية والعسكرية، ومن خلال وعود للسوريين ببعض الإصلاحات. هذا مع أن ثمة حقائق، وهي بمثابة تحدٍّ لكل من النظام والمعارضة والوسطاء: الحقيقة الأولى هي أنه من المفترض بالنسبة للنظام أن يعرف بأن عدداً من الأنظمة تباهت بالعظمة وبمشروعية البقاء، لكنها سرعان ما سقطت. الحقيقة الثانية أن المعارضة، ومنذ ربيع دمشق، تؤمن بالانتقال التدريجي نحو التغيير، وكان بالإمكان التأسيس على هذه القناعة. الحقيقة الثالثة أن الوسطاء السياسيين لم يلعبوا دوراً إيجابياً كما يجب، لأن من كان يطرح التسوية أراد من ورائها التوظيف السياسي لأكثر من جهة. هذا علاوة على غياب آليات عملية في تنفيذ مقترحات الوسطاء من جهة أخرى. هذه العوامل أسهمت في إفشال أية تسوية في سوريا، بينما تمنّى البعض طرح رؤية سياسية من قبل طرف دولي أو إقليمي أو عربي، لتفعيل العملية السياسية على حساب العملية الأمنية. ولا نستغرب أن الكثيرين راهنوا على نجاح التسوية لأنه من الغرابة بمكان ألا يقبل النظام تسوية تحفظ له ماء وجهه وبعض مصالحه الخاصة، خلافاً لما حدث مع أنظمة عربية أخرى. والحقيقة أن الشعب السوري دفع فواتير كثيرة في حياته، ولا يمكن إجباره على دفع المزيد، فكلما قلَّت الخسائر كان ذلك لمصلحته، حتى وإن ربح النظام في أية تسوية. ولا نستغرب أن أية تسوية تخدم النظام قبل المعارضة، حتى وإن تظاهر بأنه الطرف الذي يملك الأحقية، وأنه يتنازل عن شيء له لأن المصلحة السورية تقتضي ذلك، فإنه يحقق هدفين من وراء التسوية، أولهما أنه ينقذ نفسه، وثانيهما أن يقول: ها قد تنازلت لأجل المصلحة الوطنية! وذلك ما يتعارض مع هدف المعارضة، والتي تبدو غير متشجعة لقبول التسوية لأنها تعرف مدى عدم جدية النظام، وأنه بقبوله التسوية السياسية يعزز مكانته لدى الشارع. وعلى ضوء ذلك فالمعارضة غير مكترثة كثيراً بالتسوية وليست مجبرة على إعطاء النظام صك البقاء لفترة أخرى. والحال أن هناك لدى السوريين تصوراً بأن التسوية لن تحدث أي تغيير في النظام الحالي، إنّما سيقتصر الأمر على توزيع الأدوار ومشاركة بعض الأطراف في الحكم، على أن تبقى ثقافة النظام قائمة، وهذا لن يخدم الشعب السوري. فالتسوية المطروحة من قبل الجامعة العربية وروسيا وورقة تركيا في التفاهم مع إيران لا تتضمن تغيير النظام وبنيته الدستورية. ما يتراءى لنا أن التسوية الحالية لن تحقق هدف الثورة، إنما قد تسهم في تغيير سلوكية النظام الحالي. وإذا كان قبول التسوية يشرع الحوار السياسي، فهذا يعني أن ورقة الحوار ستقتصر على مسألة الحريات، وربما تشمل إجراء تغييرات في بعض المؤسسات، الأمر الذي يثير المخاوف لدى بعض المكونات المجتمعيّة والسياسيّة، لاسيّما المكون الكردي، من أن التسوية لا تتضمن فكرة بناء عقد اجتماعي وسياسي جديد بين مكونات ما انفكت تتمسك بالحوار الوطني الذي تفرزه الوقائع كما فرضتها الثورة، على أن يكون هذا الحوار فعلاً داخلياً وطنياً، ومعبِّراً عن إرادة الجميع، ويهدف إلى بناء عقد اجتماعي وسياسي جديد. فهذا الأخير هو فقط ما يمكن الرهان عليه، كونه يفتح الآفاق نحو بناء دولة ديمقراطية وتعددية. لكن إلى أي مدى ستتحقق التسوية الحالية بين المصالح والمكونات السياسية في سوريا؟ وهل تحل أزمتنا الوطنيّة وتوقف نزيف الدم ؟! فاروق حجّي مصطفى كاتب سوري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©