الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب السودان... وأهمية المصالحة القبلية

جنوب السودان... وأهمية المصالحة القبلية
31 مايو 2010 21:27
تتراقص آمال جنوب السودان في مكان ما بين أحلام رجل يتطلع إلى السلام والاستقرار في هذه الضاحية، وامرأة ترقد في كوخها المبني من القش متأثرة بلسعة ثعبان قاتلة. وما بين صمويل كليمنت وبيتا واني، يمتد اثنا عشر ميلاً، غير أن المسافة الفاصلة بين حياتهما تبدو شاسعة جداً. فـ"صمويل" سياسي وحاكم منطقة يتطلع إلى السلام القبلي الذي يعتقد أن بناء جنوب السودان الجديد لن يتحقق من دونه. أما "واني"، فهي ضحية لهجوم إحدى أفاعي الكوبرا عليها، وقد سرى السم في جسدها ولم يعد ثمة أمل لإنقاذها من موت محقق تنتظره. فليس هناك طبيب في الجوار، كما لا تتوافر سيارة إسعاف تقلها إلى ضاحية أو مدينة يوجد بها مستشفى أو طبيب. وفي هذا التعارض بين الشخصيتين، تبدو "واني" أقرب إلى تجسيد عقبات الماضي وأثقاله التي تعصف بأحلام الحاضر وتطلعاته. يقول "صمويل": إنني لا أحلم بأكثر من بناء الثقة بين قبائل المنطقة وعشائرها. ثم إننا بحاجة ماسة إلى الكهرباء ونظام الصرف الصحي والطرق. وكل ذلك يلزمنا ببناء وطن جديد، تحلم غالبية الناس هنا بإعلان استقلاله عن شمال السودان. وهذا ما يتوقع له أن يتحقق بالفعل في شهر يناير المقبل، موعد تصويت مواطني جنوب السودان عبر استفتاء شعبي عام بشأن مصير إقليمهم: وحدة أم انفصال عن الشمال؟ وفيما لو انفصل الجنوب، فإن المرجح له أن يكون بين أفقر دول العالم، وأشدها افتقاراً إلى الطرق المعبدة والمدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية القادرة على تحسين مستوى حياة المواطنين والمواطنات من أمثال "واني"، والملايين غيرها ممن ينتشرون في مختلف أنحاء الأراضي العشبية التي تغطي جنوب السودان. بيد أن الهاجس الرئيسي الذي يسيطر على الكثيرين هناك، هو كيف يمكن الحؤول دون عودة اشتعال العداءات القبلية التاريخية الموروثة عقب إعلان الاستقلال، مع العلم أن هذه العداءات خلفت وراءها نحو ألفي قتيل في العام الماضي وحده. والخوف أن تشعل هذه العداءات نيران نزاعات واسعة النطاق. والمعلوم أن معظم هذه العداءات القبلية وما تخلفه من عدد كبير من القتلى، منشؤها الهجمات القبلية الهادفة للاستيلاء على الماشية والأبقار. وعلى رغم أن لهذه الهجمات تاريخها بين مختلف القبائل والعشائر هناك، لا تزال تتهم الحكومة المركزية في الخرطوم باستغلال هذه النزاعات وتسليح القبائل الموالية لها في الجنوب. وهناك من يتخوف أيضاً من أن تسعى حكومة الخرطوم إلى إشعال نزاع جديد في الجنوب -على إثر إبرام اتفاقية السلام التي وضعت حداً لإحدى أطول حروب العالم الأهلية قبل خمس سنوات فحسب- على خلفية النزاع بينها وحكومة جنوب السودان المستقل حول احتياطات النفط التي يزخر بها الجنوب. وتخشى الولايات المتحدة الأميركية من أن يؤدي تدفق المزيد من الأسلحة إلى تأجيج نزاعات دول منطقة القرن الأفريقي التي تحولت إلى مرتع للجماعات الإرهابية المتطرفة. من ناحيتها تحاول حكومة جنوب السودان -التي تسيطر عليها "الحركة الشعبية لتحرير السودان" نزع الأسلحة القبلية. غير أن هذا البرنامج لم يحقق نجاحاً يذكر في منطقة تركاكا التي تقطنها قبائل الباري والمونداري والدينكا. وحسب أحد تجار الأسلحة فإن جنود "الجيش الشعبي" كثيراً ما يعيدون بيع الأسلحة التي يجمعونها من القبائل لتجار الأسلحة الذين يعيدون بيعها للقبائل بدورهم، بسبب ضعف الرواتب التي يدفعها "الجيش الشعبي" لجنوده. ويتم تهريب معظم الأسلحة المتداولة في الجنوب عبر حدود الدول المجاورة، خاصة أوغندة وجمهورية الكونجو الديمقراطية. وتساهم هذه الأسلحة، خاصة الأتوماتيكية منها، في انتشار الغارات القبلية التي تهدف للاستيلاء على الماشية. والمعروف أن الماشية هي العملة المتداولة، وأن ثروة المرء لا تقاس بحجم أمواله، إنما بحجم قطعانه من الماشية والأبقار. وقد أدت هذه الغارات إلى سلسلة من الثارات والغارات المضادة، التي خلقت حالة عامة من انعدام الثقة بين القبائل والخوف من بعضها بعضاً. وهذه الحالة هي التي دفعت "صمويل" إلى القول: نحن بحاجة إلى مصالحة قبلية. وخلال شهري يناير وفبراير، أعادت قبيلتي -المونداري- إلى قبائل باري نحو 4000 رأس من الأبقار، في مبادرة منها لإظهار حسن النوايا. وقال إن قبيلته لم تخط خطوة مماثلة إزاء قبيلة الدينكا. وأكد أن قبيلته سلمت جميع ما لديها من أسلحة. وبذلك أصبحت منطقته خالية من الأسلحة تماماً. يذكر أن الشهور الأخيرة من العام الماضي، شهدت شن غارة قبلية من قبل أفراد مسلحين من قبيلة "المونداري" ببنادق الكلاشنكوف وغيرها من الأسلحة الأتوماتيكية على قبيلة الدينكا، فاستولوا على أبقارها وخلفوا وراءهم عشرة قتلى. وقد شن الدينكا -القبيلة الغالبة على حزب "الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان"- بإحراق إحدى قرى المونداري وملاحقة العديد من أسرهم بهدف الانتقام منهم وقتلهم. هنا أوضح "صمويل" أن قبيلة المونداري قد أسيء فهمها سنوات طويلة، إذ كثيراً ما نظرت إليها القبائل الأخرى على أنها قبيلة عدوانية، ولا مكان لها في السلام ولا العمل السياسي. غير أن سوء الفهم هذا على وشك أن يتغير الآن. فمن جانبه يسعى "صمويل" إلى تنظيم مؤتمر للسلام بين قبائل المنطقة. ومن رأيه أنه قد آن أوان التنمية وبناء الطرق والمدارس والمستشفيات وتوفير الكهرباء للمواطنين. جيفري فلايشمان - جنوب السودان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي انترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©