الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مأزق العلاقات الصينية - الماليزية

11 ابريل 2014 23:48
سيمون دينير بكين تسعى الحكومة الصينية جاهدة لجبر الضرر الذي لحق بعلاقاتها مع ماليزيا على خلفية انتقاداتها اللاذعة للطريقة التي جرى بها التحقيق في حادثة اختفاء الطائرة الماليزية، ولاسيما بعدما تلا ذلك من تصاعد للمشاعر القومية الصينية مما أزعج كثيراً ذلك البلد الذي حاولت في الماضي استمالته. فقد كان أحد الملامح الرئيسية للسياسة الخارجية التي أراد الرئيس الصيني، تشي جينبينغ تكريسها خلال سنته الأولى في المنصب تطوير علاقات بلاده مع بلدان جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند. وفي الوقت نفسه السعي إلى مواجهة وعزل حلفاء أميركا الأساسيين في المنطقة وخصوم الصين المتنازعين معها على الجزر والمياه الإقليمية مثل اليابان والفلبين. وقد ركزت بكين حملتها الدبلوماسية الرامية إلى استمالة البلدان الآسيوية على الدول التي ترى أنها تستطيع انتزاعها من الفلك الأميركي من خلال إبرام صفقات تجارية مربحة معها وضخ استثمارات كبيرة في مجالات البنية التحتية. وهذا التوجه هو ما دفع الرئيس الصيني إلى زيارة كوالالمبور في شهر أكتوبر الماضي والحديث بنوع من الحنين إلى الماضي عن العلاقات التاريخية بين البلدين وإحياء «طريق الحرير البحري» القديم، وبموجب ذلك انتقلت العلاقات الصينية الماليزية إلى مستوى أعلى توج بالتوقيع على اتفاق «الشراكة الاستراتيجية الشاملة». وترجمت العلاقة أيضاً بحركة دبلوماسية تقليدية أهدت خلالها بكين زوجاً من دببة «الباندا» إلى حديقة الحيوانات الماليزية في إشارة إلى عمق الصداقة التي تجمع البلدين. ولكن اختفاء الطائرة الماليزية في 8 مارس الماضي وعلى متنها 239 راكباً، من بينهم طاقم الطائرة، وضع حداً لتلك العلاقة المتميزة، فمن بين 227 راكباً على متن الطائرة التي كانت متوجهة إلى بكين يمثل الصينيون ثلثي الركاب. وبعد الحصول على الضوء الأخضر من الحكومة الصينية انفجرت موجة من الغضب العارم تجاه الطريقة التي تعاملت بها السلطات الماليزية مع التحقيق وسادت مشاعر مناهضة لماليزيا في مواقع الإعلام الاجتماعي، ليؤدي كل ذلك إلى انهيار الثقة بين البلدين. ولم يخفِ بول هانل، مدير معهد «كارنيجي» ببكين استغرابه للمدى الذي ذهبت إليه ردة الفعل الصينية، قائلاً: «لقد ذهلت فعلاً لأن ماليزيا تمثل جزءاً مهماً من الاستراتيجية الدبلوماسية للصين في المنطقة، ولابد من الاعتراف بأن ردود فعل المسؤولين الصينيين كان مبالغاً فيها، وهو ما أعطى الفرصة للشعب الصيني كي يلتقط الخيط ويذهب بعيداً في انتقاد ماليزيا». فخلال أيام من اختفاء الطائرة من شاشة الرادار كانت وزارة الخارجية الصينية تحث المسؤولين الماليزيين على التعجيل بإظهار نتائج التحقيق وتحديد مكان الطائرة، واشتكت وكالة الأنباء الرسمية «شينخوا» من انعدام الكفاءة، وغياب الشفافية لدى الحكومة الماليزية، فيما تساءلت صحيفة «جلوبال تايمز» ذات التوجه القومي عما إذا كان الجيش الماليزي يخفي شيئاً. وعندما أعلن رئيس الوزراء الماليزي أن الطائرة سقطت في المحيط الهندي، فجر المئات من أقارب الركاب غضبهم من خلال احتجاج ضد السفارة الماليزية في بكين، حيث أقدم أشخاص على تجميع الأهالي في حافلات ونقلهم إلى مقر السفارة بعد أن وُزعت عليهم اللافتات المكتوبة، بل وحتى توجيههم بطريقة الاحتجاج، وهو الأمر الذي انعكس على الرحلات السياحية من الصين إلى ماليزيا، علماً بأن ماليزيا تمثل إحدى أهم الوجهات السياحية للصينيين. ولكن في النهاية نفد صبر ماليزيا لترد على لسان وزير الدفاع، هشام الدين حسين، الذي أبدى انزعاجاً واضحاً في 25 مارس الماضي وهو يشتكي من أن البحث عن الطائرة تعرض للتشويش بسبب صور الأقمار الصناعية الصينية التي أظهرت بقايا حطام ثبت أنه لا علاقة له بالطائرة المعنية. وعن هذا الانزعاج الماليزي أوضح جيمس تشين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موناش الأسترالية أن الماليزيين كانوا في البداية متعاطفين مع مصاب أقرباء ضحايا الطائرة، ولكن الاحتجاج أمام السفارة أنهى كل ذلك، مضيفاً «إنه نفاق واضح، فالصينيون لن يتجرؤوا على القيام بأي شيء مماثل ضد حكومتهم التي تعد الأكثر غموضاً في العالم والأقل شفافية من أي بلد آخر». فلطالما قللت السلطات الصينية من الحوادث التي تحصل داخل البلد وسعت إلى التهوين من شأنها حتى لا تثير نقمة شعبها، ولكن في حالة الطائرة الماليزية اعتُبرت الحادثة فرصة لتأكيد النزعات القومية باعتبارها مصدر شرعية مهماً للحزب الشيوعي الحاكم. وعندما أحست الصين بخطئها في التعامل مع ماليزيا عادت إلى خطها المعهود، يقول «كياو مو»، أستاذ التواصل الدولي بجامعة بكين، والمتمثل في «إلقاء اللوم على القوى الخارجية والإعلام الغربي». ففي مقال لافت يعبر عن مراجعة للموقف السابق كتب السفير الصيني لدى ماليزيا، هوانج هوكانج، أن الإعلام الغربي هو من يقف وراء «الإشاعات المغرضة، مستخدماً مشاعر عائلات الضحايا لزرع الانقسام بين الصين وماليزيا». ولكن على رغم مراجعة الصين لمواقفها فإنه من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الماليزية وشعبها سيقبلان هذه المقاربة الصينية المختلفة، وهو ما عبر عنه أرنست باور، الخبير في شؤون بلدان جنوب شرق آسيا بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن، قائلاً «يبدو أن الصين أوقعت نفسها في ورطة كبيرة مع الماليزيين وقد يستغرق الوقت سنوات قبل أن تصلح الأمور وتعود إلى سيرتها الأولى». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©