الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا اللاتينية أطلقت المصطلح ونسيته والعرب منشغلون به

أميركا اللاتينية أطلقت المصطلح ونسيته والعرب منشغلون به
30 يوليو 2008 23:17
أصدر مشروع القراءة للجميع في مصر كتاب ''لاهوت التحرير·· رؤية عربية إسلامية مسيحية'' وقام بتحريره الاب وليم سيدهم اليسوعي· والكتاب عبارة عن مجموعة من الاوراق العلمية قدمها باحثون ومفكرون عرب من مصر والسودان ولبنان· ظهر تعبير أو مصطلح ''لاهوت التحرير'' في اميركا اللاتينية عام 1967 واستعمله لاهوتي من بيرو هو جوستافو جو بتيرميز في محاضرتين ألقاهما عن الفقر في العالم الثالث، وما يفرضه من ضرورة تحقيق تنمية تقود الى الحرية من خلال قوة دافعة أطلق عليها ''لاهوت التحرير'' وانطلقت التسمية من يومها في الدراسات الاجتماعية والسياسية عبر اميركا اللاتينية وآسيا ثم افريقيا· وكان أستاذ الفلسفة المصري د· حسن حنفي هو من تبنى ذلك المصطلح في عالمنا العربي منذ منتصف السبعينيات في مقالاته ودراساته آنذاك· مفهوم تنموي المفكر السوداني د· حيدر ابراهيم يذهب الى ان إمكانات ''لاهوت التحرير'' الاسلامي عظيمة ولكن التطورات العالمية وحالات القهر الداخلية وغياب الديمقراطية تفتح المجال امام القوى المحافظة القادرة على تهييج الجماهير وتغييب وعيها لتقودها بلا برامج واستراتيجيات واضحة· ويحاول د· حيدر ان يقدم تصورا لما يسميه ''لاهوت تحرير إسلامي'' بالقول: العمل الثقافي والفكري الذي يبغي الحداثة والتحديث مع تحولات ملموسة على مستوى التنمية الاقتصادية الشاملة هو الطريق نحو ربط الدين بالتقدم والتحرر وهذا هو ''لاهوت التحرير'' الاسلامي الذي قد يمكن الناس من بناء فردوسهم على هذه الأرض· وحاول د· حسن حنفي ان يقدم تأصيلا لمفهوم ''لاهوت التحرير'' فعاد به الى التاريخ القديم حيث يرى انه كمعنى ظهر في الستينيات من القرن الماضي مواكبا لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث خاصة بعد الثورة الكوبية وحلم جيفارا، لكنه قديم قدم الانسان على الارض ونشأة الايديولوجيات والديانات والفنون· ويقول د· حنفي: كونفوشيوس انزل الدين الصيني التقليدي من السماء الى الارض·· وبوذا تجاوز تعدد الآلهة في الهندوكية الى ضبط النفس والسيطرة على الاهواء، وذلك يعني في الحالتين ان الدين في خدمة الانسان· ويضيف: دين ابراهيم كان ثورة اجتماعية منذ نوح، ثورة على الجهل والرذيلة، دفاعا عن العلم والفضيلة·· و''لاهوت التحرير'' اذن احد أشكال الدين الطبيعي السابقة على دين الوحي وهو قديم قدم الزمان· نشأة لاتينية ويرى د· حنفي ان ''لاهوت التحرير'' ينشأ في كل المجتمعات في ظروف متشابهة· ويعتبر أن الفكرة ظهرت في اميركا اللاتينية ومن ثم فهو مرتبط أكثر بالثقافة الغربية وبالكاثوليكية خاصة، لكن هذا يدعو الى عدم التوقف· ولا يكفي عرض تجارب لاهوت التحرير في الغرب أو الشرق دون مزاوجتهما بمادة جديدة عربية اسلامية من لاهوت التحرير في الثقافة العربية الاسلامية· والذي يفرض ذلك ان ظروف اميركا اللاتينية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية خاصة في الستينيات مشابهة لظروفنا في الوطن العربي· نماذج إسلامية لاهوت التحرير الإسلامي ظهر قويا برأي حسن حنفي في جنوب افريقيا تحديدا مع الامام هارون شهيد العنصرية ورابطة العلماء المسلمين في جنوب