الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وعد بوحسون وبينانا يتألقان مع ولادة وابن زيدون

وعد بوحسون وبينانا يتألقان مع ولادة وابن زيدون
5 أكتوبر 2009 00:26
عندما يلتقى جمال الشعر بعذوبة الصوت، ومعهما روعة اللحن الموسيقي، يخطف الفنان مشاعر جمهوره، ويرتقي به على أجنحة المحبة والإعجاب إلى أسمى معارج الصوفية، في هذا المناخ الحافل بروعة الإصغاء، شهد مسرح الظفرة، يوم السبت الفائت، سهرة غنائية وموسيقية ممتعة مع الفنانة وعد بوحسون، وذلك في إطار فعاليات موسيقية نظمَّها مركز العين للموسيقى في العالم الإسلامي، برعاية هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وقد رافق الفنانة الساعية نحو مقاربة موسيقية للتراث العربي والإسلامي، مغني الفلامنكو كرو بينانا، وكارلوس بينانا العازف على القيثارة وميجل أنجل أورينجو العازف على الكاجون. قدم الحفل الأستاذ شريف خزندار مدير «معهد ثقافات العالم» في باريس، معبراً عن سعادته بإنشاء المركز التراثي الجديد الذي احتضنته مدينة العين، والذي يهدف إلى الحفاظ على كنوز الموسيقى في العالم الإسلامي، وقد أشاد بالجهود التي تقوم بها أبوظبي للحفاظ على التراث وصون كنوز الموسيقى في العالم الإسلامي، شاكراً للهيئة رعايتها للتراث الثقافي والفنون. ثمَّ جاءت إطلالة الفنانة وعد بوحسون وهي تحتضن آلة العود بين يديها، تهفهف على كتفيها عباءة الحرير المطرز بالقصب، وتزهو بالقامة الشابة الشامخة، ما يوحي بأناقة الزي الشرقي العريق، لتأخذ أناملها بمداعبة أوتار العود، وتقدم أول قطعة موسيقية تحية للجمهور الذي بادرها بتصفيق حماسي لافت، وهي تطوف به من قصر الحمراء في غرناطة إلى أبوظبي، مروراً بدمشق وباريس والمغرب. شدت بعد ذلك بأغنية: «يا نائماً أيقظني حبه».. وهي تشكو بكلمات الشاعر غياب الحبيب الذي يغيب معه الناس جميعاً، ليعاودوا الحضور إذ يحضر، تاركةً للمتلقين أن يغبطوا حبيباً لديه من الألق ما يجعله بديلاً عن الآخرين جميعهم. من جهته الأندلسي العابق بحكايا الماضي لم يدع الدمشقية الموشاة بياسمين الشام تنفرد وحدها بالجمهور، الذي بدا في غاية الانسجام منصتاً بصمت يداني الخشوع، فقد تقدم مغني الفلامنكو كرو بينانا ليصدح بصوته الشجي يرافقه عازف القيثارة كارلوس، وهما يؤديان أغنية تراثية، كأنها تحكي قصة عن جمال الطبيعة الإسبانية ومراتع المحبة والحياة البهيجة في تلك الربوع، محملة بشحنة طاغية من الشجن الأندلسي ذي القدرة الفائقة الفائقة على النفاد إلى أعماق الروح. ومع الإيقاع العالي للمغني كانت راحتا يديه تتلامسان برقة ناعمة، وتتناجيان بأنغام خفية تلامس الروح قبل المشاعر، معبرة عن شواغل الوجدان، لكأنَّ المسكوت عنه بين شوارد الكلمات المموسقة: لقد ذهب الماضي البهي قد ذهب حقاً، لكنَّني أنتظر عودته. لم يطل غياب الوعد، وها هي تعود بأجمل الأغاني: «أغار عليك من نفسي ومني ومنك ومن زمانك والمكانِ/ ولو أني خبأتك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني».. هي لم تتوقف عند حدود الغيرة طويلاً، بل انطلقت مع الأميرة ولادة بنت المستكفي لتقول لمحبيها بكل زهو واعتداد بالنفس: «أنا والله أصلح للمعالي/ وأمشي مشيتي وأتيه تيها/ أُمكِّن عاشقي من صحن خدي/ وأعطي قبلتي من يشتهيها». بعدها تضع العود جانباً برفق وحنان، كما تضع الأم رضيعها في مهده، لتنطلق في غناء مشترك مع بينانا، ويندمج الصوت الدمشقي مع الصوت الإسباني بأغنية: «يا من غدوت به في الناس مشتهرا/ قلبي يقاسي منك الهم والفكرا». ويرد عليها الفنان كرو بمقطع أغنية، يمتزج عبره صوته الشجي بعذوبة صوتها، وكأنَّ بوح القلوب واحد، وإن تمايز باختلاف باللغة. ثم يعود الفنان بجمهوره إلى الفضاء الإسباني بأغنية تميزت بالصوت الصداح مع عزف على القيثارة وهمسات اليدين، وهي تتصافح أو تتعانق مع بعضها بطريقة فنية معبرة. مجدداً تنحني الفنانة على آلة العود لتنطلق مع معزوفة مدتَّها خمس دقائق، لتصدح بعدها الحنجرة الذهبية بالحب الصوفي، وأثره السحري الذي يخطف الأرواح مع شيخ الصوفية محيي الدين بن عربي: «لقد صار قلبي قابلاً كل صورة/ فمرعى لغزلان ودير لرهبانِ/ وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن. إلى أن يبلغ ذروة فائقة التسامي بقوله: «أدين بدين الحب أين توجهت ركائبه/ فالحب ديني وإيماني». ومن تلك النغمات الصوفية التي تهز المشاعر وتسمو بالأرواح في فضاء الفن الأصيل، تعود بنا وعد إلى جزيرة العرب وروعة نجد التي تغنى الشعراء بطيب هوائها، مغردة: «ألا يا نسيم الروح بلغ مها نجد...» ويعود الثنائي معا إلى تبادل أدوار الغناء، وكل منهما وهبه الله الصوت الجميل، فيؤدي كل منهما مقطعاً من الغناء، وتعود الموسيقى إلى مكانتها الأصيلة: لغة للقلوب ونجوى الأحبة، وإن اختلفت الألسن بالكلمات: بيت من الغناء الإسباني ترد عليه بالعربية، وكان لابد من حضور ابن زيدون أعظم شعراء الأندلس وعشاقها: «إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا/ والأفق طلق ووجه الأرض قد راق/ وللنسيم اعتلال في أصائله/ كأنه رقَّ لي فإعتلَّ إشفاقا»... ردد الثنائي البيت المغنَّى وهما يترنمان معاً، وأجادا في تنويعه وتجويده دافعين الجمهور لأن يغادر مقاعده، ويهب واقفاً، مصفقاً بقوة لروعة الفن الأصيل، ولهذا الثنائي الرائع، الذي استطاع أن يسعد الجمهور، ويصل بفنه العذب الراقي إلى الجميع، رغم اختلاف اللغات. وبعد أن غادر الفنانان، ومعهما الموسيقيان، خشبة المسرح، استعادهم الجمهور مجدداً، ليتجدد الانسجام على وقع: «رقَّ لي فإعتلَّ إشفاقا».
المصدر: فاطمة عطفة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©