الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رعاية وكفالة اليتيم مظهر حضاري ومنهج أخلاقي والتزام ديني

رعاية وكفالة اليتيم مظهر حضاري ومنهج أخلاقي والتزام ديني
1 ابريل 2012
مع مطلع شهر أبريل من كل عام، تستنفر كافة الجهود المجتمعية للاحتفال بيوم اليتيم العربي، وان كانت جوانب الاهتمام والرعاية لا تقتصر على يوم المناسبة فحسب، إنما هو يوم نستذكر فئة غالية على نفوسنا جميعاً نخصها بالاحتفاء والتكريم. وليس هناك أبلغ وأدل على المكانة الرفيعة لليتيم التي حث عليها القرآن الكريم في «ثلاثة وثلاثين موضعاً»، في محكم آياته العظيمة، وقال تعالى: «ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم». وخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من يرعى ويكفل اليتيم بمرافقته في الجنة، حيث قال: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين.. وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما». ومن ثم تتضح أهمية هذا اليوم في تذكير أفراد المجتمع وحثهم على رعاية الأيتام. فالشريعة الإسلامية شددت على إشباع حاجات اليتيم، والعدل معه. فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مداراة اليتيم والرفق به وتكريمه، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «حثّ الله تعالى على برِّ اليتامى لانقطاعهم عن آبائهم، فمن صانهم صانه الله تعالى، ومن أكرمهم أكرمه الله تعالى، ومن مسح يده برأس يتيم رفقاً به جعل الله تعالى له في الجنّة بكلِّ شعرة مرّت تحت يده قصراً أوسع من الدنيا وما فيها». خورشيد حرفوش (أبوظبي) - اليتيم يعاني بعد فقد والده أو والدته أو كليهما الحرمان المطلق، والحرمان من إشباع حاجاته المادية والعاطفية والنفسية، فتنتابه الهواجس والمخاوف وعدم الإحساس بالأمن والأمان، ويخيّم عليه القلق والاضطراب. وغالباً ما تلقي هذه الحالة بظلال كثيفة من التأثيرات السلبية على كيان الطفل وعلى بناء شخصيته إن افتقد الرعاية الأسرية والمجتمعية التي تعوضه عن يتمه. لذا أوصى الإسلام برعاية اليتيم رعاية خاصة لا تقل ـ إن لم تَزِدْ ـ على الرعاية الممنوحة للأطفال الآخرين. في الوقت ذاته يحذر الخبراء المعنيون بالعلوم التربوية والسلوكية من حالة اليتم التي يعيشها كثير من الأطفال، في ظل وجود الوالدين، وفي ظل وجود أب ـ حاضر غائب ـ تشغله هموم الدنيا وضغوطها ومشاكلها ومسؤولياتها، وينسى أن على كاهله مسؤولية أهم وأكبر وأولى، وهي رعاية أبنائه الذين يعيشون في كنفه، إلا أنهم يعانون شتى أنواع وصور الحرمان العاطفي والاجتماعي والوجداني رغم أن والديهم على قيد الحياة، ومن ثم تفرز هذه الحالة أنماطاً غريبة ومضطربة تفتقد أهم متطلبات الحماية والأمن النفسي والاجتماعي، ومن ثم تخرج إلى المجتمع عناصر تثقل كاهله بدلاً من أن تكون معاول بناء وعطاء وتنمية. فماهي احتياجات الطفل اليتيم؟ هل هي احتياجات تزيد عن الطفل الذي يعيش في كنف والديه؟ وهل المبالغة في الاهتمام والرعاية والتدليل أحياناً تفيد شخصية الطفل أم تضره؟ وماهي مظاهر الضرر التي يتعرض لها الطفل الذي يعاني اليتم في ظل أبوين حاضرين غائبين، أو كلاهما؟ طبيعة خاصة الأخصائية النفسية داليا الشيمي، تشير إلى طبيعة الطفل اليتيم، وأهمية مساندته النفسية، وتقول: «مما لا شك فيه أن الطفل اليتيم يتسم بطبيعة خاصة. فهو يقع ضمن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة بالمعنى الأعم والأشمل للكلمة، والتي درج على استخدامها في الإشارة للأطفال المعاقين فقط، لكنها في الحقيقة كلمة تشير إلى كل فئة تتطلب معاملة خاصة واحتياجات مختلفة عمن يقعون في مرحلتها العمرية أو في نفس ظروفها. وبالتالي فالوصف ينطبق تماماً على الأيتام، الذين يتم إيداعهم في دور للرعاية أو ما يطلق عليها «دور الأيتام» وتبعاً للشروط الخاصة التي تفرضها الحياة في دور الأيتام نجد للأطفال الأيتام خصوصية، ويصبح تساؤلنا هنا، لماذا يعتبر الطفل اليتيم من ذوي الاحتياجات الخاصة ؟ وتجيب الشيمي: «إن غياب الأم والأب رمزي الحماية والحب والرعاية بكل أشكالها، هو ما لا يعوض أي شخص آخر دورهما، فصلة الدم والحب اللتان تبدآن قبل حتى أن يتواجد هذا الصغير، ويتوقف حبه على لونه أو شكله أو صفاته، تجعل من الوالدين وتبعاً لكل الأديان وكلمات الحكماء والوصايا المختلفة، ومنها وصايا لقمان لابنه حينما أبلغ ابنه بأن والديه أول وآخر من أحباه لذاته». وتضيف الشيمي: غياب الجو الأسرى في التنشئة الاجتماعية للطفل يؤثر على اليتيم، ففي معظم الأحوال يتواجد الأطفال في دور الأيتام ويخضعوا لرعاية أم بديلة في الصغر ويغيب عنهم الدور الأبوي والتكامل بين دور الوالدين لتحقيق رغباته. وتدخل عدد كبير من المؤسسات والهيئات والأشخاص في تربية الطفل، والتغير الدائم في صناع القرار بالنسبة له مما يصعب عليه عملية التوافق والتأقلم التي يبذل فيها جهد من طاقته النفسية ما يلبث أن يزول في لحظة حين تقرر الأم البديلة أو المديرة التي تعود على قوانينها ووفق أوضاعه معها أن تغادر المكان فيبدأ في رحلة أخرى بحثاً عن التوافق والتكيف مع الجديد. كما أن انشطار المجتمع في نظرته لليتيم بين من يسيئون التعامل معه عن سوء فهم أو أفكار مغلوطة سواء دينية أو اجتماعية، وبين من يرون ضرورة تقديم يد العون للطفل اليتيم، ولكنهم يجهلون الطريقة المثلى لذلك، فنقع بين طرفين تصدر عنهما تصرفات عشوائية تؤثر على الطفل وتترك ترسيبات نفسية قد تشكل مستقبله. فضلاً عن عدم وجود نظم ثابتة وإشراف علمي منظم ودقيق يوضح النموذج الأمثل للتعامل مع هذه الفئة، فيدرس احتياجاتها ويحدد طريقة التعامل معها، فيكون الاجتهاد دون فهم التكوينة الأساسية في أغلب الأحيان. وغالباً مالا يتم التفكير في هؤلاء الأطفال في الكبر أو ما يتعلق بمستقبلهم وإعدادهم للتعامل بشكل سوي مع المجتمع خارج الدار بعد أن يحين وقت خروجهم للمجتمع الأكبر. كل هذه الأسباب وغيرها تقع خلف وضعنا لهذه الشريحة التي يشغلها الأطفال الأيتام ضمن الفئات ذوي الاحتياجات الخاصة، وما يترتب عليها من ضرورة فهم احتياجاتهم، ومتطلباتهم، والتعامل معها بما يكفل إيجاد طفل متوازن بأكبر درجة ممكنة. أروع الأمثلة تقول ابتسام نور الهدى «معلمة»: «لقد ضرب لنا معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة، وبيَّن لنا أفضل السبل في فن التعامل مع اليتيم، وها هو كذلك عليه الصلاة والسلام يقبل اليتيم ويدعو له ويحتضنه ويسأل عنه وعن أحواله فهو صاحب القلب الرحيم وصانع المواقف العظيمة. وعلينا أن نتعلم ما حباه الله تعالى لليتيم من مكانة رفيعة وشأن عظيم في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. إن أول هذه الفنون في التعامل مع اليتيم زرع الحب والثقة في النفس، فإن إعطاء الثقة بالنفس والفرصة لإثبات وجوده، وتربيته تربية جادة وهادفة وغرس العقيدة الصحيحة لديه، والعمل على إدخال البهجة والسرور على اليتيم لأنها من أعظم الطاعات والقربات التي يتقرب بها العبد لله سبحانه وتعالى. ومعاملته بلين الكلام وحسنه، فالكلمة الطيبة له صدقة، ودفعه للعمل وتحفيزه على أن يكون عنصراً صالحاً ومنتجاً صدقة، ورفع الروح المعنوية لديه صدقة، وحثه على الاستمرار والمواصلة للوصول إلى معالي الأمور صدقة، ويجب ألا نبخل عليه بالتوجيه والإرشاد بطرق مباشرة وغير مباشرة لنحقق التأثير الإيجابي المطلوب. احتياجات أساسية تقول الدكتورة غادة الشيخ، استشارية العلاقات الأسرية: «إن احتياجات الطفل اليتيم هي نفس احتياجات