افريقيا، وحركة الشبيبة الاسلامية ونداء الاسلام والقبلة· وظهر ايضا في آسيا مع الامير يوسف في ماليزيا الذي قاوم الاستعمار الهولندي على ان اطرف ما يراه حسن حنفي هو ان ''لاهوت التحرير'' يسعى الى تحقيق اهداف الخطاب العلماني بآليات سلفية، فينتهي النزاع والصراع بين العلمانية والسلفية في الحركة الوطنية· ويتوقف د· حنفي مطولا عند التجربتين المصرية والجزائرية· و''لاهوت التحرير'' متسع جدا لدى د· حنفي، حتى أنه يشمل كل حركات الإصلاح والتجديد في التاريخ الانساني، فهو يتشابه مع الاشتراكية في أنه يدعو الى العدل الاجتماعي ويقترب من الليبرالية في تبني الحرية، وهو قد يكون الوطنية إذ هو في احد جوانبه التصدي للاستعمار والمعنى هنا متسع ومختلط تماما بغيره من المصطلحات، حتى انه يصبح غير موجود بالفعل، وليس له معنى محدد· لبس ووضوح ولأن ''لاهوت التحرير'' ليس واضحا بالقدر الكافي فقد تحدث جمال البنا عن حركة الاحياء في العالم الاسلامي باعتبارها مقابلا للاهوت التحرير· وحملت ورقته عنوانا لافتا ''هل الاسلامي في حاجة الى مثيل للاهوت التحرير''؟ وعند البنا ان ''لاهوت التحرير'' حركة انطلقت من الشعوب المسيحية في آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية واستهدفت ان تذيب الجمود الكنسي وهيمنة الشكليات والطقوس والنزعة المركزية على الكاثوليكية والبروتستانتية وسيادة الجنس الابيض، وقد أثارت موجة كبيرة في البحيرة الآسنة وظفرت بإعجاب الملايين ويمكنها ان تحقق الكثير·· وفي الاسلام والمجتمع الاسلامي يختلف الامر·· الاسلام لم يوجد كنيسة لها سلطة الإباحة والتحريم والتكفير وندر أن يوجد من رجال الدين من يقف بين المسلم العادي وربه مع طابعه ''المدني'' البسيط الذي يكاد يكون علمانيا في بعض جوانبه ورغم كل هذا ظهرت مجموعات من العلماء كونوا ما يشبه المؤسسة الدينية أو الكنسية وتعمق نفوذها بحكم التخصص من ناحية واستقطاب ومباركة النظم الحاكمة لها من ناحية اخرى· وبهذا نشأت المؤسسة الدينية·· قلعة الفقه السلفي وهيمنت على الفكر الاسلامي· وقامت حركة الاحياء لتقاوم تلك الهيمنة، ويمكن أن نطلق عليها ''لاهوت التحرير'' الاسلامي·· وكأن المطلوب هو وضع المصطلح والعنوان فقط· سيرته الذاتية تكشف فشل المنفى الاختياري أحمد عباس صالح: الخيبات العربية أعادتني لنقطة الصفر بعد أكثر من عام على وفاته صدرت السيرة الذاتية للكاتب والناقد أحمد عباس صالح، بعنوان ''عُمْر في العاصفة'' وتضم الكثير من التفاصيل وربما الأسرار الثقافية والسياسية للواقع العربي بين مصر والعراق وبريطانيا حيث عاش· ولد صالح بحي عابدين بالقاهرة عام 1926 واتجه مبكرا إلى العمل الصحفي سنوات الاربعينيات من القرن الماضي بجريدة ''الزمان'' ومجلة ''الفصول'' التي كان يصدرها محمد زكي عبدالقادر، واعتنق الفكر الماركسي وانخرط في احد تنظيماته ثم ابتعد عن التنظيم بعد صدور قرار تقسيم فلسطين عام ،1947 فقد لاحظ اتجاه التنظيم إلى الاعتراف بالقرار وكان يرى أن القرار ينطوي على جريمة تاريخية في حق فلسطين والفلسطينيين وحق العرب، بل الإنسانية كلها· وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 انضم إلى مجلة ''التحرير'' التي اصدرها الضباط الأحرار عقب استيلائهم على السلطة، ومنها إلى جريدة ''الجمهورية'' لسان حال الثورة، وظل صحفيا بها حتى وفاته وعمل