الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

واسيني الأعرج يكتب رواية النخبة المنهوبة بالحرب

واسيني الأعرج يكتب رواية النخبة المنهوبة بالحرب
12 ابريل 2014 23:21
محمد وردي (دبي) رواية «مملكة الفراشة» للكاتب الجزائري واسيني الأعرج، الصادرة حديثاً عن منشورات «دبي الثقافية»، تختزل واقع النخبة الجزائرية، التي ما زالت تتناهبها كوابيس الحرب الأهلية، التي عصفت بالبلاد خلال مرحلة التسعينيات الماضية، ولكن ارتداداتها ما زالت تتفاعل في وعيها حتى اللحظة الراهنة، ما يجعلها تتأرجح بين التشبث بالأرض وموطن الأحلام والطموحات، وبين المنافي والتطوّح في بلاد الله الواسعة، فراراً من الموت الصامت، الذي يلاحق الأدباء والفنانين بنصال الحقد الأعمى، التي استلتها فئة متطرفة لا ترى بغير الطلقات سبيلاً للحوار. تتألف الرواية من خمسمائة صفحة من القطع الوسط، وتحكي قصة حب جمعت بين فتاة جزائرية، هي بطلة الرواية، وفنان مسرحي إسباني الأصل استوطنت أسرته في الجزائر بعد مغادرة وطنها الأصلي قبل جيلين على أقل تقدير. ولكن أحداث الرواية تدور بمعظمها من خلال التواصل بين الحبيبين عبر أدوات التواصل الاجتماعي «الفيسبوك». ذلك لأن البطل يغادر الجزائر إلى إسبانيا لعرض إحدى مسرحياته، التي تلقى نجاحاً واسعاً، ما يطيل مدة إقامته في الخارج، بما يتناسب مع سياقات السرد زمنياً، والحبكة الروائية لجهة التوق والحنين وتداعياته، التي تقود في بعض الأحيان إلى الغيرة والشكوك، خاصة أن الحبيب بات نجماً، وله من المعجبات ما يكفي لبلبلة القلب والعقل. أما البطلة فهي عازفة موسيقية في إحدى الفرق المحلية، التي تتعرض للمضايقات والحصار من التيارات الأصولية، التي تتلفع بالإسلام، لتحريم الفنون بأنواعها، حيث تصل إلى تصفية أحد أعضاء الفرقة، ما يجعل البطلة تصاب بكآبة وإحباط شديدين، خاصة، بعد أن تركت حادثة الاغتيال، تأثيرها المباشر على بقية أعضاء الفرقة الآخرين، وهددت بانفراط عقدهم، ما ساهم بدفعها للتفرغ والعمل بشكل دائم في صيدلية والدها، الذي تفرغ بدوره لتصنيع وإنتاج الأدوية محلياً. إلا أن الحرب أدت إلى إغلاق الصيدلية، ودفع البطلة إلى السجن الذاتي في المنزل، ولم تكن لديها من وسيلة للتواصل مع الآخرين، سوى الفيسبوك، هذا إلى جانب اهتمام البطلة بشقيقها السجين بتهمة حيازة وتعاطي المخدرات، وأمها المهووسة بقراءة روايات فيرجينيا وولف. تقوم الثيمة الروائية على موضوعة العزلة الذاتية التي فرضتها الحرب الأهلية على معظم الجزائريين لسنوات عدة، وأدت إلى شروخ وانكسارات نفسية موغلة في وعي الواقع المأزوم على كل المستويات. وذلك بالتوازي مع موضوعة الحب والاشتباك المباشر مع حالة الفساد التي استشرت في مفاصل الدولة والمجتمع على حد سواء، أسوة بالخراب الذي طال البنية النفسية للأفراد وخاصة منهم، أصحاب النزعات الفنية والأدبية، حيث تتمظهر الهلوسات والأخيلة بسلوك جميع شخصيات الرواية بنسب متفاوتة. يلجأ الكاتب إلى دفع بطلة الرواية لاقتباس أسماء مفكرين وفلاسفة وفنانين وأدباء غربيين لإطلاقها على الحبيب، الذي يصبح «فاوست»، والأب الذي يصبح «بابا زوربا» والأم «فريجة» التي تقع بهوى الكاتب الفرنسي بوريس فيان، في محاولة لتبرير السجالات الفلسفية والفكرية التي تدور بين أبطال الرواية، والتأريخ لمرحلة ما بعد الحداثة، كما في الحوار التالي بين الحبيبين: ماغي حبيبتي، أنت تعيدين النظر في المسلمات، أنت الآن في سلم ما بعد الحداثة. أسمع هذه الكلمة في كل مكان، ولكني لا أفهمها جيداً. قلبي وجعني من كثرة التكرار. أفهم فقط أن هذه الرؤوس التي نحملها على أكتافنا عليها أن تنفجر لأنها ملوثة، وعلينا أن ننبت مكانها رؤوساً أخرى، أكثر قدرة على الحب والنور والحياة. ما بعد الحداثة هو هذا بالضبط. أن يوجعك قلبك وأذناك مما ليس مألوفاً. أن ينفجر دماغك متخلصاً من نفسه، ويترك المجال لرأس أجمل وأكثر حذقاً. ما دخلت في مخي. الله يرحم جاك دريدا، لا بد أنه يتقلب الآن في قبره. يمكنه أيضاً أن يكون هو نفسه ضحية لما بعد الحداثة، التي تنسف كل شيء، بما في ذلك دريدا المسكين، الذي خلقها ونسي أن الفكر هو قنبلة موقوتة أيضاً لا ندري كيف وأين ستنفجر. يا قلبي. باسطا. شبعت. أترك شوي للغد الله يحفظك. الرواية تنجح بحق في تصوير النخبة، كنماذج شفافة ومرهفة، ولكنها في الوقت عينه على قدر عال من الهشاشة، ما يجعلها أقرب إلى الفراشات، المهيأة للعطب بأقل لمسة خشنة، فكيف حالها عندما تقع بين فكي العنف والتخلف؟.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©