الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بلا قرار

بلا قرار
30 يوليو 2008 23:50
لم أكن قد جاوزت العاشرة من عمري حين وزعت علينا أوراق تحديد المهارات والهوايات التي نمارسها في المدرسة الجديدة التي انتقلت إليها، ليتم بعدها توزيعنا في فرق نمارس هواياتنا في أوقات الفسح أو بعد انتهاء الدوام المدرسي· وقد كان من شروط الانضمام إلى هذه الفرق موافقة ولي الأمر والشرط الآخر أن لا نتأخر في تسليم أوراق الموافقة عن نهاية الأسبوع· سعدت كثيراً بهذه الورقة، طويتها بحرص ووضعتها بين طيّات الكتاب المدرسي حفاظاً عليها· حال عودتي من المدرسة أخبرت والدتي - التي كانت تحضر لوجبة الغداء - بالأمر وطلبت موافقتها فلم تتردد بالقول: - موافقة· لكن ما الهواية التي تريد ممارستها؟ انفرج فمي حيرة فأنا لم أفكر فيما أريده بالضبط، أجبتها بعد لأي: - أ·· أظن أن كرة السلة تعجبني· أجابتني أمي باستغراب: ـ أتظن أن طولك مناسب لتمارس هذه الهواية؟ قطبت جبيني··· نظرت إلى جسدي النحيل وقامتي التي أصل بها إلى كتف أمي، حرت في نفسي، متى يمتد هذا الجسد فيصبح كبقية الأولاد؟ - إذاً··· ما رأيك في الجمباز؟ أجابتني على عجل وهي تحمل الأطباق إلى غرفة الطعام وأنا أسير خلفها: - أظنها لعبة للفتيات· أليس كذلك؟ حرت في أمري·· أسرعت في خطوي، وأنا أقضم شيئاً من ظفري: - ما رأيك بالجري؟ نظرت إليّ بابتسامة عجلى: - قرر ما تريد، وانضم إليه·· وأردفت وهي تنظر إليّ وترفع اصبعها السبابة قائلة: - بعد استشارة والدك· توالت أيام الأسبوع وأنا أفكر في الأمر، فأنا أخشى الانضمام إلى فرقة لا أجد المتعة فيها، فأتمنى بعدها لو كنت في فرقة أخرى· جاء يوم تسليم الأوراق، وورقتي بيضاء لم أحدد بعد ما الذي أريده· في الصف الأول الثانوي ومع الاقتراب من نهاية العام الدراسي قدّمت إلينا أوراق لتحديد رغباتنا للعام الذي يليه، وهل نرغب في الانضمام إلى القسم العلمي أم القسم الأدبي· يومها جلست مع أصحابي وقت العصر في ملعب الحارة ''الفريج'' بعد أن أنهينا شوطاً من اللعب بادر أحمد بالقول: - قررت الدخول للقسم العلمي· أعتقد أنه يناسبني بما أنني أحب الرياضيات· أمّا حسن فقد خط باصبعه في الرمل: - very good وابتسم متطلعاً في وجه أحمد: - القسم الأدبي يسهّل عليّ دراستي المستقبلية في كلية اللغة الأجنبية· تطلّعت حائراً بينهما ومن قرارهما السريع! سألني أحمد: وأنت يا هادي ماذا قررت؟ تبسمت من كلمة قررت، فهل العجلة توصل إلى قرار! أجبت: أنا أميل لدراسة الحاسب الآلي فأستطيع دخول القسم الأدبي، ويعجبني الأحياء، والكيمياء فجميل أن أدخل القسم العلمي، وتجذبني مادة التاريخ بما تحمله من أحداث وقضايا فيمكنني دخول الأدبي· تضاحك صاحباي من قولي وما فتئا أن نهضا وهم يسحباني من كلتا يدي ويقولان: نخشى أن لا تكون قد قررت إكمال اللعب معنا فأنت تحب الراحة الطويلة بعد شوط متعب· توالت الأيام·· وجاء العام الذي يليه وقد رأيت نفسي قد وُضِعت في القسم الأدبي، فقلت في نفسي (ولكن مواد العلمي تناسب ميولي أكثر··· ولكن الخير فيما وقع)· في نهاية المرحلة الثانوية قدمت إلينا أوراق أخرى لتحديد رغباتنا الدراسية والجامعات والكليات التي نرغب في الانضمام إليها· كانت الحيرة قد أخذت مني كل مأخذ، والتردد ملك عليّ تفكيري؛ فأنا أخشى إيقاع نفسي فيما لا يوافق ميولي، وتطلعاتي· رأيت أن الجامعة بها ما أريد من تخصصات ولكن أصحابي قرروا الالتحاق بكلية كانت قريبة من منطقتنا اختصاراً منهم للوقت والجهد· تحيّرت في أمري؛ فأنا على مفترق طرق· هل أذهب للكلية القريبة وأكون مرافقاً لأصحابي، أم ألتحق بالجامعة البعيدة نسبياً عن منطقتنا مما سيضطرني لفراق الأهل والأصحاب والعودة فقط في نهاية الأسبوع··· وبين هذا وذاك استمر الحال معي حتى رأيت اسمي في الجريدة اليومية وقد أدرج في قائمة المقبولين في الكلية القريبة منّا· من الأيام الأولى أدركت الفارق بين التحاق الطالب للكلية برغبته ومدى النشاط الذي يعمر قلبه وبين ما يعتريني من رتابة مقيتة··· وفي لقاء مع أحد الأصحاب بادرني: - أشعر أن أبواب العالم فتحت لي وأنا أخوض في غمار ما أحب وما اخترته بنفسي· نظرت إليه بجمود، ابتسامة فاترة تخفي ألما خفيا على نفسي، فقد بدأت أدرك أن القرار لابد أن يتخذ في وقته وليس بعد حين· قاصة إماراتية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©