الأفراد العاديين لكن بدرجة أشد، لأن الطفل يرى نفسه فرداً خاسراً بسبب فقدانه لوالده أو والدته أو كليهما، ولملء هذا الفراغ نجده يعاني ويختلق الأعذار، وتزداد حساسيته عند الحاجة لهذه الاحتياجات التي تأتي الاحتياجات النفسية في مقدمتها، وحاجته إلى المحبة والحنان، ومن ثم على المحيطين به تلبية حاجاته هذه بكل لطف دون أن نشعره بالنقص، فكان الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام عندما يرى الأيتام يجلسهم إلى جانبه أو على فخذه، ويمسح على رؤوسهم، ويقول إن الله تعالى يؤجر الفرد بعدد ما يمسح من الشعر بيده. فالأب هو عمود الأسرة الأساسي، وبفقده يختل نظامها، ويعاني أبناؤها من الحرمان، ولإعادة هذا التوازن المفقود علينا أن نقوم بدور العائل الموجه للأبناء الأيتام، وتلبية حاجاتهم المادية والمعنوية كافة وتقديم النصح والتوجيه البناء لهم، في جو دافئ من الحنان والرعاية والاهتمام، فالطفل اليتيم في حاجة إلى من يستمع لآلامه، ويهتم بشكواه ومعاناته التي تواجهه في مختلف الأحيان، فلو أفصح عن إحدى همومه يجب أن نستمع له، فهذا سوف يؤدي إلى إضفاء حالة الهدوء والسكينة عليه. لكن علينا ألا ننسى أنه في حاجة إلى الضبط والسيطرة، فصحيح أنه يتيم، لكن يجب أن لا تصبح معاملتنا إياه بالعطف والحنان سببا بأن يشعر بأنه قادر على الإقدام على أي عمل يريده دون ضوابط، وأن أحدا لا يراقبه أو يمانعه في ذلك. كما أنه في حاجة إلى تأكيد الذات وعدم فقدان الثقة بالنفس، لهذا من الضروري تهيئة مناخ إعادة بناء شخصيتهم، لكي يستعيدوا الثقة بأنفسهم مرة أخرى ويرون لأنفسهم أهمية ومكانة ودور في الحياة، حتى لا يكونوا عرضة للانحراف. فلكل إنسان في كل مراحل حياته احتياجات تختلف من مرحلة عمرية لأخرى، وتختلف أيضاً باختلاف التنشئة مكاناً وزماناً، إلا أن هناك حاجات ثابتة وأساسية تتواجد لدى كل فرد، وفى كل مراحل عمره، يلعب إشباعها دوراً كبيراً في استقرار حياته واستمرارها. فالطفل في حاجة إلى تحقق الإشباع والارتياح، فهو لديه كإنسان حاجات فسيولوجية، وحاجات نفسية، وحاجات اجتماعية يرتبط ظهورها وإشباعها بوجود الفرد في المجتمع». دمج اليتيم في المجتمع الدكتورة ناهد الشيخ تؤكد أن عملية دمج اليتيم في المجتمع، تأتي في مقدمة احتياجات الطفل اليتيم، فهو يحتاج إلى مخالطة الآخرين وعدم اعتزالهم، حتى يشعر أنه جزء من الناس الذين ينتمي إليهم، وليس بغريب عنهم، فالرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه». كما يفترض علينا مراعاة أدبه وتربيته تربية صالحة، والتلطف به وتأديبه أحسن تأديب، وتعليمه أحسن تعليم، وتزويده بالقيم الأخلاقية والسلوكية القويمة. فاليتيم طفل عادي يحتاج إلى قيم تربوية أيضاً يستمدها من قيم المجتمع، ومن تعلمه واحتكاكه بالمجتمع من حوله، وبأفراده ومؤسساته العلمية والدينية والإعلامية والثقافية والاقتصادية وغيرها. وعليه أن يكتسب القيم التي تصونه من الانحراف أو الزلل عن طريق الأنشطة والبرامج التي تغرس فيه كل ما هو إيجابي للارتقاء بشخصية اليتيم وإيجاد وازعٍ داخليٍ يحميه من كل فساد وانحراف. كما لا ننسى حاجة الطفل اليتيم كغيره من الأطفال إلى التعريف بحقوقه وواجباته التي تساعده على الانخراط في المجتمع بشكل طبيعي، والمشاركة في عملية البناء إسوة بغيره من الأطفال، دون أن نهمل بالضرورة احتياجاته الاقتصادية والمادية، والحفاظ على حقوقه وممتلكاته، وحقه في العمل والعيش والكسب الشريف، كقوة فاعلة في المجتمع، ومراعاة حدود الله المشروعة فيما يتعلق بالحقوق، والوصية، ولا يتم خلط أمواله بأموال الوصي بقصد الغش والظلم والجور، تلبية لقول الحق سبحانه وتعالى: «وأتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©