الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الإمارات وبريطانيا تحظيان بعلاقات تاريخية ومتشعبة والدولة تواكب المتغيرات الاقتصادية العالمية

الإمارات وبريطانيا تحظيان بعلاقات تاريخية ومتشعبة والدولة تواكب المتغيرات الاقتصادية العالمية
17 يوليو 2016 13:29
دبي (الاتحاد) أثار القرار الذي اتخذه البريطانيون في الاستفتاء العام الذي جرى في 23 يونيو 2016 بالخروج من جلباب الاتحاد الأوروبي ضجة كبيرة في الأسواق الأوروبية والعالمية، سرعان ما أعاد الذاكرة إلى الزلزال المالي الذي شهده العالم إبان الأزمة المالية العالمية 2008. ويعكس حجم الصدمة –حتماً- مركزية الاقتصاد البريطاني في المحيطين الأوروبي والعالمي من جهة، وعولمة الاقتصاد البريطاني وتشابكاته القوية مع جميع الأسواق العالمية من جهة أخرى. ونظراً لعراقة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دبي والإمارات مع المملكة المتحدة، حيث تعد الإمارات أكبر الشركاء التجاريين لبريطانيا في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، من المتوقع أن يترك القرار البريطاني بمغادرة الاتحاد الأوروبي آثاراً على العلاقات الاقتصادية بين دبي وبريطانيا. من هنا، وفي إطار مهامها في رصد المتغيرات الحاصلة في الاقتصاد العالمي وتحليل تداعياتها على الاقتصاد المحلي، إضافة إلى اقتراح السياسات والمبادرات لمواكبة هذه المتغيرات، وبما يعزز النمو الاقتصادي في دبي والإمارات، أعدت الأمانة العامة لمجلس دبي الاقتصادي ورقة تعريفية عن الآثار المحتملة لقرار «الانسحاب» البريطاني على اقتصاد دبي، تتضمن مقاربة أولية عن آفاق العلاقات الاقتصادية بين دبي والمملكة المتحدة في ظل ما حدث، وذلك كجزء من مشروع دراسة موسعة، سيتم إعدادها فيما بعد على ضوء التطورات التي ستشهدها هذه القضية، وتوافر البيانات من مختلف المصادر المعنية. العلاقات الاقتصادية ترتبط بريطانيا بعلاقات تاريخية وثيقة مع منطقة الخليج العربي تعود إلى سنوات عدة قبل تشكل مجلس التعاون الخليجي في العام 1981. وما أن حصلت هذه الدول على استقلالها السياسي سرعان ما اتجهت علاقاتها الاقتصادية مع بريطانيا نحو النمو والتنوع. فمن المعروف أن بريطانيا تعد شريكاً تجارياً مهماً لجميع دول المجلس. فقد ازداد حجم التجارة بين الطرفين بصورة مستمرة حتى بلغ 33 مليار دولار في عام 2014، ثلثيها كانت على هيئة صادرات بريطانية إلى دول المجلس، في حين تمثل الثلث الآخر بصادرات خليجية إلى بريطانيا. هذا وتقدر الاستثمارات الخليجية وحدها في بريطانيا بأكثر من 120 مليار جنيه، غالبيتها مستثمرة في العقارات والأسهم أو كودائع بالجنيه الإسترليني. ولعل من الجدير بالذكر في هذا السياق أن دول المجلس قد شرعت بمفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع دول الاتحاد الأوروبي منذ العام 1990 لكنها لم تستكمل بعد، نظراً للمعوقات التي اعتورت مسيرة هذه المفاوضات. أما على مستوى الإمارات، تتمتع الدولة بعلاقات تاريخية متنامية مع المملكة المتحدة، والتي تعود إلى العام 1950. وتأتي الإمارات في مقدمة الشركاء التجاريين لبريطانيا على مستوى دول المجلس، حيث وصل حجم التجارة بين البلدين العام الماضي إلى 73 مليار درهم (حوالي 20 مليار دولار). كذلك تعد الإمارات أكبر شريك تجاري لبريطانيا