فترة قصيرة في مجلة ''روزاليوسف'' وخلال ذلك أسس مجلة ''الكاتب'' ورأس تحريرها منذ عام 1964 وحتى مغادرته مصر عام ·1976 وظلت تصدر بعد ذلك لأكثر من عام ثم توقفت نهائيا، في إطار حملة الرئيس المصري الراحل أنور السادات على اليسار المصري بعد أحداث 18 - 19 يناير ·1977 إلى بغداد وغادر أحمد عباس صالح مصر للعمل باكاديمية الفنون ببغداد وكان يقوم بتدريس مادة المسرح، وكان قد زار العراق عام ،1975 وهناك دُعِيً لإلقاء محاضرة عن فن المسرح، ووجهت إليه الدعوة للتدريس، وذهب ومعه عدد كبير من كتاب مجلة ''الكاتب'' ودفعه إلى قبول السفر ثلاثة أمور، أولها أن وزير الثقافة المصري يوسف السباعي آنذاك عين ضابطا ليكون مديرا لتحرير ''الكاتب'' وكان هذا الضابط شديد العداء لليسار وللكتاب، وشعر صالح ان تلك بداية العصف بالمجلة رغم أن يوسف السباعي أكد له مرارا انه لا نية ولا اتجاه لتصفية أو تغيير اتجاهها، ثانيا أن مقالاته في جريدة ''الجمهورية'' يتم التضييق عليها فلا تنشر بانتظام، وشعر بأن هناك نية لمنعه من الكتابة وثالثها انه كان قلقا من سياسة السادات، واتجاهه بالكامل نحو الولايات المتحدة، واعتبر ذلك انقلابا على كل الأفكار التي آمن بها هو· ويؤكد صالح في سيرته انه لم يتعرض لأي اذى من السادات، ونكتشف من السيرة أنه كان وثيق الصلة بعدد من المقربين للرئيس مثل الكاتب الراحل موسى صبري، الذي كان متحدثا باسم السادات ومعبرا عن سياساته وافكاره· لكن هناك أسبابا أخرى ربما تكون دفعته الى مغادرة مصر إلى العراق أهمها ارتباطه بصداقة مع عدد من المسؤولين العراقيين مثل طارق عزيز الذي كان وزيرا للإعلام وغانم عبدالجليل وكان وزيرا للبترول، فضلا عن عدد من كبار المسؤولين، وكان هؤلاء من قراء مجلة ''الكاتب'' وكانوا يقدرونه، كانت ''الكاتب'' مجلة ثقافية تتبنى الفكر الاشتراكي والقومي، وكان يباع منها في بغداد عشرة آلاف نسخة والى جوار ''الكاتب'' هناك كتابه ''اليمين واليسار في الإسلام'' والذي حاول فيه أن يدرس التاريخ الإسلامي من منظور العدالة الاجتماعية والفكر الاشتراكي· وطبع الكتاب بالعراق أربع طبعات، وقرأه المتخصصون والمهتمون كما قرأه وتأثر به عدد من قادة حزب البعث في العراق· مع البعثيين وكان لصالح جمهور بالعراق، وهذا ما شجعه فضلا عن انه كان من المؤمنين بالقومية والوحدة العربية، لذا كان يرى أن كل البلاد العربية هي بلاده· ويبدو من بين السطور كما يتضح من بعض جمل عابرة، انه هو ومجموعته الذين غادروا إلى بغداد، كانوا يراهنون على أن نظام الحكم في العراق ـ حكم البعث ـ حيث اعتبروه البديل للمشروع القومي المصري الذي تحول على يد السادات· كان النظام في العراق ثوريا وقوميا يسعى إلى الوحدة العربية وإلى النهضة والعدل الاجتماعي· وبعد فترة اكتشف أن الأمور ليست كذلك وتأكد من ان النظام في العراق ليس بديلا للمشروع المصري وليس مشروعا قوميا ورأى اعتقال صدام لرفاقه وإعدامهم وبينهم أصدقاء صالح، خاصة غانم عبدالجليل، وكل فترة يعلن ظهور مؤامرة وتتم الإعدامات، واكتشف أن صدام يهمه الحكم فقط، وانه ليس حاكما ايديولوجيا وثوريا بل براجماتيا تماما، وملأه الخوف هناك لكن واقعة حدثت دفعته الى التفكير في أن يترك بغداد نهائيا· كان صديقا لغانم عبدالجليل وكان يسهر معه هو وزوجته وأولاده مرة في الأسبوع، ولما عادت زوجة صالح إلى القاهرة في