الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخزف الإسلامي ينير جنبات متحف اللوفر في باريس

الخزف الإسلامي ينير جنبات متحف اللوفر في باريس
11 ابريل 2014 21:45
د. أحمد الصاوي (القاهرة) لم يتح للشعوب والأقوام الجوابة في أواسط آسيا أن تتخلى عن هجماتها المباغتة على مناطق الحضارة إلا بعد دخول الإسلام إلى تلك الأصقاع، وكانت القبائل التركية صاحبة السبق في ذلك، ثم ما لبثت عناصر المغول والتتار أن لحقت بها. ويقدم السلاجقة في التاريخ أنصع الأدلة على دور الإسلام الحضاري في جوف آسيا، إذ تحولوا بعد اعتناقهم الإسلام على المذهب الحنفي في منتصف القرن الرابع الهجري من مجرد حراس لقوافل التجارة على طريق الحرير لقادة عسكريين تولوا مهام توحيد الشرق الإسلامي. وإذا كان السلاجقة خلال فترة حكمهم التي بدأت من الثلث الأول من القرن الخامس الهجري قد أعادوا الحيوية السياسية لدار الإسلام بفضل تنظيماتهم الإدارية، فإنهم أيضاً وضعوا الأسس الناضجة لحركة إنشاء المدارس السنية، بعد تشييد المدرستين النظامية والمستنصرية ببغداد، كما أنهم أول من وسع حدود ديار الإسلام على حساب أملاك الدولة البيزنطية بالأناضول، وخاصة بعد موقعة ملاذكرد. وللأسف أن الخلافات دبت بين أمراء السلاجقة بعد هذه المعركة التي هزم فيها البيزنطيون هزيمة ساحقة زعزعت مضاجع القوى المسيحية في أوروبا، ما دفعها لشن حرب طويلة ضد الإسلام بدأت بالحروب الصليبية، وتمخضت عن حركة الكشوف الجغرافية للعالم الجديد قبل أن تصل للحقبة الاستعمارية في القرن 19م. منتجات الفنون وتشهد مقتنيات المتاحف العالمية بأن فترة حكم السلاجقة للأراضي الواقعة بين الصين شرقاً وبلاد الشام غرباً قد عرفت تطوراً فنياً كبيراً في كافة منتجات الفنون التطبيقية بقدر ما اتسمت بطابع فني خاص ناجم عن التأثيرات الصينية والآسيوية التي أدمجت ببراعة في الفن الإسلامي. وتكفي إطلالة سريعة على مقتنيات متحف اللوفر بباريس من خزف العصر السلجوقي لنتعرَّف على ملامح هذا التطور الفني الذي طال تقنيات الصناعة، وكذلك طرزها الزخرفية. ففي إطار الانتقال السلس للمنتجات الصينية، خاصة من الخزف استمرت محاولات الخزافين المسلمين لمحاكاة الخزف الصيني ذائع الصيت، ولكن الاستقرار الأمني والرخاء الاقتصادي في عصر السلاجقة ساعد الخزافين في إيران على الذهاب بعيداً في مجال إنتاج أواني الخزف الجيد، وذلك باكتشافهم استخدام عجينة الصلصال في إنتاج أنواع من الخزف أكثر صلابة ومرونة حتى من الخزف الصيني. مقاييس جمالية ومن أمثلة هذا التطور الفني الكبير، إبريق من الخزف الصلصالي مطلي بطلاء زجاجي باللون الأزرق الفيروزي تعود صناعته للقرن السادس الهجري «12 م»، وهو ذو طابع إسلامي خالص ومبتكر، ويتميز هذا النمط من الأباريق التي شاع إنتاجها بوجود قاعدة حلقية مرتفعة للإبريق وببدن منتفخ تبدو فيه زخارف مضلعة مصبوبة، ثم بكتف منحن يتصل بالعنق الأسطواني بواسطة مقبض رشيق وأخير بصنبور مستطيل، وذلك كله ضمن مقاييس جمالية مدروسة. ويعتقد خبراء اللوفر أن هذا الإبريق المصنوع بالصب، وليس بدولاب الفخراني قد تأثر لحد بعيد بتقاليد إنتاج الأباريق المعدنية المعروفة في العصر السلجوقي. الأرضية البيضاء ومن نفس هذا النوع من الخزف الصلصالي يعرض اللوفر جرة صغيرة لا يتجاوز ارتفاعها 15 