على مستوى الشرق الأوسط، والعاشرة على مستوى العالم. وتشير المصادر البريطانية إلى أن الإمارات تعد ضمن أكبر 12 شريكاً تجارياً لبريطانيا، وتتجاوز تجارة بريطانيا مع الإمارات تجارتها مع كل من الهند والصين. ويعمل في الدولة أكثر من 4000 مشروع بريطاني في مختلف القطاعات والأنشطة. وتغطي الصادرات البريطانية إلى الإمارات تشكيلة واسعة من المنتجات، مثل الاتصالات، ومولدات الطاقة، والمكائن والمعدات، والمنتجات الإلكترونية، والمواصلات، وغيرها. كذلك تلعب الشركات البريطانية الكبيرة مثل «bp» و«Shell» دوراً مهماً في تنمية موارد الطاقة في الدولة. ويقطن في الإمارات أكثر من 100 ألف مواطن بريطاني، كما يزور الدولة حوالي مليون زائر بريطاني سنوياً، في حين يصل عدد السياح الإماراتيين إلى المملكة المتحدة حوالي 50 ألف سنوياً. وتنظم أسبوعياً عشرات الرحلات الجوية بين الإمارات والمملكة المتحدة، حيث تساهم ثلاث شركات طيران، وهي «الخطوط البريطانية»، و«طيران الإمارات»، و«طيران الاتحاد»، في نقل معظم زوار الدولتين. دبي وبريطانيا وعلى نحو موازٍ لنمو العلاقات التجارية بين دولة الإمارات والمملكة المتحدة، ازدادت وتائر المبادلات التجارية بين دبي والمملكة المتحدة. وقد شمل ذلك التجارة المباشرة وغير المباشرة لاسيما عن طريق المنطقة الحرة لجبل علي «جافزا»، مستفيدة من التسهيلات التي تقدمها المنطقة المذكورة للتجار البريطانيين، وغيرهم. ونمت عدد الشركات البريطانية في جافزا من 326 شركة عام 2009 إلى 465 شركة في عام 2015. وفي تقرير حديث لجمارك دبي، حافظت المملكة المتحدة على موقعها كثالث أكبر شريك تجاري أوروبي لدبي (14%) بعد كل من ألمانيا وبلجيكا. وتشمل معظم صادرات دبي إلى بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، الألمنيوم، والذهب، والمصوغات الذهبية والمجوهرات، فيما تركزت تجارة إعادة التصدير على الألماس. أما على صعيد الاستثمارات، يأتي البريطانيون في مقدمة المستثمرين الأوروبيين في دبي. ولعل في طليعة القطاعات التي اجتذبت المستثمرين البريطانيين في الإمارة هو قطاع العقارات. فقد شهدت السنوات الماضية إقبالاً لافتاً من قبل المستثمرين البريطانيين –مؤسسات وأفراد- لشراء العقارات لاسيما في المناطق والمشاريع ذات النوعية الفاخرة، كذلك يبرز البريطانيون في مقدمة السياح الأوروبيين القادمين إلى دبي. وطبقاً لتقارير دائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي، تتصدر بريطانيا قائمة الدول الثلاث الأولى المصدرة للسياحة إلى دبي، حيث استقبلت الإمارة العام الماضي 1.2 مليون زائر بريطاني، أي ما يناهز 11% من إجمالي الزوار. ويصل عدد رحلات «طيران الإمارات» لوحدها بين دبي والمملكة المتحدة إلى 119 رحلة أسبوعياً. وازداد عدد المعارض والفعاليات التي نظمت في كلا البلدين، والتي ساهمت بغير حدود في الترويج للفرص الاستثمارية التي يوفرها كل منهما للآخر. كما اتسع وجود البريطانيين في دبي، ليشمل القطاع الاجتماعي، فازدادت عدد الجامعات ومراكز التدريب وشركات الاستشارات المالية والقانونية في الإمارة. كذلك نمت عدد المؤسسات الصحية التي يعمل فيها البريطانيين. تكهنات الخروج من السابق لأوانه إطلاق التكهنات جزافاً بشأن محصلة الآثار التي تركها أو سيتركها مستقبلاً قرار «الخروج» على اقتصاد