إجازة زارتها خادمة غانم عبدالجليل وكانت مصرية وحكت لها انه بعد القبض على سيدها اقتيدت إلى المخابرات العراقية واستجوبت لعدة أيام، وسألوها عما كان يدور بين غانم وصالح من أحاديث، ولم يتركوها إلا حين ذكرت كل شيء، صحيح أن حديثه مع غانم كان يدور في العموميات وفي القضايا الفكرية والثقافية، لكنه شعر بالقلق، فقد تم القبض على معظم اصدقائه ومحبيه وإعدامهم، ووجد أن الجو حوله يتغير حيث يتصل بطارق عزيز، وكان قد صار وزيرا للخارجية فلا يرد عليه رغم انهما كانا على اتصال باستمرار والمخابرات العراقية تفتش فيما يقوله مع أصدقائه وفي سهراته· إلى لندن وزار صالح ميشيل عفلق وكان يقيم شبه سجين في بغداد بعد أن هرب من دمشق، وشكا إليه ما يتعرض له وتجاهل طارق عزيز لاتصالاته وانه يريد مغادرة العراق، فرد عليه عفلق· ''كلنا نريد أن نغادر''· وفوجئ باتصال من طارق عزيز يقول له إنه عُين مستشارا صحفيا للسفارة العراقية في لندن، وهكذا غادر إلى لندن، وهناك لم يجد له عملا محددا ووجد الراتب محدودا لكنه تحمل وطلب منه أن يكتب مقالا ينشر في صحيفة ''الثورة'' العراقية عن القائد الظاهرة صدام حسين فكتب مقالا عن المجتمع العراقي والحالة التي يعيشها والتي توجب وتفرض ظهور زعامات مثل صدام حسين ويبدو أن المقال لم يعجبهم فقد وجد أن راتبه توقف لعدة شهور وحين شكا طلب إليه أن يعد كتابا عن حياة وفكر القائد صدام حسين· ويقول إنه في لحظة ضعف، وافق، وعلى الفور صرف راتبه وبزيادة· وحين حاول أن يكتب لم يتمكن ولم يكتب كلمة، وادرك انهم يريدون شراءه وأن يكتب وفق ما يريدون، وهو ما لم يقبله وشعر بالإهانة وانتهت علاقته بهم· وامكنه أن يدير أموره في لندن حيث كتب بعض تمثيليات لاذاعة ·· بمساعدة صديقه الكاتب الروائي الطيب صالح· وينتهي إلى ان المنفى الاختياري فكرة فاشلة أو على الأقل سلبية! وينهي سيرته بالقول ''لقد كان حجم الخيبات الشخصية والعربية التي عشتها من الضخامة بحيث اعادني إلى المربع الأول ونقطة الصفر من التفكير ووقفت أمام لغز الحياة حائرا''· ويقول: ''ها هي الاشتراكية قد انهارت وها انذا أرى فشل التطبيق الاشتراكي في الدول الاشتراكية وكم ساورتني فكرة أن الإنسان بحكم تكوينه البيولوجي غير قادر على إنشاء عالم غير قائم على التنافس مع تنامي الرغبة في الهيمنة ولعلي اكتشفت مؤخرا الأهمية القصوى للحرية السياسية والفكرية وانها جوهر حياة الإنسان بالفعل''· ترجمة كتاب النقد الأدبي المعاصر للباحثة الفرنسية آن موريل الشيخ عبد الرحمن بن الحفاف يناقش كتب الغربيين في كتابه مقدمة لدراسة الإسلام دعوة لإعادة النظر في الأرشيف الأجنبي عن الإسلام يتحدث الغربيون عن الإسلام حديثا عاما وغير مؤسس وأصبحوا يتوارثون هذه الأفكار جيلا بعد جيل، دون البحث عن ماهية هذا الدين العدو، وان فعلوا فيجدون أنفسهم أمام كتابات تجعل منه قامعا للحريات ومحرما للملذات وواضعا الحياة قاب قوسين أو أدنى، وما من احد يمكنه أن ينكر المكانة الرفيعة لكتاب ''مقدمة لدراسة الإسلام'' لعبد الرحمن بن الحفاف، في مجمل ما انتح باللغة الفرنسية لتفيد ما كتب عن الرسالة المحمدية ودحض الأباطيل التي حكيت حولها لمحاربتها· إنه من بين الدراسات المهمة التي سمحت للغرب بالإطلاع على الحياة المثالية لرسولنا الكريم، وعلى تطور الفكر الإسلامي المعتمد أساسا على القرآن، الذي كان العمود الفقري في الحضارة الإسلامية وإشعاعها على العالم، ومطالبا بمحاكمة التاريخ وإعادة النظر في أرشيف ما كتب عن الرسول الكريم· تصحيح الأحكام المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن الحفاف مولود سنة 1881 ومتوفى سنة ،1959 وكتابه يقع في 179 صفحة تتوزع على مدخل وخمسة فصول وخاتمة· أراد المؤلف أن يصحح الأحكام المسبقة التي يطلقها أعداء الإسلام على الدين الحنيف، وذلك بالوقوف على دراسات جاء بها كتّاب غايتهم الأولى هي تشويه ماهية الدين الإسلامي، باستعمالهم حججا وبراهين خاطئة، وأفرد صفحات لمناقشتها واحدة تلوى الأخرى، دون أن يستثني ماجاء به الكتاب اللائكتين والملحدين· عبد الرحمن بن الحفاف حلل في كتابه الحضارة الإسلامية وما حققته في كل الميادين من نجاحات لم تحرم منها أحدا مهما اختلف دينه، بدليل الجامعات التي فتحت أبوابها لجميع الجنسيات إبان العصر الذهبي· وقدم الكاتب الفرنسي كريستيان شرفليس هذا الكتاب بقوله ''كاتب هذا العمل أعطى نموذجا واضحا لما يمكن أن يقدمه المنطق عند العربي، حتى اليوم، وفي الجزائر أيضا· ونقول حتى اليوم لان المسلم المتقدم يشكل اتجاها مبالغا فيه نحو الفلسفات الأوروبية''· وأضاف قائلا ''الكاتب بن الحفاف تجرأ على المطالبة بمحاكمة التاريخ لمراجعة الحكم الذي الصق بالإسلام''· وما وصفه الكاتب كريستيان شرفليس بالجرأة عند الشيخ بن الحفاف، هو محاولة منطقية للمطالبة برفع الحصار عن الدين الإسلامي الذي يعتبر تهمة دونا عن كل الديانات الأخرى في العالم، وقدم الشيخ بن الحفاف لهذا الطلب بمقدمة تقع في 36صفحة جاء فيها: ''أفلست محكمة التاريخ، بلا منازع في مبدأ الحكم بنزاهة ودون تحيز على محمد غيابا دون معرفته· كل الكتّاب، القدامى والمعاصرين، والملحدين وحتى الذين يؤمنون بوجود خالق دون تعينه، اتفقوا على اتهام الرسول اعتبروه مخادعا خصوصا في كونه رسول من الله، فبالنسبة للملحدين، محمد داهية قادر على أداء دور الرسول بغرض استغلال عشيرته''· ولم يطالب في المدخل بالكتابة عن الرسول الكريم بشكل عقلاني ومنصف فقط بل طالب بإعادة النظر في كل الأرشيف الذي وردت فيه سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والموضوع من طرف مؤسسي مذهبهم (الملحدين)· ووقف أيضا عند جملة من الآراء الواردة في كتب صادرة بفرنسا مثل كتاب ''تاريخ الإسلام المنشور'' سنة 1879 أهمها أن صاحبه قال: ''يجب البحث عن تفسير لهذه الظاهرة·· إنه من شبه المستحيل معرفة إذا ما بقي محمد في آخر مرحلة من حياته يؤمن أم لا برسالته''· ويعلق على هذه الجملة قائلا ''في الحقيقة، محمد أطهر وأقوى في كل الأزمان''· وفي كتاب'' القوى الطبيعية المجهولة'' لكميل فلاميرون الذي وقف فيه الشيخ بن الحفاف على جملة تمحور عليها كل الكتاب تقول: ''دين المستقبل، هو دين العلم، ولا توجد إلا حقيقة واحدة فقط، ولا يوجد إيمان راسخ إلا إذا استطاع مواجهة العقل وجها لوجه في كل مراحل الإنسانية''· وعقّب الشيخ بن الحفاف على ماسبق بقوله إن محمد لم يجعل من الإسلام لغزا، بل كل الأمور عنده تعتمد على المنطق''· وعن كتاب ''محمد والقرآن'' لبيير ثلمي سانت ايلار سنة 1865 والذي قال فيه عن الرسول (صلى الله عليه وسلم): ''محمد مدع له عقل'' يوضح بن الحفاف ''الإسلام هو الدين الوحيد الذي ينادي بحرية الرأي ويحميها''· عرض وتفسير جاء الكتاب