مقترح روسيا الأمني

أعدت روسيا، التي كانت تُظهر في عهد رئاسة ''فلاديمير بوتين'' عداءً متزايداً تجاه منظمة حلف شمال الأطلسي ''الناتو'' وغيره من المنظمات الأمنية الأخرى التي نشأت في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، مجموعة من المقترحات التي تهمش هذه المنظمات وتضعفها لصالح منظمةٍ أكبر· المقترحات، التي من المفترض أن تكون قد قُدمت إلى ''الناتو'' أمس الاثنين في بروكسيل، من شبه المؤكد ألا تحظى بقبول الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين، لكنها تعكس برأي العديد من المراقبين أحدث جهود تبذلها روسيا لإعادة فرض نفسها في الساحة الدولية وتحدي ممارسات دبلوماسية قديمة، حيث يريد ''الكريملين'' على وجه الخصوص إضعاف ''منظمة الأمن والتعاون في أوروبا''، التي تُعد روسيا عضواً فيها، و''الناتو''، الذي ليس عضواً فيها، كما تقضي المقترحات الروسية بتأسيس اتفاق أمني واسع مفتوح في وجه كل الدول، بما في ذلك الصين والهند ربما· وقد اعترف ''دميتري روجوزين'' -المبعوث الروسي إلى ''الناتو''- بأن التحالف لن يتبنى مقترح بلاده بسرعة، إلا أنه أشار في الوقت نفسه إلى أن ''الكريملين'' يأمل في بدء حوار، وفي هذا السياق كتب ''روجوزين'' يقول في معرض جوابه على أسئلة حول المقترحات الروسية: ''إننا لا نتوقع رد فعل فوري من قبل الشركاء الغربيين، أو رفضاً، أو على النقيض من ذلك، تصفيقاً، وإنما نتطلع إلى التعاون والعمل الجماعي وبحثٍ عملي للمقاربات البناءة''· وكان ''بوتين'' قد أرسل ''روجوزين''، الذي يتمتع بسمعة جيدة باعتباره من عتاة القوميين الروس، إلى التحالف هذا العام، فيما اعتُبر على نطاق واسع محاولةً لتثبيت شخصية مثيرة للاستفزاز للدفاع عن مصالح روسيا في بروكسيل، ومعلوم أن ''بوتين'' هو رئيس وزراء روسيا، و''دميتري ميدفيديف'' هو الرئيس، وكان المتحدث باسم التحالف ''جيمس أباثوراي''، أعلن يوم الأحد أن ''الناتو'' سيعلق على مقترحات ''روجوزين'' حالما يتوصل إلى مزيد من التفاصيل· والواقع أن ''الكرملين'' بدأ منذ مدة في الترويج إلى ضرورة إحداث تغييرات في ''منظمة الأمن والتعاون في أوروبا''، ومعلوم أن من بين الأدوار التي تضطلع بها هذه المنظمة، مراقبة الانتخابات في الدول التي كانت تشكل فيما مضى جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، ولكن ''الكرملين'' انتقد خلال العام الماضي عمل فريقها المشرف على مراقبة الانتخابات ووصفه بأنه منحاز وغير محايد· وتشير المقترحات الروسية الجديدة إلى أنه الآن -وقد أُعيد إحياء الاقتصاد الروسي بعد فوضى عقد التسعينيات- إن البلد بصدد البحث عن وسائل جديدة لتوسيع نفوذه وتأثيره، وفي هذا الإطار يقول ''آندرو موناجان'' -الخبير في الشؤون الروسية بكلية ''الناتو الدفاعية'' في روما-: ''إن موسكو تعتقد أن الهندسة الأمنية الحالية في أوروبا هي من بقايا ايديولوجيا كتلة الحرب الباردة''، مضيفاً: ''روسيا تنظر إلى نفسها باعتبارها أكبر دولة تمتد في أوروبا وآسيا وتمتلك القوة والقدرة على الاضطلاع بدور عالمي، ومن ذلك حماية مصالحها القومية والعمل على اقتراح حلول للمشكلات الدولية''· وفي صميم المقترحات الروسية، يقول ''روجوزين'': هناك اتفاقية أمنية أوروبية جديدة يُراد لها أن تكون وثيقة ملزِمة قانونياً وتقوم على ميثاق الأمم المتحدة، وحسب المبعوث الروسي كذلك، فإن روسيا تريد أيضا أن تقوم بعقد منتدى دولي يشمل ''منظمة الأمن والتعاون في أوروبا''، و''الناتو''، و''الاتحاد الأوروبي''، و''رابطة الدول المستقلة'' التي تقودها روسيا، و''منظمة اتفاقية الأمن الجماعي'' التي تتزعمها روسيا وتضم بلدان وسط آسيا· أما السبب الرئيس لاتفاق أمني جديد، حسب المقترحات الروسية، فهو أن أوروبا لم يعد باستطاعتها التعاطي مع المشكلات التي تواجهها، حيث تقول: ''إن الأمن الأوروبي الحديث يعرف الكثير من المشكلات من توسيع منظمة (الناتو) إلى الهجرة غير المشروعة، وتجارة المخدرات والجريمة المنظمة والإرهاب''· جودي ديمبزي- برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز