السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا.. سرُّ اختراق الإرهابيين

16 يوليو 2016 22:47
يبدو أن فرنسا أصبحت على خط النار. ومن أصل 16 هجوماً إرهابياً سُجّلت في الدول الغربية هذا العام، كان نصيب فرنسا خمسة منها، ومن بينها الهجوم الأكثر دموية الذي حدث يوم الخميس الماضي في مدينة نيس وأدى إلى مصرع 84 شخصاً على الأقل. وقبل فترة تزيد بقليل عن الأسبوع من وقوع الهجوم، قدمت لجنة شكّلها البرلمان عرضاً للأسباب التي تجعل فرنسا دولة مهددة بأخطار الإرهاب من خلال تقرير مطوّل. وبغض النظر عن الأخطار الراهنة التي تهددها، فإن لفرنسا تاريخها الاستعماري السلبي، وقد سجلت فشلاً واضحاً في إدماج المهاجرين إليها من شمال أفريقيا، وهي تعاني أيضاً من عدم كفاية جهاز الشرطة وضبط الأمن. وجاء في التقرير ما يلي «إن كل المواطنين الفرنسيين الذين تورطوا في الاعتداءات التي وقعت في مناطق الدولة كلها عام 2015 كانوا معروفين بطريقة أو بأخرى للمصالح القانونية والاستخباراتية. وتم إدراجهم جميعاً في ملفات أمنية، وكانوا تحت المراقبة، وخضعوا لإجراءات التنصّت أو الاعتقال خلال محاولاتهم ارتكاب جرائم التطرف المترافق مع العنف». وكما هي حال «عمر متين» مطلق النار في أورلاندو، فقد كانت مصالح الأمن الفرنسية تراقب العديد من الإرهابيين الذين نفذوا فيما بعد أسوأ الهجمات في عام 2015 مثل الأخوين كواشي اللذين ارتكبا مذبحة مجلة «شارلي إيبدو». وقد فشلت مصالح الأمن في وضع «آميدي كوليبالي» تحت المراقبة وهو الذي تمكن من احتجاز رهائن في باريس عقب الهجوم مباشرة. وسبق للإرهابي «سامي عميمور» الذي أطلق النار في شهر نوفمبر الماضي على حشد من رواد مسرح غنائي في باريس، أن سافر إلى سوريا، وعندما عاد، تم استجوابه ووضعه تحت الإقامة الجبرية، إلا أنه لم يحدث أي تطور في قضيته ولم يُتابع التحقيق معه أو تجر مراقبته، بما يؤكد غياب التنسيق والتعاون بين رجال الشرطة ومصالح المخابرات. وكان المهاجم الآخر في «مسرح باتاكلان» يدعى «عمر مصطفاي» وقد علمت المخابرات الفرنسية من مصادر المخابرات التركية أنه متطرف خطير، ولكن لم تتم مراقبته أيضاً. وتتواصل هذه القائمة وتتعدد من دون أن تعني أبداً أن الوكالات الأمنية الفرنسية تفتقر إلى المصادر والأدوات اللازمة لمراقبة الإرهابيين المشتبه بهم. وبناء على التقرير، حددت المصالح الأمنية الفرنسية أسماء 2700 مشتبه بهم ممن يتعين التنصت على اتصالاتهم، ولكنها لم تنفذ هذه التوصية إلا على عدد محدود منهم. وتمكنت تلك الوكالات من إجهاض تسع محاولات لتنفيذ هجمات إرهابية منذ بداية عام 2015، وتحقق معظم هذا النجاح عن طريق مراقبة المشبوهين المؤيدين لتنظيم «داعش» الإرهابي. إلا أنها لم تتنبّه لوجود عدد آخر منهم. وعلى الرغم من أن هذه الوكالات شهدت عملية إصلاح تهدف إلى التخلص من الإجراءات البيروقراطية، فإنها لا تزال تعمل وفقاً لتوجهاتها الخاصة التي تتميز بالبطء والقصور. ومن أمثلة ذلك، الافتقار إلى أسس التعاون بين فصائل «الدرك الوطني» التي تلعب دور الشرطة في الأرياف الفرنسية، والمخابرات الوطنية. ومن المعروف أن العديد من إرهابيي المستقبل يُصابون بوباء الميل إلى التطرف وهم نزلاء السجون الفرنسية، إلا أن جهاز المخابرات المتخصص بمراقبة السجون يضم 114 عنصراً فقط ممن تفترض فيهم مراقبة العدد المتضخم من النزلاء الذي بلغ 68 ألفاً، فضلاً عن مراقبة أكثر من 235 ألفاً من المفرج عنهم. ويقال إن 60 في المئة من نزلاء السجون في فرنسا مسلمون. وإذا ما قمنا بمقارنة هذه النسبة مع نسبة المسلمين في فرنسا كلها والبالغة 8 في المئة من مجموع عدد السكان، فسنستنتج أن هذا البلد يعاني مشكلة عدم القدرة على إدماج المجتمع المسلم. وتعاني الجالية المسلمة في فرنسا معدل بطالة عالياً، وتستوطن «الغيتوهات» أو المخيمات السكنية المتواضعة القائمة على أطراف المدن التي تعد بيئة خصبة لانتشار كل أنواع الجرائم، من الاتجار بالمخدرات وحتى الإرهاب. ويعتبر صغار الشبّان من ذوي السوابق العدلية، بيئة مواتية لنشر الأفكار التي تدعو إلى التطرف، وهي التي تؤمّن لهم السبب «المقنع» الذي سيحاربون من أجله! إلا أن الحكومة الفرنسية لا تمتلك نظاماً فعالاً لمراقبة هذه الجماعات الجاهزة لحمل شعارات العنف والتطرف. وهذا ما يفسر فشل قوات الأمن الفرنسية في مراقبة المقيم التونسي البالغ من العمر 31 عاماً الذي قاد شاحنة مؤجرة واقتحم بها حشداً من المحتفلين باليوم الوطني في «منتزه الإنجليز» بمدينة نيس يوم الخميس الماضي. وكما هي الحال بالنسبة إلى من سبقه من الإرهابيين الفرنسيين، فقد كان معروفاً لدى أجهزة الشرطة بممارساته العدوانية المتكررة، ولم يتم التحقيق معه لمعرفة ما إذا كان يضمر القيام بأعمال إرهابية، أو ما إذا كان على اتصال بإرهابيين. يذكر أن اللجنة البرلمانية المكلفة بملف الإرهاب قدمت 40 اقتراحاً تهدف إلى تعزيز قدرة فرنسا على مكافحة الإرهاب. وتتراوح تلك الاقتراحات بين الإجراءات البسيطة مثل تعزيز قدرة رجال الشرطة الاستباقية على المواجهة العملية للهجمات الإرهابية قبل أن تتسبب في الأضرار، وهي التي كانت ستمنع سائق شاحنة حادث نيس من اقتحام الحشد، وحتى تأسيس وكالة قوية للاستخبارات متخصصة في مراقبة نزلاء السجون وتنسيق الجهود والنشاطات المضادة للإرهاب بشكل أفضل. * محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©