في خمسة فصول، أولها تحت عنوان ''كتابات حول الخطيئة الأولى'' إذ يقول: ''أورد القرآن آيات مختلفة عن خطيئة آدم لكنه لم يعط لهذه الخطيئة نفس البعد الذي أعطته لها الديانة المسيحية، فبالنسبة للمسلمين، عصيان آدم لا يخص غير شخصه، ولا يجمع بأي شكل من الأشكال نسله كما عند المسيحيين'' واعتمد في هذا الفصل، على القرآن والإنجيل وعلى كتاب ليون لينيديس ''المسيحية ومخاطبة الأرواح''· أما الفصل الثاني والمعنون ''حياة محمد منذ الولادة حتى سن الأربعين''، تحدث عن نسب الرسول، ومراحل حياته وصفاته حتى زواجه بالسيدة خديجة، ثم نظم الفصل بوضع عناوين فرعية سهل بها عملية القراءة التاريخية، ومن بين هذه العناوين ''حياة الرسول منذ بدء الرسالة إلى غاية الهجرة''، وبعده ''حياة الرسول منذ دخوله المدينة حتى وفاته''، وأفرد تسع صفحات لرد الافتراءات عن السيدة عائشة رضي الله عنها، وآخر عنوان فرعي في هذا الفصل هو ''العبودية'' والتي أعطاها بعدا فلسفيا يجعل القارئ يقف مطولا أمام سماحة هذا الدين، وعلاقة الله بعباده الذين جعلهم سواسية كأسنان المشط ولا يقربهم من الله إلا عملهم الصالح بغض النظر عن اللون والجنس والنسب، مالا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يقوم به المطالبون بحقوق الإنسان في العالم اليوم· وفي ثلاثين صفحة أخرى تحدث عن الحروب والغزوات في الإسلام وذلك في الفصل الثالث من الكتاب· وفي الفصل الرابع المعنون ''القرآن'' وقف عند تقسيم القرآن لسور وآيات تتفاوت في الطول الذي اعتبره المستشرقون تقسيما عشوائيا ولا مبررا، ولكن عبد الرحمن بالحفاف برر ذلك برحمة الله لعباده كي لا يشق عليهم صلاتهم التي يؤدونها خمس مرات في اليوم ولذلك توجد السور القصار· واكبر فصل في الكتاب هو الفصل الخامس والأخير والمعنون ''الخصائص المميزة للعلم عند المسلمين''، والذي تحدث فيه عن تأثير الحضارة الإسلامية على العالم، وعن كبريات المدارس في بلدان المسلمين، مثلما وقف على مجموعة من شهادات المسحيين على ما استفادوا به من العرب في مجالات عدة كالرياضيات وعلم الفلك، الفيزياء والكيمياء، العلوم الطبيعية والصيدلة، والطب والمستشفيات· أصدرته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ضمن مشروع كلمة أساسيات اللغة ·· مساحة وجيزة لمعرفة ليس لها حدود سلمان كاصد من المؤكد أن عرض كتاب يهتم باللغة يعد أمراً في غاية الخطورة وخاصة إذا كان هذا الكتاب من السنن النظرية التي يتصف فيها حقل من حقول المعرفة، ولهذا قد ترانا لا نلم بكل طروحات هذا الكتاب الذي بين أيدينا حتماً لأنه متشعب الأفكار ومتعدد الطروحات لكونه قد أصبح محوراً معرفياً لما جاء من بعده من تجديدات نظرية على ذات الحقل· الكتاب هو أساسيات اللغة لرومان ياكوبسن وموريس هالة بترجمة المترجم العراقي سعيد الغانمي والذي صدر عن مشروع كلمة 2008 الذي أطلقته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث· من المؤكد أيضاً أن المترجم سعيد الغانمي قد تحصن معرفياً بالنظرية اللغوية المطروحة في النظام المعرفي للغة الآن وقد ألم بمدارسها المتنوعة وبدقة مصطلحها الذي يعتبر الزوغ عنه أو عدم صوابه مشكلة ما بعدها مشكلة، لأن المصطلح أصبح في العرف اللغوي المتداول محكوماً بالمعنى الدقيق الذي يريده، فإذا افترضنا جدلاً أن هناك دالاً ومدلولاً في التداول اللغوي