الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تربية العقل

تربية العقل
28 يوليو 2008 23:21
لا يمكن أن يتفق اثنان على أمر ما حد التطابق، ولا يمكن أن يختلفا حد التنافر، هنالك منطقة وسطى يمكن الالتقاء فيها، تتسع للتلاقي مهما كانت صغيرة، على ألا يتم اللجوء إلى الشطب والمصادرة والإلغاء النهائي، لأن نتيجة ذلك هو القطيعة والحرب المعلنة وغير المعلنة· إن أسوأ ما يمكن أن تصاب به آلية التفكير هو تعميم الأحكام واتخاذ مواقف قطعية، وعدم ترك مساحة رمادية تصل الأبيض والأسود· إن هذه المساحة هي التي تميز المتأمل عن المتسرع، والانفعالي عن الحكيم، والمتطرف عن الموضوعي، بل إن أسوأ ما يمكن أن تصاب به الشخصية هو إعطاء الحق لذاتها في تقويم الآخرين، ووضعهم في خانات، وتصنيفهم ووضعهم في أطر محكمة الإغلاق، لا يمكن الدخول إليها أو الخروج منها إلا بالكسر، وهذا الكسر سيؤدي حتما إلى صراع قد يمتد سنوات وعقودا· إن آفة المذاهب والطوائف والأحزاب التعصب، وهذا يشمل المدارس والاتجاهات النقدية أيضا، فيصار إلى إعمال القلم الأحمر دون دراية، في الوقت الذي يجب على الناقد أن يتحلى باتساع الأفق، والتأمل بالنصوص والأعمال الإبداعية، ومحاورتها وليس محاكمتها قبل إطلاق أي حكم، إذ أن تلك الأعمال الإبداعية لا تخضع لقوانين صارمة ونهائية، وكل نص يحمل قوانينه الخاصة وأجواءه ولغته ومنطلقاته· إن أي عضو لجنة تحكيم في مسابقة إبداعية يجب أن يراعي هذه الأمور، وأن ينصت لصوت المبدع قبل أن يجهز نصه النقدي، وأن يراعي سيره وفق مسار العمل الإبداعي، فلا يستعرض لغته حتى تكاد تدخل العمل في ضبابية عصية على الفهم· المحكم والمبدع ليسا في تنافس، لا في مجال الإلقاء ولا استعراض اللغة ولا احتكار المتلقي، ومهمة المحكم، كما هو المتلقي، هو الالتقاء مع المبدع في مساحة المناوشة الجميلة، وليس في غرفة التشريح، ولهذا السبب، قد تتفاوت أراء أعضاء لجنة تحكيم واحدة نحو نص أو عمل معين، بل أحيانا تتناقض الآراء وتختلف اختلاقا جذريا، وقد يشيد أحدهم بقصيدة ويكيل لها المديح بلغة احتفالية، وقد يقول عضو تحكيم آخر بأن هذه القصيدة تخلو من الشعر، فماذا سيفهم صاحب الإبداع، وأين ستتجه جهوده في التقويم· الناقد، المفكر، رجل الدين، السياسي، المتلقي المتخصص، كلهم معنيون في تربية العقل، وتدريب الذائقة، وتوفير الأجواء للتعرف على الرأي الآخر، وإشاعة آلية تفكير تستوعب جوهر الاختلاف، خاصة ونحن نعيش في عالم اقتربت فيه الثقافات والعادات حتى تلاصقت وتشابهت، وتعددت أنماط الإبداع والطروحات الفكرية حد الارتباك، والتعامل مع هذا الواقع، يتطلب التخلص من الشخصانية والانفعالية والاستبدادية والاحتكارية والعنصرية، نحو تلاقح يؤدي إلى الالتقاء في المساحة الرمادية، حتى لا تتعرض علاقاتنا إلى مزيد من التنافر· akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©