سم، وهي تتألف زخرفياً من ثلاث مناطق، السفلى والعلوية، منها مطلية بلون أسود زجاجي براق أما المنطقة الوسطى، فبها كتابة باللون الأسود على طلاء زجاجي سميك جعلها تبدو نافرة فوق الأرضية البيضاء القصديرية ومشابهة لأسلوب السلويت، أو استخدام الظل في الرسم. أما الكتابات فتضم العبارة الدعائية «وفي السعادة والعز والكرامة» التي كتبت بأسلوب فني لتبدو الأحرف، وكأنها أغصان تتمايل بمرونة وأناقة، بينما حرف العطف الواو الواقع بين كلمتي السعادة والعز وضع ليلتف على مقبض الجرة ويندمج معها. وينبغي الاعتراف بأن استعمال عجينة الصلصال بنجاح في إنتاج الخزف لم يتوقف عند حدود المنتجات الجديدة والمبتكرة، بل امتد أيضاً لإحياء منتجات قديمة كانت تعتمد على العجينة الطينية المستمدة من تربة أودية الأنهار في العراق وإيران، وفي مقدمة هذه المنتجات أواني الخزف ذي البريق المعدني التي اختفت من مصر في نهاية العصر الفاطمي، بينما شهدت طفرة كبيرة خلال عصر السلاجقة بإيران بفضل استخدام العجينة الصلصالية. طريقة فنية ومن أجمل مقتنيات متحف اللوفر من خزف البريق المعدني السلجوقي كوب بقاعه زخرفة على أرضية مذهبة قوامها مروحة أو سعفة نخيلية، وقد رسمها الفنان بطريقة فنية سمحت له بتغطية كامل الكوب من الداخ،ل فعلى الجانبين رسم لنصف مروحة نخيلية تتخذ هيئة الهلال وبينهما سعفة كاملة ترتكز على مزهرية رشيقة. أما حافة الكوب من الخارج، فقد كتب عليها الخزاف عبارة دعائية كانت شائعة في منتجات الفنون الإسلامية ونصها «النعمة والسعادة والسلامة». وتبلغ الروعة ذروة تستحق الإعجاب في مجموعة من المربعات أو البلاطات الخزفية الصغيرة، وهي أيضاً من الصلصال المزدان بالبريق المعدني، ويبلغ عدد هذه المربعات ثمانية كلها غير متماثلة في زخارفها، ويعتقد أنها كانت تغطي جدار أحد القصور السلجوقية قبل أن تقتلع وتستخدم لكسوة أحد المدافن، ثم تقتلع مرة ثانية لتباع في أسواق العاديات، وبينما حاز اللوفر هذه المربعات على سبيل الهبة من شارل بيه لاتودري في عام 1909 م ذهبت أربعة أخرى من ذات النوع للمتحف البريطاني. وتحفل المربعات برسوم وزخارف متنوعة منها، مناظر تصويرية لأشخاص رسمت بنفس أسلوب مدرسة التصوير العربية التي نشأت وازدهرت في عصر السلاجقة، وكذلك رسوم لحيوانات وطيور رسمت بقدر كبير من الحيوية، فضلاً عن زخارف نباتية وهندسية وكتابية رسمت جميعها بألوان البريق المعدني الذهبي مع لمسات قليلة باللون الأزرق الكوبالت. ابتكارات مدينة الري يضم متحف اللوفر بعض أمثلة من الخزف المينائي، وهي من ابتكارات مدينة الري في العصر السلجوقي، وهو خزف صواني رقيق العجينة تم حرقه على نار هادئة لتثبيت ألوان الميناء المتعددة تحت الطلاء الزجاجي الشفاف، وهو يعد من أفخم أنواع الخزف الإسلامي وأحفلها بالمناظر التصويرية التي رسمت غالباً بتسعة ألوان مختلفة. ومن أجمل نماذج الخزف المينائي كوب الفرسان الثلاثة، وهو يعرف بتلك التسمية لوجود رسوم لثلاثة من الفرسان توسط مربعات ثلاثة بوسط داخل الكوب وتحيط بها رسوم لجواري البلاط وطاس يزدان خارجه برسوم لكائنات خرافية وملفقة تحت الكتابة الكوفية المحيطة بفوهته، بينما الجزء الأسفل من الطاس به رسوم لعازفات على بعض الآلات الموسيقية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©