بحسب سوسر فإننا لابد أن نفترض أيضاً أن المصطلح دال للمعنى المدلول بحيث تتكون لنا مطابقة لا مجال للحيد عنها· يعتبر كتاب ''أساسيات اللغة'' جهداً مشتركاً بين ياكوبسن وهالة في قسمه الأول الذي يعنى بـ''النظام الصوتي وعلم اللغة'' بينما تفرد ياكوبسن في القسم الثاني الذي تناول فيه لوحده ''قطباً اللغة ونمطا اضطراب الحبسة'' عبر مفاصل نظرياته المتعددة وهي في خمسة أجزاء بالتتابع: أولاً الحبسة بوصفها مشكلة لغوية وثانياً الطبيعة الثنائية للغة وثالثاً اضطراب المماثلة ورابعاً اضطراب المجاورة وخامساً القطبان الاستعاري والكنائي· اللغة والكلام الكتاب يمثل مقالتين فقط، وبالرغم من ذلك فإنه يجمل كافة الطروحات التي قام بها هذان العالمان اللغويان اللذان قلبا كثيراً من المفاهيم المتداولة، وقد أشار سعيد الغانمي في مقدمته للكتاب إلى أن أغلب الباحثين في النظريات المختلفة في علم الصوت والنظام الصوتي قد استمدوا أو ناقشوا القسم الأول من طروحات ياكوبسن وهالة، بينما بنيت نظريات أخرى من مثل نظرية جاك لاكان عن الاستعارة، ونورثروب فراي في أطوار اللغة الثلاثة ومباحث رولان بارت في نظام الملبس والمأكل من نظريات ياكوبسن التي طرحها في القسم الثاني حتى أن باحثاً لغوياً مهماً مثل ديفيد لوج قد ألف كتاباً كاملاً في شرح مقالة ياكوبسن أسماه بـ''انماط الكتابة الحديثة: الاستعارة والكناية والكتابة وتنميطية الأدب الحديث''، ومن كل ذلك نرى مدى التأثير العملاق الذي أحدثه هذا الكتاب بل تلكما المقالتين في الدراسات النظرية اللاحقة التي تطورت منهما واستعارت من طروحاتهما لحل كثير من الاشكالات المعرفية وتقعيدها· سوسير فرق بين اللغة والكلام -وهذا شيء متداول- باعتبار اللغة مجالاً اجتماعياً وجوهرياً ولا تتمتع بدور فردي وهي ''عرفية'' قاموسية، إذا صح التعبير، لها معانيها المنفردة بينما الكلام نظام سياقي فردي وعرضي ومتعدد الاستخدامات، ومن هذا المحور بدأ علم الصوت يظهر عند سوسير بالكلام التداولي إلا أن هذه النظرية قلبت إلى قراءة الجهاز الصوتي العام عند الإنسان· ومن هنا برز علمان هما علم الفنولوجيا ''علم النظام الصوتي'' والآخر ''الفونيطيقيا'' ''علم الصوت العام أو علم الفونيمات''، والفونيمات معروف أنها السواكن والعلل·· وفيها نظريات أربع وهي النظرية النفسية والنظرية المادية والنظرية الوظيفية والنظرية التجريدية، وهذا التصنيف، بحسب سعيد الغانمي قد استمد من ما قدمه ياكوبسن وهالة ضمن مشروعهما المشترك· ومن نظرية ياكوبسن الشهيرة لعوامل اللغة الستة، وهي: ''المرسل والمرسل إليه والسياق والرسالة وقناة الاتصال والشفرة'' التي تحدد الوظائف التالية'' المرسل/ العاطفية والمرسل إليه/ الإبلاغية والسياق/ المرجعية والرسالة/ شعرية وقناة الاتصال/ تجاملية والشفرة/ لغوية شارحة''، استطاع ياكوبسن أن يدخل إلى قراءة المحورين اللذين افترضهما وهما محور الانتقاء ومحور التأليف، أما محور الانتقاء فهو استعاري، بينما وجد أن محور التأليف ما هو إلا كنائي ويدعو الأول إلى استعارية الشعر والثاني إلى كنائية النثر وقد أطلق على هذين المحورين أيضاً محوري التزامني والزمني أو محوري الاستبدال والتداول· في ذات الوقت فإن ياكوبسن نفسه لم يلغ التداخل في قراءته لهذين المحورين فهو لم يضع القانون الصارم الجامد إذ ما هو استعاري قد يصبح كنائياً