الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التحدي الأفغاني: بناء قوات وطنية

التحدي الأفغاني: بناء قوات وطنية
4 أكتوبر 2009 01:31
في الحوار القومي الدائر بشأن مستقبل أفغانستان كثيراً ما يتجاهل الأميركيون أمراً أساسياً ألا وهو أنه حوار لا يدور حولنا ولا حول بلادنا، وإنما حول مستقبل دولة أخرى مختلفة عنا تمام الاختلاف. وفي سبيل تصحيح الصورة الحالية، فإن الخروج المبكر من أفغانستان -وهو ما يفكر فيه كثير من الاستراتيجيين الطموحين هناك- لا يعتمد على مدى قدرة قوات الأمن الأفغانية على تحمل مسؤولياتها الأمنية الوطنية، وليس على تكتيكات القوات الأميركية أو مستوى وجودها الميداني هناك. والمؤسف حقاً أن بناء قوات الأمن الأفغانية معضلة أشد تعقيداً مما تصوره الكثيرون من قبل. ولا شك أن الخيارات التي ستتخذها الولايات المتحدة بشأن مصير الحرب، ستكون لها أهمية كبيرة في تقرير مصيرها. بيد أن الاستراتيجية الأميركية المرتقبة كثيراً ما نظر إليها على افتراض السرعة التي يستطيع بها الجيش وقوات الشرطة الأفغانيان توفير الحد الأدنى الضروري اللازم لأمن المجتمع الأفغاني والدفاع عن حدود بلادهما. لكن، وفيما لو عجزت قوات الجيش والشرطة عن القيام بواجباتهما، فلن تكون للمكاسب الأمنية التي تحققت حالياً أية قيمة تذكر عندما تضطر القوات الأميركية لمغادرة أفغانستان في نهاية الأمر، بصرف النظر عما تستطيع تلك القوات فعله خلال فترة الـ24 شهراً المقبلة، وهي الفترة التي يتوقع معظم الاستراتيجيين أن يحدث خلالها تقدم ما في الجهود المبذولة في أفغانستان. هذا وقد بدأ يشيع الحديث عن أفغانستان بوصفها «فيتنام أوباما»، غير أن هذا الحديث يقوم بالأساس على أداء قواتنا في كلتا الحربين، بينما يغيب عنها الدرس الأهم الذي تعلمناه من حرب فيتنام: المصاعب والتحديات الكبيرة التي تحيط بمحاولات بناء جيش دولة أخرى، خاصة إذا ما كانت هذه الدولة مثل أفغانستان التي تتسم بتدني مستوى نموها الاقتصادي، وانتشار ممارسات الفساد السياسي فيها، إضافة إلى ضعف تقاليد الحكم المركزي. وفي نهاية الأمر فإن علينا أن نتخيل كم سيكون إرث حرب فيتنام مختلفاً جداً فيما لو كانت الولايات المتحدة قد تمكنت من بناء جيش فيتنامي جنوبي قوي وقادر على صد الاجتياح الفيتنامي الشمالي عام 1975 للشطر الجنوبي من البلاد. وأياً تكن الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في تلك الحرب -وهي كبيرة دون شك- فإن أفدحها هو الهزيمة الميدانية التي لحقت بقواتنا -بعد سنوات من مغادرة جيوشنا المقاتلة لأراضي فيتنام- وهو ما أفقد كل الدماء الأميركية والتضحيات الكبيرة التي قدمها الجنود طوال سنوات الحرب، معناها وقيمتها. فما الخطأ الذي حدث في محاولة بناء جيش وطني هناك، يكون بوسعه حماية مواطني الجنوب الفيتنامي غير الشيوعي؟ لم تكن لذلك الخطأ علاقة تذكر بنقص الموارد ولا فتور الجهد المبذول من أجل تحقيق الهدف. فالمعروف عن فيتنام الجنوبية أن عدد سكانها أقل كثيراً من الكثافة السكانية الأفغانية، وأن مساحة أراضيها تعادل ربع مساحة أفغانستان. ورغم ذلك يلاحظ أن الولايات المتحدة حشدت هناك من جنودها ما يعادل خمسة أمثال جنودها الذين أرسلتهم إلى ميادين القتال في حربها الحالية في أفغانستان. ومثلما يفعل القادة والمستشارون العسكريون اليوم في أفغانستان، انهمك هؤلاء في مساعدة الفيتناميين الجنوبيين على التخطيط لبناء جيشهم الوطني، فضلا عن مساعدتهم في برامج التدريب العسكري المكثفة. واتسعت هذه الجهود بحلول سبعينيات القرن الماضي تحت ما عرف حينها باستراتيجية «الفتنمة» التي فتحت الطريق أمام ضخ مساعدات عسكرية مالية كبرى لفيتنام الجنوبية، بلغت مليارات الدولارات في حينه. ولدى مغادرة القوات الأميركية أراضي فيتنام، بدت جميع مؤشرات الأداء جيدة ومطمئنة. فقد بلغ عدد جنود الجيش الوطني لفيتنام الجنوبية مليون جندي. وبالنتيجة كانت التقديرات الأمنية تشير إلى بسط الأمن في القرى والمناطق الريفية المختلفة بنسبة 97 في المئة. كما وصفت التقديرات الأمنية الاستخباراتية الأميركية لعام 1974، جيش فيتنام الجنوبية بأنه «جيش قوي الشوكة والعزيمة». وبالنتيجة لم يكن قادة فيتنام الشمالية أنفسهم يحسبون أن في وسعهم هزيمة جيرانهم الجنوبيين حتى حلول عام 1976. لكن يجب القول إن مثل تلك الإحصاءات -التي يرجح اعتمادنا على ما يشبهها في توقعنا للتقدم الذي يمكن أن تحرزه قواتنا المرابطة في أفغانستان بحلول العام المقبل- تغيب عنها ثلاث حقائق أساسية. أولاها أن تلك الإحصاءات الخاصة بأدائنا في فيتنام الجنوبية قامت على الكم على حساب الكيف. والدليل أن نمو عدد مقاتلي جيش فيتنام الجنوبية لم ينف حقيقة استمرار اعتماد ذلك الجيش الوطني الجرار على المستشارين والقادة العسكريين الأميركيين. والحقيقة الثانية تتمثل في أن الولايات المتحدة بنت جيشاً وطنياً في فيتنام الجنوبية أكبر مما تستطيع تمويله بمصادرها المالية الوطنية. أما الحقيقة الثالثة فهي أن الولايات المتحدة بنت جيش فيتنام الجنوبية على حساب مؤسساتها السياسية. وأخيراً يجب القول إن أفغانستان ليست فيتنام الجنوبية، كما أن «القاعدة» و»طالبان» يختلفان كثيراً عن المليشيات الشيوعية المقاتلة في فيتنام الشمالية. وتختلف ظروف ودوافع الحربين اختلافاً كبيراً هي الأخرى. غير أنه من الواجب أن نتعلم درس التواضع إزاء ما يمكن تحقيقه في أفغانستان، اعتماداً على درس الحرب الفيتنامية. ويعتمد استقرار وأمن أفغانستان على مدى قدرتنا على بناء قوات أمن وطني فيها. وهذا هو التحدي الرئيسي الذي نواجهه اليوم. كيتلن تالمادج زميلة زائرة بـ «مركز دراسات السلام والأمن» بجامعة جورج تاون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©