دبي والإمارات، حيث لا تزال القضية تتفاعل على مدار الساعة، بيد أنه وعلى ضوء الحقائق والأرقام سالفة البيان التي تدلل على متانة الروابط الاقتصادية والتجارية بين دبي والمملكة المتحدة، فإن آفاق هذه الروابط في حقبة ما بعد مغادرة بريطانيا الكتلة الأوروبية ستحددها المتغيرات التالية: القوانين والأنظمة المرتبطة بالمبادلات التجارية بين بريطانيا وشركائها التجاريين الأوروبيين وغيرهم، بما يتضمن ذلك مقدار الرسوم الجمركية، وغيرها من اللوائح المنظمة لحركة التجارة مع العالم، حيث إن بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستطبق القواعد المنظمة لحركة التجارة وفق منظمة التجارة العالمية (WTO) في هذه الحالة، ما يمكن أن يجلب ذلك مرحلة طويلة من الصعوبات أمام الصادرات والواردات البريطانية، ما يعني بالتبعية انكماش الناتج المحلي الإجمالي البريطاني. مستقبل سوق التوظيف في بريطانيا خاصة بعد إيقاف تدفق العمالة من شرق أوروبا إلى بريطانيا كإجراء متوقع أن تقدم عليه الحكومة البريطانية المقبلة. لكن بالمقابل فإن بضعة ملايين من الوظائف البريطانية تعتمد على أوروبا، وبالتالي من المتوقع أن تخسر بريطانيا ما لا يقل عن 3 ملايين فرصة عمل مرتبطة بالأسواق الأوروبية بعد الخروج. مستقبل الاستثمارات الأوروبية في بريطانيا، خاصة في الأسواق المالية والصناعة، وتأثير كل ذلك على معدلات نمو الاقتصاد البريطاني. ولعل جل هذه التداعيات والمخاوف تبررها نسبة التصويت العالية التي تمخض عن الاستفتاء البريطاني، والبالغة 48.1% لصالح البقاء. ولا نزاع في أن جميع هذه التساؤلات سوف تحتاج بعض الوقت ليتم الرد عليها، بيد أن من الثابت أن قوة ومعالم الاقتصاد البريطاني سوف تحدده مجموعتان من العوامل: الجنيه الاسترليني وتتمثل بصورة رئيسة بإرادة البرلمان الأوروبي وقرارات بروكسل، فضلاً عن قرارات جميع دول العالم، خاصة الاقتصادات الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأميركية واليابان، إلى جانب الأسواق الناهضة في التعامل مع بريطانيا المستقلة. وباقتضاب شديد، يمكن إيجاز أهم الآثار التي سيتركها قرار «الخروج» على اقتصاد دبي في ما يلي: أن انخفاض سعر الجنية الاسترليني سيكون في صالح المستورد الإماراتي لاسيما مع استمرار السعر المرتفع للدولار الأميركي، حيث ستزداد الطاقة الاستيرادية للتاجر الإماراتي في هذه الحالة حينما ستنخفض فاتورة الواردات من بريطانيا مقارنة بالفترة الماضية. لكن بالمقابل، فإن انخفاض سعر الجنيه لن يشجع البريطانيين كثيراً على السفر والسياحة إلى الإمارات، خاصة إلى دبي التي تعد إحدى أهم واجهاتها في المنطقة، حيث ستغدو مكلفة بالنسبة لهم مقارنة بوضع الجنيه قبل الخروج، كما أن هذا الوضع لن يشجع التاجر البريطاني على الاستيراد من دبي. وبالاتصال مع أعلاه، فإن الانخفاض الذي يحتمل أن يشهده مستوى أداء الاقتصاد البريطاني خلال الفترة المقبلة، وانعكاس ذلك على الأسعار، وتكلفة الاستثمارات، ربما سيشجع الشركات الإماراتية على الاستثمار في بريطانيا، خاصة في القطاع العقاري. وعلى الرغم من تأثر سوق دبي المالي -كجميع الأسواق الخليجية- عشية إعلان نتائج التصويت البريطاني، فإنه ليس من المتوقع أن تشهد هذه السوق تراجعات مستقبلاً، لكنها وفي الوقت ذاته قد تشهد تقلبات –نسبياً- لتعكس حالة اللا يقين في الاقتصادين البريطاني والأوروبي، إضافة إلى التقلبات الحاصلة في الأسواق العالمية. وكما نلاحظ، فإن هذه الآثار ذات صبغة مركبة قد يصعب قياسها بدقة في الوقت الحاضر، حيث تنطوي كل منها على «ربح» و«خسارة» بالنسبة لدبي في آن واحد، وبالتالي فإن الفيصل يتمثل في صافي هذه الآثار. كذلك ثمة فرق بين الآثار قصيرة وطويلة الأجل، وذلك بحسب الفترة التي ستستغرقها تفاعلات القضية من ناحية، إضافة إلى نوع الاستثمارات الإماراتية (دبي) في بريطانيا إن كانت في أوعية استثمارية قصيرة أو بعيدة الأجل من ناحية أخرى. وعلى أي حال، فإن هذه الآثار قد لا تستمر طويلاً، إذ من المتوقع أن تعمل الحكومة البريطانية القادمة على استعادة قوة بلدها، والعمل من دون هوادة على إعادة السمعة العالية التي اكتسبتها بريطانيا عبر التاريخ كمركز مالي وتجاري عالمي. ويبقى من الصعوبة بمكان التنبؤ بمستقبل الاقتصاد البريطاني، وتأثير ذلك على العلاقات الاقتصادية والتجارية الخليجية-البريطانية، خاصة مع دبي والإمارات، الأمر الذي قد يحتاج إلى نقاش وبحث مستفيضين على مستوى صناع القرار وخبراء الاقتصاد والمفكرين في دبي والإمارات وحتى على مستوى دول المجلس. خطة دبي 2021.. فضاءات حيوية لعلاقات متوازنة ومستدامة دبي (الاتحاد) يمكن القول إن خطة دبي 2021 وما تنطوي عليه من مبادرات ومشاريع، إضافة إلى فيض المبادرات الاستراتيجية التي أطلقتها حكومة دبي خلال السنوات القليلة الماضية مثل «الابتكار» و«الاقتصاد الإسلامي» و«المدينة الذكية» هذا علاوة على توجه الدولة نحو الاقتصاد المبني على المعرفة جميعها تعد فضاءات حيوية لعلاقات متوازنة ومستدامة بين دبي والمملكة المتحدة. كذلك من المتوقع أن يوفر المعرض الدولي إكسبو دبي 2020 والذي سيستمر لفترة ستة أشهر، ويتوقع أن يصل عدد زواره إلى 25 مليون زائر فرصاً كبيرة للشركات البريطانية العاملة في دبي والدولة إضافة إلى اجتذاب مستثمرين بريطانيين جدد. نستدل مما ذكر، فإن الآثار المحتملة لخروج بريطانيا من التكتل الأوروبي على اقتصاد دبي والإمارات تحددها أربع مجموعات من العوامل: فاعلية الجهد السياسي البريطاني لترميم التصدعات التي أحدثها قرار الخروج على الاقتصاد المحلي بكل ما يجر في ركاب ذلك من دور السياسات الاقتصادية الكلية (النقدية والمالية)، إضافة إلى وضع الجنيه الإسترليني. موقف المفوضية الأوروبية حيال مستقبل العلاقات الاقتصادية بينها وبريطانيا، سيما وأن بعض التقديرات تذهب إلى أن نصف الاستثمارات المباشرة المقدرة بنحو 500 مليار جنيه إسترليني سنويا تأتي إلى بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويتصل بذلك أيضاً مدى حرص الدول الكبرى -مثل الولايات المتحدة الأمريكية- على إدامة علاقاتها الاقتصادية وتعاونها مع بريطانيا وآفاق المعاهدات والاتفاقيات التي ستبرمها بريطانيا مع شركائها، وما تنطوي عليه من إزالة العقبات الجمركية وغير الجمركية لمصلحة تحرير التجارة وحركة الأفراد ورؤوس الأموال عبر الحدود، ما سيعزز الاقتصاد البريطاني مستقبلاً. وليس من قبيل المغالاة القول أن القضية تعتمد أيضاً على مدى تماسك أوروبا بعد خروج بريطانيا منها. حيث لا يمكن إغفال حقيقة أن على أوروبا نفسها إعادة ترتيب أولوياتها
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©