بتداخل الانماط السردية بالشعر وما هو كنائي قد يصبح استعارياً بتداخل الشعرية بالانماط السردية التعاقبية· إذ ليس لديه الحدود الفاصلة والقاطعة بين هذين المحوري، وقد أعطى للنمط الاستعاري صفات محددة منها تبادليتها وتشابهيتها وانتقائيتها واستبداليتها ودراميتها واضطرابها التجاوري وفقدان التأليف فيها ومونتاجها ورمزية الحلم فيها وسرياليتها أما الكناية فهي نمط ذو وحدة تتابعية وتجاورية وتأليفية وذات قرينة وتتمتع باضطراب المشابهة وفقدان الانتقاء والفيلم واللقطة القريبة وتكثيف الحلم والتكعيبية· الانتقاء والمجاورة الانتقاء استبدال، وهذا يحصل في الشعر، وبالتالي فهو استعاري، أما المجاورة فهي تعاقبية، وهذا يحصل في جميع أنماط النثر لكونها كنائية، قلنا إن ياكوبسن لا يضع القوانين صارمة بل هي افتراضية عبر التداخل الإبداعي الحاصل فيما بعد· إذ ليس من المعقول أن تصبح الرومانسية والرمزية استعارية وتبتعد الواقعية إلى الكنائية فمن الممكن جداً أن نجد في الواقعية أوجه رومانسية عالية وفي الرومانسية واقعية مفرطة· قدم ياكوبسن لهذا الكتاب مقدمة مقتضبة، محاولاً أن يشير إلى أن ''أساسيات اللغة'' هي مفاتيح للقوانين التي تحكم اللغة وعلاقتها بالمؤسسات الاجتماعية، فكأه بذلك قد توقع أن تأتي العلوم اللغوية بقراءات مختلفة تحاول ان تقيم أو تنسف بعض المفاهيم التي جاء بها أو تطورها في أقل الحالات ضرراً· يقرأ ياكوبسن وهالة الملامح التمييزية وبنيتها والمقابلة والتضاد وطبيعة الرسالة والشفرة التي تقرن عادة اللغة التي يعرفها المرسل إليه والإضمار والتوضيح أما قراءتهما للنظام الصوتي وعلم الفونيمات فإنهما يفصلان في مفهوم الفونيم والتناول الداخلي للفونيم في علاقته بالصوت وأنماط هذه الملامح كما يقرآن المقاربات الخارجية للفونيم في علاقته بالصوت· في القسم الثاني الخاص بطروحات يا كوبسن يحاول عبر قراءة الاضطراب اللغوي الذي يسمى بـ''الحبسة'' أن يستدل عنها عبر مفهومي الاستعارة والكناية وقراءة مظاهر اللغة التي تتعرض للإتلاف في مختلف أنواع هذا المرض، الذي تناوله من قبله العالم اللغوي جاكسن، متوصلاً إلى مفهوم الطبيعة الثنائية للغة عبر امتلاك الكلام القدرة على انتقاء بعض الكيانات اللغوية، وهذا ما يحصل فعلاً عندما ينتقي المتكلم الكلمات بعينها ويؤلف بينها في جمل على وفق النظام التركيبي للغة التي يستعملها، أن النظام التركيبي لا يعني ياكوبسن بقدر عنايته بالانتقاء حيث تتألف الجمل نفسها من منطوقات، ولكن في كلا الأحوال فإن المتكلم ليس فاعلاً حراً في اختيار كلماته فانتقاؤه محكوم بالمستودع المعجمي الذي بين يديه والذي لابد أن يشترك به مع المرسل إليه، فالمرسل هنا والمرسل إليه يشتركان في ذات الاختيار من المستوع المعجمي· ثم يناقش اضطراب المماثلة التي تؤثر بدرجات متفاوتة في قدرة الفرد على تأليف الوحدات اللغوية وانتقائها فالحبسة لديه هي خلل في الانتقاء· من قراءة الحبسة وعبر اضطراب الانتقاء واضطراب المجاورة يستدل ياكوبسن إلى أهمية الاستعارة والكناية وتأثيرهما في اللغة المستخدمة، ومن هذا المنطلق اعتبرت هذه النظرية كشفاً كبيراً في علم الصوتيات والتي اعتمد عليها كثيراً حتى في قراءات العلماء العرب مثل محمود السعران وكمال بشر وإبراهيم أنيس في قراءاتهم للغة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©